قائمة الموقع

ماذا فعل انس لإسرائيل؟!

2025-08-14T12:35:00+03:00
تشيع الشهيدين محمد قريقع و انس الشريف

بقلم حسين البطش

صحفي وكاتب فلسطيني

نفذت إسرائيل عشرات عمليات الاغتيال بحق مئات الصحفيين في قطاع غزة، خلالها حربها المستكرة في غزى في محاولة لطمس الحقيقة ومنع صورة القتل من أن تصل إلى العالم. حرب غزة لم تكن تقتل الإنسان الفلسطيني فحسب، بل كانت تسعى لاغتيال الرواية، وتجريد المأساة من شهودها. ومع اتساع المعركة وقسوتها، خصوصًا في أسابيعها الأولى، أصبح انخراط الصحفي الفلسطيني في معركة الصورة قرارًا محفوفًا بالموت، يتطلب شجاعة استثنائية واستعدادًا لدفع الروح ثمنًا للحقيقة.

برزت قناة الجزيرة كأحد أهم المنابر التي نقلت أدق تفاصيل الحرب، عبر شبكة مراسليها في الميدان وقد نجحت القناة بتغطية حرب غزة وتعتبر هذه التغطية من اهم واخطر التغطيات كونها تغطي حرب طولية ومدمرة وفي مساحة صغيرة وانعدام لمقومات التغطية المعتادة كهرباء سولار واتصالات وانترنت في اوقات كثيرة لم يعتاد عليها الصحفيين في العقود الاخيرة ورغم هذه التحديات كانت دقيقة ومستمرة دون اي تراجع في كل فصول الحرب الدائرة ورغم الثمن الكبير الذي دفتعه القناة.

 لكن إسرائيل، التي أدركت خطورة هذا الصوت على صورتها، استهدفت الجزيرة بشكل ممنهج، فاغتالت عائلات بعض مراسليها، مثل الصحفي وائل الدحدوح، الذي فقد أسرته في غارة إسرائيلية، وتعرض هو نفسه للاستهداف، إلى جانب المصور الشهيد سامر أبو دقة، واغتيال الصحفي اسماعيل الغول ثم استهداف الصحفي حمزة الدحدوح.

آخر فصول هذا الاستهداف تمثل في اغتيال فريق عمل الجزيرة في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، وعلى رأسهم الصحفي أنس الشريف والصحفي محمد قريقع، وآخرون من طاقم القناة.

باغتيال انس الشريف وطاقم الجزيرة في غزة يرتفع عدد الشهداء الصحفيين في هذه الحرب الى ٢٣٧ شهيدا حسب إحصائيات محلية فلسطينية في واحدة من أكثر الحملات دموية ضد الإعلاميين في العصر الحديث. وأكدت منظمات دولية مثل مراسلون بلا حدود أن حجم الاستهداف غير مسبوق، وأن كثيرًا من هؤلاء الصحفيين قُتلوا مع عائلاتهم داخل منازلهم أو أثناء ممارسة عملهم الميداني، ما يشير إلى سياسة ممنهجة لإسكات الشهود.

ورغم ان استهداف الصحفيين في مناطق القتال يُعد جريمة حرب واضحة وفق اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، الذي يضمن حماية العاملين في الإعلام بوصفهم مدنيين وقد دعت منظمات حقوقية ومحاكم دولية إلى فتح تحقيق عاجل في جرائم استهداف الإعلاميين بغزة ورغم ذلك لم تعر اسرائيل اي اهتمام لهذه لهذه المواثيق والقوانيين وواصلت قتل الصحفيين واحيانا تكون عملية الاغتيال بعد دقائق من اخر رسالة اعلامية كما جرى مع الصحفي محمد قريقع .

