قائمة الموقع

حكايات الجوعى في غزة.. صراع البقاء تحت لهيب الحصار

2025-08-23T15:38:00+03:00
الجوع في غزة
شمس نيوز - مطر الزق

يحمل يوسف في كلتا يديه الصغيرتين وعاءٌ صغير، ويقف أمام قاطع حديدي تحت أشعة الشمس الحارقة حافي القدمين، فيما اكتسى جسده بالعرق، يصرخ بأعلى صوته وسط صرخات المجوعين: "أمانة دوري عبي الوعاء، بدي أطعمي أخوتي".

هذا ليس مشهدٌ مقتطعٌ من مسلسلات أو أفلام درامية أجنبية أو عربية، إنما يعبر عن حقيقة مؤلمة وواقعٌ تتكرر منذ 687 يوما في قطاع غزة، إذ يصطف عشرات الجوعى حول تكية خيرية علها تسد جوعهم وجوع أطفالهم.

تفاقمت الأزمة واشتد نارها، منذ الثالث من مارس (2025) بعدما فرضت دولة الاحتلال حصارا مشددا تسبب بوفاة (166 مجوعا) منهم (112 طفلا)، الأمر الذي دفع هيئة أمن الغذاء (آي بي سي) المدعومة من الأمم المتحدة للاعلان رسميا بأن غزة تواجه مجاعة قاتلة من صنع الإنسان بالكامل.

يصطف الناس من فئات مختلفة -كبارا وصغارا نساءً وشيوخاً- يمدون أيديهم من بين الشباك، أملا في الحصول على بعض حبات من الأرز أو شوربة عدس يتصارعون عليها، يقول الطفل يوسف حمدان من بيت حانون: "نزحت وعائلتي  تحت القصف ولم نأخذ ملابس أو أموالٍ لنشتري ما يسد جوعنا أو يستر عوراتنا".

يلهث الطفل يوسف لكثرة الصراخ على من يصبُ الطعام في أوعية وأواني الجوعى، محاولا استعطافه: "اخوتي جاعوا بدهم ياكلوا، أمانة صب كمان عبي كل الوعاء"، يمتلئ الوعاء بشوربة العدس ثم يرتجف الطفل من ثقله فتتساقط بعض الشوربة الساخنة فوق المتصارعين لتحرق أجسادهم.

صراخ وآلام موجعة تصدح بها حناجر الجوعى، إذ يتذكر الطفل يوسف حادثة حرق شقيقه نتيجة سقوط وعاء ساخن على رأسه: "ذهب شقيقي للحصول على التكية ونتيجة الازدحام تسلل من بين أقدام كبار السن ومد يده للحصول على التكية؛ لكنه تفاجأ بسقوط الشوربة الساخنة على جسده فاحترق، ونقل للمستشفى بشكل عاجل تبين أن أصيب بحروق من الدرجة الثالثة".

نجح خالد شعبان بالحصول على تكية العدس بعد صراع طويل؛ ويروي شعبان من جباليا حكايته المؤلمة: "أعيل 10 أفراد بينهم أحفادي الأيتام، أحصل على التكية بصعوبة كبيرة جدا بسبب تجمع المئات من الجوعى حول التكية".

يختلف شعبان عن غيره من المجوعين الذين يقفون على طابور الانتظار كونه مبتور القدم، فيقطع نحو 2 كيلو من خيمته وصولا للتكية: "أشعر بالألم والمعاناة الشديدتين الطريق طويلة ووعرة، لكن كل ذلك بهون ما دام هناك امل للحصول على تكية العدس أو الأرز لأسد جوع الأحفاد والأطفال".

في زاوية أخرى من التكية تقف أم سمير واضعة الوعاء فوق رأسها تنتظر حصول الأطفال على التكية لتتمكن من التقدم فهي تبلغ من العمر (60 عاما) وتعاني من ألم في قدميها.

ما أن يصل مؤشر الساعة إلى السابعة صباحا حتى تخرج أم سمير من خيمتها باتجاه التكية تقول: "كل يوم أستيقظ مبكرا؛ لاتمكن من الاصطفاف على طابور التكية أملا في الحصول على وجبة لسد جوع أطفالنا، فأنا أعيل 20 فردا من العائلة وما أحصل عليه لا يكفي مطلقا".

تشعر أم سمير بدوران في الرأس، وتترك لسانها يردد لمراسلنا بألم يخترق قلوب كل أبناء غزة: "أنا تعبانة من الجوع، مش قادرة أقف على أقدامي، بالعافية بامشي، احنا جعانين يا عالم".

تعلو صرخت النسوة والأطفال حول أم سمير معلنة عن بدء توزيع التكية: "بدي الحق أجيب تكية لابنائي وأطفال أبنائي الأيتام، فقد استشهد أبنائي الاثنين والثالث مفقود وأنا أعيل أطفالهم مع زوجاتهم".

أدارت أم سمير أقدامها للخلف وبدأت تزحف ببطئ نحو زاوية فارغة حتى تمكن من الحصول على بعض التكية لترتسم البسمة على شفاهها وتقول: "الحمد لله حصلت اليوم على التكية بسرعة سأعود مسرعة للخيمة من أجل من أعيلهم من أبناء وأيتام". 

وعلى جانب آخر من التكية يقف الشاب ممدوح دواس (38 عاما) حاملا وعاءٌ فارغ يقول لمراسلنا: "الأكل هنا شحيح جدا لا يكفي لكل الناس، لذلك أصل مبكرا، وانتظر نحو 3 ساعات تحت الشمس للحصول على وجبة من الشوربة أو الأرز".

يمرُ دواس خلال حديثه عن أزمة الجوع حول الحروق التي أصابت جسده، يُشير إلى تعرضه للحروق مرتين أو ثلاثة، "لا أستذكر كم مرة تحديدا انسكب عليا الطعام بسبب الازدحام والحاجة الملحة للحصول على التكية".

وفجأة يُشير دواس بأصابعه على جسده وهو يردد: "كان وزني 96 كيلو الآن أصبحت 60 كيلو بسبب الجوع وقلة الطعام، وعدم توفر الأموال لشراء ما يعرض في الأسواق بسبب الغلاء المرتفع جدا".

وعن المساعدات التي تدخلها بعض دول العالم عبر بضعة شاحنات يتم سرقتها أو انزال جوي يهين كرامة الإنسان، قال: "كل ما يدخل للقطاع من مساعدات يتم سرقته وبيعه بأسعار خيالية، نحن نناشد العالم بأن يدخل المساعدات بطريقة إنسانية وتوزيع عادل ليصل إلى الجوعى".

والتكية واحدة من أهم المشاهد التي انتشرت في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية، وتمكن القائمين عليها من إنقاذ الناس الجوعى بسبب المجاعة وغلاء الأسعار وشح المواد التموينية في القطاع.

اخبار ذات صلة