قائمة الموقع

طفولة غزة المكسورة.. أحلام معلّقة على قارعة الحرب

2025-08-20T15:14:00+03:00
تكية – مجاعة – أطفال – الحرب على غزة – جوع – طعام التكية.jfif
شمس نيوز - نضال أبو شربي

يجلس الطفل محمد عودة على كرسي صغير، تحت أشعة الشمس الحرقة، ووسط ازدحام كبير من المارة على مفترق السرايا وسط مدينة غزة، يصرخ بأعلى صوته: "الغريبة بشيكل، هيَّ الغريبة السكر، سخنة يا غريبة"، يتصبب الطفل عرقا، فيما يكتسي جسده باللون الأحمر الداكن.

 

محمد (13 عاما) ليس وحده، فهناك عشرات الأطفال يصرخون على مفترق السرايا، ومفترقات أخرى من القطاع المدمر يحاولون توفير لقمة العيش لهم ولأشقائهم الذين يتضورون جوعا، تزامنا مع مجاعة قاسية يعاني منها جميع سكان غزة بسبب فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا قاتلا.

 

وتسببت المجاعة في القطاع باستشهاد نحو 269 فلسطينيا بينهم 112 طفلا وفقا لبيان نشرته وزارة الصحة الفلسطينية.

يحاول الطفل محمد عودة بيع ما يعرضه من حلويات، إذ تمتزج الألام مع الابتسامات بينه وبين زملائه الأطفال الذين تحولت اهتماماتهم خلال حرب الإبادة من القراءة والجلوس على مقاعد الدراسة وحمل الكتب إلى مساعدة العائلة في تعبئة المياه واشعال النار وتوفير ما يمكن توفيره من أموال.

 

وباتت ظاهرة عمالة الأطفال وجها من أوجه المعاناة في قطاع غزة، إذ بات الشارع مصدر رزق للأطفال ليبقوا على قيد الحياة.

 

وبعد ساعات من الجلوس أمام مفترق السرايا يتنقل الطفل عودة بين خيام النزوح ليبيع ما تبقى معه من "حلوى الغريبة" أملا في العودة لخيمته وقد أتم البيع ليحصل على فتات من الطعام.

وتحول حلم الطفل عودة من حمل شهادة الهندسة لبيع "حلوى الغريبة"، لا سيما عقب استشهاد والده في حرب الابادة.

 

نزحت عائلة محمد من جباليا، تحت أزيز الطائرات وصوت الانفجارات ورائحة الدخان والموت، فدمر منزلهم وعاشوا في خيمة تفتقر  لأبسط أنواع الحياة.

 

وبين الخيمة الممزقة، تحاول والدة محمد صناعة "حلوى الغُريبة" في كل صباح، بينما يتولى محمد بيعها ليؤمن قوت يومهم. 

 

وبعد ساعات من التجوال المرهق، يعود محمد عودة؛ ليحمل المياه ويجلب ما تحتاجه أسرته، فيتحول جسده الصغير إلى كتفٍ يحمل ما يفترض أن يحمله الكبار.

 

ورغم الحرب والدمار والخراب، إلا أن محمد ظل متمسكا بحلمه قائلا: "أريد أن أبني البيوت بدل أن تُهدم، وأزرع الأمل بدل أن يُقتلع".

محمد ليس مجرد بائع "حلوى غُريبة"؛ إنه قصة جيلٍ كامل من أطفال غزة، حُرموا من طفولتهم، لكنهم ما زالوا يحملون في قلوبهم أحلامًا أكبر من الحرب وأقوى من الدمار.

 

مشهد الأطفال الذين يجبرون على البيع في الشوارع لتامين لقمة العيش لعائلاتهم وهو صورة موجعة تختصر قسوة الواقع، وجوع البيوت وعجز الإباء الذين لا يجدون سوى أطفالهم جسرا لمواجهة الحياة فيتحول الشارع الى حياة او مدرسة قاسية تعلمهم الصبر قبل الاوان.

 

ومن جهة أخرى في مخيم اليرموك للنازحين بشارع الوحدة، يعيش الفتى خليل حسان (15 عامًا) مع أسرته المكوّنة من 11 فردًا داخل خيمة ضيقة لا تُقيهم حرّ الصيف ولا برد الليل، نزحت العائلة من بيت لاهيا بعد أن دمّر الاحتلال منزلهم، وزاد الألم حين أصيب والده إصابة بالغة في قدمه جعلته عاجزًا عن العمل والحركة.

 

في هذا الواقع القاسي، وجد خليل نفسه معيلًا لأسرته رغم صغر سنه، كل صباح يتوجّه إلى نقاط توزيع المساعدات الأمريكية، ليحصل على بعض المواد الغذائية والمعلّبات، ثم يحملها إلى السوق ليبيعها، ومن ثمنها يشتري احتياجات أسرته الأساسية من خبز وخضار وماء، فيتحول بذلك إلى اليد الصغيرة التي تحاول أن تسد جوع عائلة كبيرة.

 

وعن سبب ذهابه لتلك المساعدات رغم المخاطر والجدل المحيط بها، يرد خليل بصوت خافت يملؤه التعب: "واقعي صعب... نحن محتاجون لكل شيء، لا خيار أمامي سوى أن أذهب"، قبل أن يسرد تفاصيل معاناته بكلمات متقطعة، كأنها تنهيدة طفل أثقلته الحرب.

 

وتواصل المؤسسات الإنسانية رفع صوتها مطالبة بتدخل عاجل، يوقف نزيف غزة ويعيد للطفولة حقها في الأمان والاحتضان، بعيداً عن أسواق الحرب والموت.

 

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 70% من الأطفال محرومون من التعليم منذ بدء الحرب، إذ وصفت منظمات حقوق الإنسان المشهد بأنه "أقسى صور الانهيار الإنساني"، معتبرة أن اضطرار الأهالي في قطاع غزة للتخلي عن تعليم أطفالهم هو انعكاس مباشر للحصار الطويل والحرب المتواصلة، حيث تتآكل كل أشكال الأمان الاجتماعي.

 

وعبّرت المنظمة عن صدمتها، مؤكدة أن مثل هذه الحوادث تمثل "أخطر مراحل الانهيار الإنساني"، حيث تتحوّل الطفولة إلى ضحية للحرمان والخذلان.

اخبار ذات صلة