غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

شمع الأمل: بسمة حجازي تحوّل خيمتها إلى ورشة حياة في قلب العتمة

شمس نيوز - منة الحنفي

 

في خيمة صغيرة نُصبت على عجل في منطقة المواصي جنوب قطاع غزة، تفوح رائحة الشمع الساخن ممزوجة بالإصرار والتحدي، هناك، تجلس الشابة بسمة حجازي، ذات الثلاثة والعشرين عامًا، منهمكة في صناعة الشموع يدويًا، بعد أن خسرت كل ما تملك إثر العدوان الأخير، بما في ذلك محلها الصغير في مدينة رفح.

بسمة لم تنتظر المساعدات ولم تستسلم، فأعادت تشغيل مشروعها من تحت الصفر، وسط ظروف النزوح القاسية، لتحوّل قطعة شمع إلى مصدر ضوء، ومصدر رزق.

قبل الحرب، كانت شموع بسمة تزيّن مناسبات الفرح وتعبق بعطور الورد والفل، مشروع منزلي صغير حظي بإقبال واسع. لكن بعد أن قُصف منزلها ومحلها، اضطرت للنزوح مع عائلتها إلى خانيونس، حيث بدأت من جديد، دون أدوات أو إمكانيات، بل بموارد محدودة وإرادة لا تنكسر. تقول بسمة: "في البداية الناس كانوا يطلبوا الشمع للمناسبات، الان صاروا يطلبوه عشان يضوّوا خيمهم، الكهرباء مقطوعة، وما في بديل".

ورغم صعوبة الوضع، تُصر بسمة على الاستمرار. تعتمد على أدوات بسيطة: علب طعام فارغة كقوالب، شمع مُعاد تدويره، وفتائل تُلَف يدويًا. كل شمعة تمرّ بين يديها بتأنٍ، تحمل بصمة تحدٍّ، وتفيض بروح الأمل.

لكن العقبات لا تتوقف عند الحدود الفنية، المواد الخام نادرة وأسعارها مرتفعة، في وقت يعجز فيه كثيرون عن دفع تكلفة شمعة واحدة. تقول بسمة: "الكيلو صار غالي، والناس ما معها تدفع. وأنا لو رفعت السعر ما ببيع، ولو خفضته بخسر". حاولت بيع منتجاتها عبر أحد التطبيقات البنكية، لكنها فوجئت بعمولات مرتفعة تصل إلى أكثر من 50%، إلى جانب صعوبة سحب الأرباح، ما حوّل التجربة من فرصة إلى عبء.

ومع ذلك، لم تتوقف، تعمل يوميًا على تطوير المنتج باستخدام مكونات طبيعية لتعطير الشمع، وتفكر في حلول جديدة. تؤكد أن الزبائن يثنون على منتجاتها ويعودون للشراء، ليس فقط لجودتها أو شكلها، بل لحاجتهم الملحّة إليها.

الخبير الاقتصادي محمد أبو عابد يصف مبادرة بسمة بأنها "طوق نجاة في بيئة محاصرة مثل غزة، لكنها بحاجة إلى دعم مباشر وسريع، لا إلى وعود مؤجلة". وتقول الباحثة ندى العكلوك من مؤسسة "بال ثينك" إن بسمة تمثل مئات النساء اللواتي يحاولن النجاة عبر مشاريع منزلية، وتدعو إلى توفير الخامات وتسهيل الترويج الرقمي دون تحميل النساء أي أعباء إضافية.

تجربة بسمة لا تنحصر في نجاح مشروع نسائي صغير وسط الحرب، بل تتجاوز ذلك إلى كونها رسالة صمود حيّة. مشروع شُيّد من بين الركام، وتحول إلى شعلة أمل تضيء حياة من حولها، شموع بسمة لا تُنار فقط داخل الخيام، بل تُشعل معنى جديدًا للحياة رغم كل العتمة.

"ما دام في شمع.. في ضوّ. وما دام في ضوّ.. في أمل." تقولها بسمة، وهي تضع شمعتها التالية جانبًا، استعدادًا ليوم جديد من العمل.