كان أنس الشريف، مراسل الجزيرة في شمال القطاع، شاهدًا حيًا على أفظع المجازر التي شهدها مخيم جباليا مسقط رأسه ومهوى قلبه. من يتابعه كان يشعر أنه حاضر في كل مكان يتعرض للقصف، متحديًا النار والخطر، لينقل الحقيقة دون مونتاج أو تزييف، ملتزمًا برواية الواقع كما هو. صور أنس وجرأته ألحقت ضررًا كبيرًا بصورة إسرائيل عالميًا، وساهمت في تحريك الرأي العام ومؤسسات العدالة الدولية نحو النظر في جرائم الحرب ولولا رواية انس وزملائه لغابت الحقيقة.

اختار أنس أن يكون صحفيًا مؤتمنًا على رسالته في أصعب الأوقات، ونجح كجيل صحفي شاب في توثيق المجزرة الجارية في غزة ببراعة. شكّل صوته وشاشة الجزيرة نافذة للعالم على مأساة التجويع التي فرضتها إسرائيل على شمال القطاع مطلع 2024، وكان له دور بارز في نقل معاناة الناس في ظل الحصار والجوع في الحصار الاول لمدينة غزة مطلع عام ٢٠٢٤ وفي حرب التجويع الثانية التي افرزت لها الجزيرة مساحة واسعة وكان انس ومحمد قريقع جزء من ناقلي هذا المأساة الحديثة.

إسرائيل، التي أدركت هذا الدور، حاولت إسكاته عبر التهديدات المباشرة، والاتصالات به، وحتى تصريحات الناطق باسم جيشها، أفخاي أدرعي، الذي شن هجمات إعلامية متكررة على الجزيرة ومراسليها، خاصة أنس الشريف والصحفي فيها تامر المسحال الذي هاجمته مؤسسة الناطق باسم الجيش اكثر من مرة بسبب تغطية مراسلي الجزيرة في غزة لتفاصيل الحرب في إشارة الى تاثرها من المشهد الاعلامي الخارج من قطاع غزة كل ذلك كان مؤشر على نوايا اسرائيل تجاه القناة.

 

تستدعي جريمة اغتيال الصحفيين في قطاع غزة رد فعل عاجلًا وقويًا على المستويين الفلسطيني والدولي. فلسطينيًا،فيجب توحيد الجهود لتشكيل لجنة وطنية لمتابعة ملف استهداف الإعلاميين، والعمل على توثيق كل الانتهاكات وتقديمها إلى الجهات القضائية الدولية كذلك، تعزيز حماية الصحفيين داخل قطاع غزة من خلال توفير آليات دعم قانوني لهم، والتأكيد على حرية الإعلام كحق أساسي لا يمكن التنازل عنه مهما اشتدت الظروف.

 

أما على الصعيد الدولي، فتتوجب على منظمات حقوق الإنسان ومنظمات حماية الصحفيين الضغط على المجتمع الدولي لتفعيل آليات المساءلة، وفتح تحقيقات مستقلة وشفافة في جرائم الحرب المرتكبة بحق الإعلاميين. ويجب أن تشمل هذه التحقيقات محاسبة قادة الاحتلال المسؤولين عن إصدار أوامر الاستهداف،

 

غزة نامت حزينة على انس ورفاقه وبكته بيوت غزة كانه ابن لكل اسرة في غزة 

 

رحل أنس الشريف ومحمد قريقع، لكن أصواتهما وصورهما ستبقى شاهدة على جريمة لن تسقط بالتقادم. لم تكن رصاصات الاحتلال موجهة لأجسادهما فقط، بل كانت تستهدف الكاميرا التي وثقت، والميكروفون الذي صدح، والحقيقة التي أوجعت.

ستظل الجزيرة، رغم الخسائر والجراح، منبرًا مفتوحًا ينقل للعالم نبض غزة وألمها وصمودها. وفي كل مشهد يوثق، وفي كل كلمة تُقال، سيعيش أنس ومحمد وكل شهداء الكلمة، لتبقى الصورة أقوى من الرصاص، ولتبقى الحقيقة عصيّة على الاغتيال ولتبقى التغطية مستمرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اخبار ذات صلة