قائمة الموقع

أطفال غزة.. باللعب يواجهون الحرب ويزرعون الأمل بين الركام

2025-08-28T17:19:00+03:00
غزة - مرح السطري

على وقع أصوات القصف والدمار، وفي خيام النزوح التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، تظهر وجوه صغيرة تحاول أن تنتزع من ركام المعاناة لحظة ضحك صافية. أطفال غزة الذين اعتادوا أن يعيشوا بين الموت والخوف والحرمان، يثبتون مرة أخرى أنهم قادرون على تحويل الألم إلى ابتسامة، وأنهم يملكون من الإرادة ما يجعلهم يقاومون الحزن بالسخرية واللعب والمرح.

في مخيمات النزوح المنتشرة جنوب قطاع غزة، يجلس عشرات الأطفال على الأرض يلعبون الحَجَلة والمراجيح، يضحكون بصوت عالٍ، وكأنهم يواجهون عالمهم المليء بالقسوة ببراءة الطفولة وحدها. وبينما يفقد الكبار القدرة أحياناً على التحمّل، يظل هؤلاء الصغار يبعثون الأمل في قلوب ذويهم بأن الحياة لم تُهزم تماماً.

يصف محمد، طفل في التاسعة من عمره، كيف يصنع مع أصدقائه مربعات الحَجلة باستخدام الحجارة الصغيرة: "نرسمها على التراب، ونضع حجرًا، ونضحك كثيرًا، فننسى صوت الطائرة قليلًا." أما المراجيح، فقد تحولت إلى فسحة حرية وسط الخيام.

من جهتها، تقول الطفلة سلمى: "عندما أصعد على الأرجوحة أشعر أنني أطير، وأنسى أن من حولي خيامًا ودمارًا."

ابتسامة تقهر الحصار

تقول أمّ محمود، وهي نازحة فقدت منزلها في خانيونس: "كنت أظن أن أطفالي سينهارون من شدة الرعب، لكنني تفاجأت أن أصغرهم كان يقلّد أصوات الطائرات بصوت مرتفع ويضحك، ثم يتبعه الآخرون بالتصفيق. ضحكهم جعلني أستعيد أنفاسي للحظة، رغم كل ما نحن فيه."

وتروي سارة، متطوعة تعمل مع الأطفال في أحد مراكز الإيواء، أن الأنشطة البسيطة مثل الرسم على الرمل أو تلوين أوراق قديمة، تصنع فارقاً كبيراً: "رسموا شمساً كبيرة وسط الغيوم، وكتبوا تحتها كلمة (سلام). تخيّلوا! في وقت يطغى فيه الدخان والظلام، أطفال غزة يرون الشمس بألوانهم."

الضحك علاج نفسي

الدكتور أحمد، اختصاصي نفسي في غزة، يوضح أن الأطفال يمتلكون قدرة فطرية على التكيّف مع الصدمات، وأن الضحك عندهم يشكّل آلية دفاعية طبيعية: "هم لا ينسون الألم، لكنهم يحاولون تجاوزه بخلق مساحة صغيرة من الفرح وسط المأساة. وهذا ينعكس إيجاباً أيضاً على الأهل الذين يجدون في ابتسامة أبنائهم جرعة أمل للاستمرار."

من جهتها، تقول الأخصائية النفسية دعاء: "اللعب والضحك ليسا مجرد ترف للطفل الغزي، بل هما وسيلة للبقاء. حين يقف طفل أمام بيت مهدّم ويبدأ بالقفز في لعبة الحَجَلة، فإنه يحوّل مشهد الموت إلى مساحة حياة. الابتسامة عند الأطفال هنا رسالة مقاومة صامتة، تحمل في داخلها قوة لا تقل عن صمود الكبار."

وأضافت: "دور المجتمع المحلي والمتطوعين مهم للغاية، فكل مبادرة صغيرة تتيح للأطفال فرصة اللعب أو التعبير بالرسم، تساعدهم في تجاوز جزء من الصدمة. نحن بحاجة ماسة إلى برامج دعم نفسي مستدامة، لأن هذه الابتسامة إن لم نرعاها قد تختفي تحت ثقل المأساة."


 

اخبار ذات صلة