قائمة الموقع

بالصور بين نداءات الإغاثة والخذلان.. رعايةُ الحيوانات رغمَ الجوعِ والخطر

2025-08-13T10:34:00+03:00
تربية الحيوانات في غزة
شمس نيوز - لارا فريد العقّاد

في زاويةٍ من مدينةٍ أنهكتها الحربُ المستمرةُ والحصارُ الخانقُ، يجدُ البعضُ أنفسَهم أمامَ مسؤولياتٍ غيرِ مألوفةٍ.

 

الشابُّ “محمودُ جمعةُ” مربّي الأسودِ لحديقةِ الحيواناتِ الأولى في قطاعِ غزةَ، والتي أُسست منذ خمسةٍ وعشرينَ عاماً.

اختارَ محمودٌ أن يمنحَ الحياةَ فرصةً ثانيةً، ورغمَ شُحِّ الغذاءِ والانقطاعِ المستمرِّ للمساعداتِ يواصلُ تربيةَ عشراتِ الحيواناتِ، متحدّياً واقعاً لا يرحمُ البشرَ ولا يلتفتُ لمعاناةِ الحيوانِ.

 

تأثيرُ الحربِ على الحيواناتِ

 

يقولُ جمعةُ إنّه منذ بدءِ الحربِ في السابعِ من أكتوبرَ لاحظَ تغيّراً في سلوكِ الأشبالِ التي يربّيها، حيثُ أصبحت أكثرَ وحشيةً وخوفاً، بعد أن كان يلعبُ معها ويقضي وقتاً ممتعاً معها قبلَ الحربِ. ويضيفُ متأثراً: “منذ عامينَ على بدايةِ الحربِ، لم أعد قادراً على الاقترابِ منها، فقد تعرّضتُ لعدّةِ هجماتٍ كادت تودي بحياتي، ولحسنِ الحظِّ تدخّلت عائلتي وتمكنت من إنقاذي”.

 

الأمراضُ ونقصُ العلاجِ

 

لم تتوقفْ معاناةُ محمودٍ عند حدودِ الخوفِ من الأسود، بل امتدّت لوضع الحيوانات الصحيِّ، إذ أصيبت الحيواناتُ بأمراضٍ جلدية وجهازية، بسببِ تغيّر البيئة المحيطة والمكان الخاصِّ بالحيوانات، ويوضّح جمعةُ: “لم يتوفّرِ الدواءُ والعلاجُ المناسبُ للحيواناتِ في ظلِّ الحصارِ ونقصِ الأدويةِ وشُحِّ الإمكانياتِ بسبب النزوح من مدينةِ رفحَ إلى مدينة خان يونسَ”.

 

أزمةُ انقطاعِ الطعامِ

 

لكنَّ التحدّي الأكبرَ كان في تأمينِ الطعامِ للأسودِ، حيثُ منذ بدايةِ شهرِ رمضانَ الماضي أُغلقت المعابرُ ومُنع دخولُ المساعداتِ، واستمرَّ هذا الإغلاقُ لمدةِ خمسةِ أشهرٍ وحتى هذه اللحظةِ، ما أدّى إلى مجاعةٍ طالت البشرَ والحيواناتِ على حدٍّ سواءٍ. يروي جمعةُ بيأسٍ: “أتذكرُ قلقَ والدي وجهدَه الكبيرَ في البحثِ أكثرَ من أسبوعينَ عن لحومٍ أو دجاجٍ ولكن دونَ جدوى، حتى اضطررنا لشراءِ حصانٍ ميّتٍ بمئتي دولارٍ لإطعامِ الأشبالِ التي أصبحت كبيرةً وتُعتبرُ أسوداً، ويُعتبرُ هذا مبلغاً كبيراً على أيِّ مواطنٍ غزّيٍّ”.

