تقرير- محمد الشريف
دخل الحصار المطبق على غزة منذ 9 سنوات طوراً جديداً، باستهداف الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تقدم خدماتها الإنسانية لعشرات الآلاف من الأيتام والفقراء والمعاقين، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أونروا) عن تقليص خدماتها التعليمية والصحية والتموينية في القطاع المحاصر.
واتهم ناصر برهوم رئيس الجمعية الإسلامية في رفح جنوب قطاع غزة في حديث لـ”التقرير” أطرافًا فلسطينية وأخرى عربية بالوقوف أمام وراء حرمان آلاف الأيتام في غزة الصابرة من كفالاتهم الشهرية“.
وأوضح أن أكثر من 40 ألف يتيم أصبحوا بلا كفالات مالية بعد أن أوقف بنك فلسطين الحوالات البنكية الخاصة بهم.
الأداة.. فلسطينية
وخلَّف العدوان الإسرائيلي الأخير نحو ألفي يتيم، غير الإصابات والشهداء من الأيتام أنفسهم- وفق مراكز حقوقية عاملة في غزة.
ويقوم متبرعون عرب ومسلمون من خارج فلسطين بكفالة أيتام من غزة بالتنسيق مع الجمعيات العاملة، وترسل إليهم كفالاتهم بشكل شهري أو دوري عبر حسابات معتمدة، بحيث تتولى هذه الجمعيات إيصالها إلى مستحقيها، غير أن بنك فلسطين -أحد أكبر البنوك العاملة في فلسطين- فاجا الجمعيات الخيرية بوقف الحوالات المالية الخاصة بالأيتام والفقراء، فضلاً عن أنه يرفض فتح حسابات بنكية لعدد من الجمعيات الأخرى.
ويتهم تجمع أيتام غزة في بيان وصل “التقرير” سلطة النقد التابعة للسلطة التي تخضع لها البنوك ومقرها في رام الله، بأنها سيف مسلط على الفلسطينيين في غزة وأداة من أدوات الحصار الظالم.
ونظمت عوائل الأيتام الأسبوع الماضي، اعتصامًا أمام فروع بنك فلسطين في محافظات قطاع غزة الخمس ومنعوا دخول الموظفين والعاملين إليها.
وبعد تدخل مؤسسات حقوقية تم إلغاء الاعتصام مؤقتًا إلى حين التوصل إلى حل لايبدو أن يكون قريبًا وسط تهديدات بعودة الاعتصامات حتى استئناف الحوالات المالية.
واستنكرت سلطة النقد، الفعاليات الاحتجاجية واصفة إياها بـ”العمل اللامسؤول”، وأوضحت في بيان، أن “الاعتداءات على فروع بنك فلسطين وموظفيه، تخلق أزمة تهدد سلامة الجهاز المصرفي، لأن الفروع وجدت نفسها، صباح اليوم، مجبرة على التوقف عن تقديم خدماتها“.
وأكدت سلطة النقد ضرورة الالتزام بالمعايير المصرفية الدولية؛ لضمان عمل الجهاز المصرفي بفلسطين، مشددة على أن الجهاز المصرفي الفلسطيني يعمل على خدمة جميع المواطنين دول استثناء وفقًا للإجراءات القانونية.
الأونروا تقلص خدماتها
وازداد الوضع سوءًا، مع إعلان “أونروا” عن تقليص خدماتها المقدمة للفلسطينيين في غزة، والتي طالت قطاع التعليم، إذ أوقفت الوكالة توظيف مئات الخريجين المفترض استيعابهم سنويًا في سلك التعليم، مما يساهم في رفع مستوى البطالة، و يؤثر سلبًا في مستوى تحصيل الطلبة العلمي، بسبب مضاعفة أعدادهم في الفصل الواحد.
كما طالت التقليصات وقف دفع بدل إيجار شهري للذين دُمرت منازلهم بسبب العدوان الإسرائيلي، وإعطاء فرصة بطالة لمرة واحدة لعائل الأسرة، كما انعكست على القطاع الصحي من خلال تقليل الخدمات لتقتصر على الرعاية الأولية، وهو ما يتطلب إلغاء بعض الأقسام كقسم العلاج الطبيعي والأشعة والأسنان وغيرها، وبالتالي إلغاء وظائف الأخصائيين.
وعلى إثر ذلك، دعت اللجان الشعبية للاجئين إلى اعتصامات شعبية في مقرات وكالة الغوث احتجاجًا على التقليصات التي طالت العديد من جوانب الحياة للاجئين.
واعتبرت اللجان الشعبية في بيان لها أن التقليصات تزيد من الأعباء التي يواجهها اللاجئون، خاصة في قطاع غزة.
وأشار البيان إلى أن هذه التقليصات تأتي في توقيت خطر؛ حيث الهجمة تشتد على قضية اللاجئين، إذ تسعى قوى الشر والعدوان لتصفية وجودهم، كما يحدث اليوم في مخيم اليرموك بسوريا، وتستهدف أيضًا الضغط عليهم للهجرة للبلدان التي تفتح أبوابها للاجئين كخطوة على طريق توطينهم وتبديد هويتهم كلاجئين فلسطينيين.
ورفضت اللجان الشعبية ما تتذرع به وكالة الغوث من أن هذه التقليصات تأتي بسبب العجز الشديد الذي تواجهه في ميزانيتها العامة، لأن وكالة الغوث هي المسؤول المباشر عن توفير هذه الموازنات من خلال التواصل مع كافة الدول المتبرعة، وهي المجبرة على إيجاد الوسائل الناجعة؛ لتحقيق هدف ذلك.
تقارير صادمة
وتعتمد 80% من أسر قطاع غزة في تدبير حياتها على المساعدات الخارجية؛ بسبب الحصار وفق بيان للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
ويُشار إلى أن موظفي حكومة إسماعيل هنية السابق؛ وعددهم 40 ألف موظف لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من عام بعد تخلي حكومة التوافق عنهم، ويعتمدون فقط على سلف مالية تُصرف لهم من مالية غزة كل شهرين.
وكان مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط حذر من أن سكان غزة يشعرون باليأس والغضب إزاء محنتهم، وقال إن “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية قادرتان على منع انفجار داخلي في القطاع المطل على البحر المتوسط، ووصف “نيكولاي ملادينوف” في تقرير موجز لمجلس الأمن الدولي الحياة في غزة بأنها” يائسة وغاضبة”.
وفي تقرير صادم صدر عن البنك الدولي قال: إن قطاع غزة “على حافة الانهيار” وإن سكانه البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة يعانون الفقر والعوز، مشيرًا إلى أن “صادرات غزة شبه منعدمة والقطاع الصناعي انكمش بنسبة 60 بالمئة، وأن الاقتصاد عاجز عن البقاء دون اتصال مع العالم الخارجي“.
وأكد أن 43% من اليد العاملة في القطاع تعاني البطالة، وأن دخل الفرد نقص بنسبة 31% مقارنة بعام 1994 وأن القطاع الصناعي انكمش بنحو 60% خلال عقد من الزمان، وحذر من أزمة مالية كبيرة.
وقال البنك الدولي: إن الحصار “المصري الإسرائيلي” يترك آثارًا مدمرة على قطاع غزة، في حين أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه من بطء إعادة الإعمار في غزة؛ بسبب الحصار المزدوج “المصري الإسرائيلي”.
وتزداد الدعوات بضرورة رفع الحصار والإسراع بإعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية وسط تحذيرات من تجدد المواجهة خاصة أن مسببات الحرب السابقة لا تزال على حالها.