قائمة الموقع

جمجمة مُستأصلة وأنابيب متدلية وعظام بارزة.. "مصعب الدبس" يتآكل في مواجهة الموت البطيء

2025-07-23T15:30:00+03:00
شمس نيوز - وليد المصري

تجلس أم "مصعب الدبس" على كرسي بجوار سريره داخل مستشفى الشفاء بمدينة غزة، تُراقب ملامحه الشاحبة، وتتحسس يديه الهزيلتين وقدماها اللتان برزت العظام منهما، وتبكي بحسرة وانكسار أمام جسده النحيل الذي يتآكل يوماً بعد يوم، جراء سوء التغذية والمجاعة الكارثية التي وصل إليها قطاع غزة، جراء سياسية التجويع التي تنتهجها "إسرائيل" واستخدام الغذاء كسلاح في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على القطاع، منذ 7 أكتوبر 2023م، فيما يتدلى من أنفه ورقبته "أنابيب" طبية جراء إصابة تعرض لها في استهداف إسرائيلي. 

الحكاية المؤلمة بدأت في أحد أيام شهر مايو الثقيلة، وتحديداً في ليلة 7-5-2024م، إذ كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حين دوى انفجار عنيف، وسقطت قذيفة إسرائيلية على المنطقة التي يتواجد فيها الطفل "مصعب علي موسى الدبس" (14 عاماً)، ليُصاب في رأسه بإصابة بالغة، نُقل على إثرها إلى المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة، وهناك بدأت رحلة الألم، حيث تم استئصال جزء من جمجمته.

لكن هذه الرحلة المؤلمة، سرعان ما زادت ألماً، حيث حاصرت قوات الاحتلال المستشفى، ما اضطر الطواقم الطبية إلى نقل الطفل "مصعب" وعدد من المصابين الآخرين على وجه السرعة إلى مستشفى الشفاء، حيث يرقد حتى اللحظة، بعد مضي أكثر من 70 يوماً من الجوع والموت البطيء.

تقول والدته، والدمع يسابق الكلمات من عينيها: "أُصيب ابني في الرأس، وتم استئصال جزء من الجمجمة، ومصعب يعاني من تقرحات شديدة وسوء تغذية حاد، بسبب إغلاق المعابر وحصار غزة، ولا يوجد أي رعاية طبية، لا يوجد شيء، والله سأفقده إن لم نسافر للعلاج بالخارج".

قبل الإصابة، كان "مصعب" صبياً مفعماً بالنشاط، ويساعد والدته في كل تفاصيل الحياة اليومية، تٌضيف والدته لمراسل "شمس نيوز" بصوتٍ مرتجف: "كان يحضّر لي الماء، ويطبخ معي، ويساعدني.. كان كل حياتي، يدي اليمنى، وعيني التي أرى بها، والدنيا التي أسمعها".

لكن صوت "مصعب" خفت، كما خفتت حركة جسده، وبهتت نظراته، فقد تضرر جسده بشكل كامل، كما تؤكد والدته: "الحركة، الصوت، كل شيء لم يعد كما كان"، ثم صمتت قليلاً قبل أن تهمس: "اليوم أشتاق فقط لسماع صوته".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

كان وزن "مصعب" قبل إصابته، يبلغ نحو 40 كيلوغراماً، لكنه الآن لا يتجاوز 10 كيلوغرامات، ويتآكل جسده جراء المجاعة الكارثية وسوء التغذية، تقول والدته: "ابني يتآكل كل يوم، أقسم بالله، لا يوجد طعام، لا حليب، لا فواكه، لا ألبان، حتى خبز لا نملكه، أطفال غزة يذبلون كالورد كل يوم، ولا أحد يسأل عنهم".

وتستذكر الأم آخر فرحة عاشتها قبل الحرب، حين أتمَّ طفلها عامه الرابع عشر، "فرحت فيه كتير، قال لي: بدي أكبر، بدي أتزوج، بدي أشوف حياتي"، لكن القذيفة كانت أقوى من الحلم.

ومنذ إصابته، يرقد "مصعب" في قسم الجراحة بمستشفى الشفاء، دون أي تقدم يُذكر، حيث لا يُوجد داخل القسم، شيء سوى الآهات، وبطاقات الهوية المرفوعة باستغاثةٍ صامتة، حيث هناك "يصرخون، يتوسلون، يُظهرون الجوازات ويرجون الخروج للعلاج، لكن لا مجيب"، كما تقول الأم المكلومة، وتتابع: "كل أم ترى ابنها تحمد الله، أما أنا، فحرمني الاحتلال من صوت ابني، من دفئه، من حياته".

وتناشد "الدبس" المؤسسات الدولية والحقوقية والصحية بالعمل على إخراج ابنها للعلاج خارج قطاع غزة بشكل فوري؛ قبل أن يفقد حياته جراء هذه المجاعة والإصابة.

وأعلنت وزارة الصحة بغزة، ظهر اليوم الأربعاء، استشهاد 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة، خلال 24 ساعة الماضية.

وأوضحت المصادر ذاتها، أن 25 طفلاً استشهدوا بسبب سوء التغذية والمجاعة خلال الثلاثة أيام الماضية. ونوهت إلى أنه في كل لحظة تصل حالات سوء تغذية ومجاعة للمستشفيات في غزة، حيث يعاني 900 ألف طفل في غزة من الجوع، 70 ألفاً منهم دخلوا مرحلة سوء التغذية
وأكدت أن حياة مرضى السكري والكلى مهددة بسبب سوء التغذية، ويتعرضون لنوبات شديدة جراء التجويع الذي يمارسه الاحتلال ضد أهالي قطاع غزة.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هناك 17 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، كما أنه يتم التعامل مع مرضى لديهم حالات من الإجهاد وفقدان الذاكرة الناتجة عن الجوع الحاد، والمستشفيات ليس لديها أسرة طبية وأدوية تكفي العدد الهائل من المصابين بسوء التغذية الحاد.

وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، قد حذرت من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين آذار/مارس وحزيران/يونيو، نتيجة للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.

وأوضحت أن المراكز الصحية والنقاط الطبية التابعة للأونروا قد أجرت في هذه الفترة ما يقرب من 74 ألف فحص للأطفال للكشف عن سوء التغذية، وحددت ما يقرب من 5,500 حالة من سوء التغذية الحاد الشامل وأكثر من 800 حالة من سوء التغذية الحاد الوخيم.

اخبار ذات صلة