 

خطرُ انعدامِ الحمايةِ

 

إلى جانبِ انعدام الطعام، يشكّلُ غيابُ الحمايةِ الكافية للأقفاص خطراً كبيراً على العائلة والمخيم المحيط، ويذكرُ جمعةُ: “كنّا قد صمّمنا لها في حديقتِنا في رفحَ أقفاصاً محكمةَ الإغلاق وآمنةً للأسود والمحيط معاً، ولكن بسببِ النزوحِ المتكرّرِ والإمكانيات الشحيحة أصبحت حمايةُ الأسودِ شبهَ معدومةٍ، وهذا يسبّبُ خطراً كبيراً علينا وعلى الآخرينَ، ورغمَ عمل والدي على إصلاحِه المتكرر للحمايات إلا أنّها تُعتبرُ ضعيفةً جداً”.

 

محاولاتُ إجلاءٍ

 

حاولَ محمودٌ وعائلتُه إرسالَ العديدِ من الرسائلِ إلى مؤسساتِ الرفق بالحيوان طالبينَ المساعدةَ أو إجلاءَ الحيوانات خارجَ القطاعِ، ولكن دونَ جدوى. يكملُ جمعةُ بحزنٍ: “نشرنا العديدَ من المناشداتِ عن طريق ناشطينَ اجتماعيّينَ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، لكنها قوبلت بالصمت وبعضُها بالاستهزاء”.

 

حبٌّ لا ينكسرُ رغمَ الحروبِ

 

رغمَ كلِّ هذه التحدياتِ يؤكّدُ محمودٌ أنَّ حبَّه للأسود لا يزالُ قويّاً، ويعتقدُ جمعةُ أنَّه سوف يستمرُّ في تربية الأسودِ بعد توقف الحرب، ويرغبُ يوماً ما أن يفتتحَ مدرسةً خاصةً في طريقة التعامل مع الأسود.

ويتابعُ جمعةُ: “ربما سأكونُ محظوظاً في المشاركة في سيركٍ عن الأسود، وهذا حلمي الكبيرُ”.

 

رأيُ مختصّينَ

 

أفادَ الدكتورُ محمدُ البيومي وهو طبيبٌ بيطريٌّ في غزةَ، أنَّ نحوَ 90‎%‎ من العيادات البيطرية قد دُمّرت بالكامل، واستُنفد ما يقاربُ 80‎%‎ من مخزون الأدوية البيطرية بحلول منتصف عام 2024، ما تركَ آلافَ الحيوانات دون رعايةٍ طبيةٍ فاعلة.

 

وفي دراسةٍ أخرى سُلّط الضوءُ على حجم الكارثة الحقيقية التي لحقت بالحيوانات في غزةَ، حيثُ دُمّرت بشكلٍ شبه كامل، وكان في قطاع غزةَ ما يقاربُ 15.000 بقرةٍ قبلَ الحرب، ومع بدء العدوان وحتى اللحظة نفقَ ما يقاربُ 97‎%‎ منهم نتيجةَ القصف والجوع،أمّا الحمير والبغال فقد نفقَ ما يقاربُ 43‎%‎، أمّا الحيواناتُ الأليفةُ والمفترسةُ فقد كانت معاناتُها مضاعفةً.

 

هكذا تُختصرُ الحكايةُ في غزةَ، قد تكونُ هذه الجهودُ بسيطةً في ظاهرِها لكنّها تحملُ بُعداً عميقاً في مواجهةِ الموتِ، قصةُ محمودِ جمعةَ ليست مجردَ حكايةٍ عن مربّي أسودٍ، بل شهادةٌ حيّةٌ على معاناة البشر والحيوان في غزةَ تحتَ الحربِ والحصارِ، ومن هنا نوجّهُ نداءً عاجلاً إلى المؤسساتِ الدوليةِ والجمعياتِ المعنيةِ بالرفقِ بالحيوانِ لتقديمِ الدعمِ الطارئِ لمربّي الحيواناتِ وأصحابِ مزارعِ الحيوانات في غزةَ، وتوفيرِ الرعايةِ البيطرية والغذاء، فقد أصبحت هذه الكائناتُ جزءاً من ضريبةِ الحربِ، فالرحمةُ لا تتجزّأُ والنجاةُ يجبُ أن تكونَ حقّاً للجميع، حتى لمن لا يستطيعُ أن يطلبَها.

اخبار ذات صلة