شمس نيوز/علي محمد
يرى البعض أن الإعلام العربي بكل وسائله يمر بمرحلة صعبة ومعقدة، حيث أصبحت مهنة الإعلاميين قطاراً جامحاً بلا سائق يدير السكة، فيأخذ كل من يركبه نحو الهاوية والمجهول، ويصبح الحليم حيرانا لكثرة الخطابات وتناقضاتها وكثرة التلون الذي يمر به الإعلام العربي بشتى وسائله ليصل في النهاية إلى مرحلة السواد القاتم.
أفضل من السابق
الإعلامي الأردني من أصلٍ فلسطيني والمذيع في قناة "الجزيرة" توفيق طه، يرى أن واقع الإعلام العربي الحالي أفضل من حاله في السنوات الخمسة عشر الماضية، رغم ما يحدق به من صعوبات, حيث لم يكن في الماضي سوى إعلام رسمي فقط, ولم تكن هناك وسائل الاتصال والتواصل التي أتاحت للمتلقين الاطلاع على وجهات نظر الآخرين, لاحتكار الإعلام الرسمي للرأي ذي الاتجاه الواحد سنوات طويلة.
ويشير طه في حديث لـ"شمس نيوز" إلى دور تكنولوجيا الأقمار الصناعية وموجة الاتصالات الواسعة في إيجاد مؤسسات ووسائل إعلامية متنوعة وكثيرة, ليصبح هناك مصادر مختلفة لتلقي المعلومة, الأمر الذي انعكس أيضا على وسائل الإعلام الرسمية لتصبح أكثر موضوعية في طرحها العام, حتى لا يهجرها المتلقي العربي كليا.
نكسة الإعلام العربي
وحول تأثر الإعلام العربي بالصراعات في الدول العربية، يعتقد الإعلامي طه أن هناك شبه نكسة أصابت الإعلام والصحافة العربية وأصبحت بعض الوسائل الإعلامية ملتزمة بموقف وقرار مسبق وتبتعد في أدائها عن المهنية والموضوعية في تغطيتها للأحداث.
بالمقابل, أوضح طه أن هناك وسائل أخرى رسّخت أقدامها في مجال الموضوعية وحافظت على أكبر قدر ممكن من المهنية في عملها, مضيفا: لا نستطيع تقييم وسائل الإعلام دوما من خلال رؤية المتلقين وآراء الآخرين , كون المتلقي أحيانا يحمل وجهات نظر محدّدة أيضا".
بحاجة إلى قرار!
ويعتقد الإعلامي في قناة الجزيرة القطرية أن هناك مجالا ومتسعا لتحسين وتطوير واقع الإعلام العربي عندما يكون أكثر موضوعية وأكثر التزاما بأسس وآداب العمل الصحفي, مبينا أن من يملك هذا القرار هو صاحب المؤسسة أو القائمون عليها, سواء كانت جريدة أو اذاعة أو قناة فضائية.
وفي هذا الاطار يؤكد طه على وجود الكثير من الصحافيين مستعدين تماما للعمل بموضوعية اذا أتيحت لهم الفرصة "فأكثر ما ينشده الإعلامي والصحافي هو الحرية في إبداء رأيه والعمل دون أي قيود قد تسببها قرارات القائمين على المؤسسة الإعلامية".
الإعلام الفلسطيني ليس مستقلا
من خلال متابعته للإعلام الفلسطيني بمختلف تصنيفاته، لاحظ الإعلامي طه أن كل وسيلة إعلام تتحرك في منحى مختلف عن الأخرى، وكل طرف يهاجم الآخر، معربا عن اعتقاده بعدم وجود إعلام فلسطيني مستقل حتى اليوم".
وأردف: حتى المسائل الإنسانية في فلسطين يتم تجييرها أحيانا سياسيا, ليُلقي كل طرف المسؤولية على الآخر دون إيجاد حل واقعي للمشكلة".
وتحدث طه عن الانقسام الذي تمر به القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أنه قد ألقى بظلاله على واقع الإعلام الفلسطيني الحالي, ووقف عائقاً أمام وجود سياسة إعلامية موحدة في التعامل مع القضايا الوطنية.
ولفت إلى أن الإعلام الفلسطيني يعمل جزئيا لحساب السلطات في الضفة وغزة، حيث يتم تداول القضايا العربية المختلفة وفق رؤية هذه السلطة أو تلك وعلاقاتها مع الطرف العربي.
واستطرد قائلاً: الاحتلال بحد ذاته وعدم وجود سلطة فلسطينية حرة في قرارها الوطني جعلا من الصعوبة بمكان أن يتم العمل في وسائل الإعلام الفلسطينية بحرية كاملة".
ووجّه الإعلامي توفيق طه رسالةً إلى كافة العاملين في مجال الصحافة والإعلام, بضرورة الالتزام بالمهنية في أي موضوع يتم تناوله, موضحاً أن هذا الالتزام بات أمرا صعباً في وقتنا الحالي.
سياسات ميتة
ويرى الكثير من المراقبين أن تعقيدات وضياع الرؤية الإعلامية الحالية هو نتاج طبيعي لعدم وجود سياسات سليمة لدى الدول العربية في الأساس، بما انعكس سلبا على واقع الإعلام.
وفي هذا الإطار، بيّن المفكر الإسلامي المصري د. فهمي هويدي أن السياسة العربية تعاني أزمة حقيقية في ممارسة الديمقراطية".
