غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

قوافل المساعدات شهادة حياة وجسر كرامة

سرقة شاحنات المساعدات في غزة - سرقة مساعدات.jpeg
شمس نيوز - نضال أبو شربي

"من نتساريم إلى زيكيم، لم تكن المساعدات مجرد قوافل، بل شهادةُ حياة، وجسرُ كرامة، ودمعةُ حقٍّ تمسح وجع الموجوعين، حيث الصمت يُفضَح، والضمير يُختبَر، وتتكسّر أقنعةُ الزيف.
سقط القتلة، لا حين ضُربوا، بل حين كُشفوا، حين تهاوت روايتهم، وتلاشت أساطير جبروتهم أمام طفلٍ يرفع كسرة خبز، وأمٍّ تُربّت على رأس يتيم.
سقطوا لأن الكاميرا لم ترحم، ولأن الشعوب لا تنسى، ولأن كل شاحنة عبرت إلى غزة كانت طعنة في قلب الكذب، وراية انتصار للصادقين.

 

مساعدات نتساريم ليست مجرد دعم إنساني، بل عنوان مرحلة، وسطر في كتاب سقوط الظالمين.

الذهاب إلى الشاحنات ليس مجرد رحلة للبحث عن طعام، بل طقوس يومية تختزل الألم والكرامة معًا.
يستيقظ الناس باكرًا، لا على صوت منبّه، بل على أملٍ هشّ في وصول شاحنة مساعدات قبل أن ينهكهم الجوع أكثر.
يجرّ الرجل جسده المنهك، وتُلبس الأم أطفالها ما تبقّى من دفء، وتحمل بيدٍ طفلًا، وباليد الأخرى كيسًا فارغًا تنتظر أن يملأه القدر.

 

تمضى الجموع نحو النقطة التي سُمع فيها أن الشاحنات قادمة.
لا أحد يعلم كم ستكفي، أو إن كانت ستكفي أصلًا… لكنهم يذهبون.
بعضهم يركض، وبعضهم يزحف بين الأقدام، بعضهم يعود خالي اليدين إلا من الخيبة، وآخرون يظفرون برغيف خبز كأنه كنز.

 

هناك، في محيط الشاحنة، تختلط الأقدام، وتتشابك الأيادي، وتعلو الأصوات.
طفل يبكي لأنه دُفع بعيدًا، رجل يصرخ: "هذا لأولادي!"، وامرأة تهمس بصوت مكسور: "بس شوية رز".
والجندي يصرخ من بعيد: "ارجعوا، ما في لكم أكل!"
لكن لا أحد يعود… لأن من جاع لا يسمع غير صوت المعدة.

 

لثمة العيش صارت نزالًا… وصراعًا، لا للبقاء فقط، بل للبقاء بكرامة.

 

البعض يعود وفي يده كيس صغير فيه زيت وسكر، ويقول لزوجته: "حاولت أكثر، لكن ما قدرت أجيب غير اللي حصلت عليه… وغدًا أعود مرة أخرى لأحصل على أكثر".
آخر يعود حافيًا، ممزق القميص، وآخر محمولًا على الأكتاف، تسيل دماؤه على تراب مصائد الموت.

 

والأطفال يسألون: "ماما، في أكل؟"
فتبتسم الأم وهي تقاوم دمعتها، وتقول: "في… بس اصبروا شوي".

هذه ليست قصة عن الفقر فقط، بل عن الظلم الذي حوّل الناس من أهل أرض وكرامة، إلى طوابير تنتظر المعونة.
لكنها أيضًا قصة صبر وصمود… لأن من يذهب إلى الشاحنات اليوم، لن يركع غدًا، وسيبني وطنًا لا يجوع فيه أحد.

 

حين تقترب الشاحنات، لا يقترب الناس من الطعام فقط، بل من الحياة نفسها.
يركضون لا لأنهم جياع فقط، بل لأنهم يريدون أن يبقوا أحياء، أن ينتصروا على الحصار، على الموت البطيء، على الظلم الصامت.

 

كل خطوة نحو الشاحنة هي صرخة في وجه العالم: نحن هنا، نبحث عن لقمة لا تُشترى بالذل، بل تُنتزع بالكرامة.
أطفال يركضون حفاة، شيوخ يجرّون أقدامهم، نساء يخبئن الخبز تحت أثواب الخوف… كلهم يحملون على ظهورهم وطنًا جائعًا لا يزال واقفًا رغم الجوع، لأن الكرامة لا تسقط مع الخبز.

 

الذهاب إلى الشاحنات ليس مشهدًا عابرًا، بل شاهد على وجعٍ طويل، وعلى كرامة لا تنحني.