وربط هويدي بين عمل الإعلام وأوضاع الدول والمجتمعات العربية, مضيفا: الإعلام لا يستطيع ممارسة دور حيوي في مجتمعات غير ديمقراطية لا تكفل حرية التعبير وحماية الاختلاف, ولن يستطيع الإعلام العربي أن يتقدّم في ظل موت السياسات العربية".
وبخصوص المستجدات والمتغيرات على الساحة العربية وانطلاق ثورات التحرر الشعبية, أوضح د.هويدي متحدثا لـ"شمس نيوز" أن الإعلام العربي مارس دورين مختلفين, فبعضه ساعد في التغيير بكثير من الدول العربية, وآخر ساهم في دعم الثورة المضادة التي سيطر رموزها على الإعلام بما لا يخدم ثورات التحرر في العالم العربي.
وأكد المفكّر الإسلامي أن للإعلام دور هام, كونه يمثل أخطر أساليب التأثير على الشعوب, لكن بعضه لم يستطع أن يمارس هذا الدور بالشكل الإيجابي, بل تحول في عدة حالات إلى جزء أصيل من الثورات المضادة للثورات الوطنية في البلدان العربية، الأمر الذي انعكس على الصحفي العربي بشكل عام, ليعيش مأزقا حقيقيا نتيجة مؤشرات الجزر وليس المد في العالم العربي.
خدمة السياسة الإسرائيلية
وفي إطار قراءته ومتابعته للإعلام الاسرائيلي, يرى د.هويدي وجود حيز من الحرية والديمقراطية في عمل وسائل الإعلام لدى العدو مع جزء من الاختلاف في وجهات النظر, لكن في نفس الوقت يتفق الإعلام الإسرائيلي بمجمله في تدعيم وتعزيز وجهات السياسة الإسرائيلية بما يخدم مصالح الكيان.
والمراقب للإعلام الاسرائيلي -وفق المفكّر هويدي- يلاحظ دوره الكبير في محاربة الثورات الشعبية في البلدان العربية ودعمه الواضح للثورات المضادة من خلال تأييده للأساليب والمخططات الإسرائيلية التي تقف في وجه الحلم العربي بالتحرر.
ولفت د.هويدي إلى أن الإعلام العربي الحالي بات يتجه إلى الانكفاء على الذات, قائلا: كل بلد بات منشغلاً بهمومه ولم تعد قضايا الأمة المركزية والأساسية تمثل أولوية بإدراك الشعوب وخاصة قضية فلسطين".
وعلّل د.هويدي اعتقاده السابق, بكثرة الصراعات الأخيرة في المنطقة والاستقطاب الكبير الذي أشغل الشعوب عن قضايا الأمة المركزية, مشيراً إلى مقال نُشِر مؤخراً في احدى الصحف الاسرائيلية يتحدث عن نسيان العرب لفلسطين.
واجب الإعلام الفلسطيني
ونبّه د.هويدي إلى واجب الإعلام الفلسطيني في حماية المقاومة الفلسطينية بكل مفرداتها, مع ضرورة تجنّب تعميق الصراع الداخلي الذي يشوّه صورة القضية الفلسطينية في الخارج.
ووجّه رسالةً إلى الصحفي الفلسطيني بأن لا ينجر إلى الاستقطاب الداخلي جراء حالة الانقسام والتركيز على قضايا الاحتلال وتدعيم المقاومة والابتعاد عن الحسابات الشخصية والخلافات بين طرف وآخر.
فقد ثقة الجماهير
الإعلام الفلسطيني ليس بأحسن حال من واقع الإعلام العربي ككل, بل يضاف عليه مزيد من الضغوطات والعقبات التي فرضها الوضع الفلسطيني بكل صعوباته وتعقيداته المتداخلة, والتي لم تجد حتى اللحظة حلا حقيقيا ونهائيا لها.
في هذا السياق يرى البروفيسور عبد الستار قاسم، المحلل السياسي الفلسطيني، أن الإعلام الفلسطيني, بدأ يفقد ثقة الجماهير كونه يتبع سياسة حزبية كاملة ويبتعد كل البعد عن المهنية ونقل الحقيقة كماهي.
وأكد قاسم لـ"شمس نيوز" أن المطلوب هو تحييد الإعلام كليا وإبعاده عن الأجندة الحزبية على أن يتم دعمهم من الجهات المسؤولة دون أي تدخل في عملهم.
وذكر د.قاسم على سبيل المثال مؤسسة الـBBC البريطانية التي تكفلت حكومة لندن بدعمها المادي دون أي تدخل في عملها وسياساتها, مع وجود إعلاميين مهنيين ومحترفين لديها يلتزمون اتباع الحقيقة.
وفي سياقٍ متصل, ذكر البروفيسور قاسم أن هناك بعض الوسائل الإعلامية والمحطات الفضائية العربية لديها بعض المهنية , لكن الإعلام العربي بشكل عام هو إعلام غير مهني وغير ناجح في إيصال رسالته سواء داخليا أو خارجيا، حسب وصفه.
وأردف موضحا: على الصعيد الداخلي لا تعتبر وسائل الإعلام العربية مصدر ثقة لدى الجمهور، ما يدفع بالمواطنين للبحث عن مصادر خارجية وأجنبية لاستقاء المعلومات والأخبار".
وأشار قاسم إلى أن الإعلاميين والصحافيين العاملين في المؤسسات العربية يخشون النظام السياسي وأجهزة المخابرات في بلدانهم ويبتعدون عن التناول المهني للأحداث في سبيل إرضاء المسؤول".
وأضاف: ذاك الأمر انعكس على الإعلام العربي بفشل وضعف في تناوله لكثير من الأحداث العربية الحالية"