كتب :حلمي موسى
في أسبوع واحد تقريباً، أُطلقت الصواريخُ ثلاث مرات من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، في ظل تهديدات إسرائيلية متواصلة بالرد بعنف شديد.
وكان جليا أن الصواريخ تطلق على إسرائيل في الغالب ليس في إطار إستراتيجية المقاومة، وإنما في نطاق التنفيس عن مشاكل داخلية فلسطينية، في البداية كانت داخل الذراع العسكري لحركة "الجهاد" ثم انتقلت لتكون في نطاق الصراع بين سلطة "حماس" والسلفية "الجهادية".
وخلافا لما كان عليه الحال في الماضي، ورغم استمرار الخطاب الإسرائيلي المتشدد، إلا أن الرد صار أشد ميلاً لكبح النفس منه إلى التصعيد. وهذا لا يعود إلى حسن أخلاق من جانب الاحتلال بقدر ما يعود إلى الرغبة في تجنب صراع مع قطاع غزة، لن تخرج إسرائيل مستفيدة منه، حتى لو ألحقت بالقطاع أشد الضرر.
واعتبرت صحف إسرائيلية أن الرد الإسرائيلي صباح أمس على إطلاق الصاروخ من غزة يرمز بشكل كبير إلى السياسة الإسرائيلية الجديدة تجاه "حماس" التي وصفتها بأنها "عناق واحتواء بدلاً من المواجهة العسكرية". وحسب هذه الصحف، فقد أغارت إسرائيل على مناطق فارغة لخلق تظاهر بالرد، في حين انطلقت تصريحات جهات تبدو وكأنها تدافع عن "حماس".
وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى أن "هدف الإطلاقات الأخيرة من قطاع غزة هو إشعال النار بين حماس وإسرائيل". وحسب هذا المصدر، فإن التنظيم السلفي، المتماثل مع "داعش"، هو من أطلق الصاروخ، متوقعاً أن "تهاجم إسرائيل حماس، وتقوم بالعمل بدلاً منه". وبكلمات أخرى حاول المصدر الأمني أن يشرح للجمهور الإسرائيلي أن ضرب "حماس"، رداً على إطلاق الصاروخ، يخدم "داعش"، ومن هنا يأتي الانطباع بأن على إسرائيل ضبط نفسها.
ويعود التغيير في الموقف الإسرائيلي من "حماس" إلى الرغبة في الحفاظ على الهدوء، وربما أكثر من ذلك. وفي نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وصناع القرار فإن سيطرة الحركة على غزة تمثل مصلحة إسرائيلية، ولذلك فإنها لا تعمل من أجل إسقاطها. وتخالف هذه الفكرة ما أوحى به "الليكود" في المعركة الانتخابية حينما جرى تصوير "حماس" على أنها تعمل من أجل إسقاط حكم بنيامين نتنياهو.
وخلص معلق إسرائيلي إلى أن إسرائيل تبدو اليوم وكأنها الجهة الوحيدة في العالم التي تعمل من أجل بقاء حكم "حماس" في غزة، كما أنها تعمل مع كل من قطر وتركيا بهدف الحفاظ على الهدوء في القطاع، وهي تسمح لمندوبين من هاتين الدولتين بالتوسط بينها وبين "حماس" كما حدث مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في محاولته وقف الحرب الأخيرة على غزة. وطالب المعلق إسرائيل بالانتباه إلى أثر موقفها من الحركة على العلاقات مع مصر التي اعتبرها "الحليف الأهم لإسرائيل في المنطقة". وأشار إلى أن بالوسع تخيل كيف ينظر المصريون إلى نمط العمل الإسرائيلي مع "حماس" في الشهور الأخيرة.
وليس صدفة أن رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد أبدى تقديره أمس، في مقابلة مع موقع "والا" الإخباري، بأن الصيف الحالي لن يشهد مواجهة واسعة. وحسب كلامه، فإن الردع الإسرائيلي يعمل بكامل الشدة، ومن المهم مواصلة ترسيخه، وهذا هو هدف الغارات الإسرائيلية على القطاع، رداً على انطلاق الصواريخ من غزة.
ولكن جلعاد يعرف أن الغارات الإسرائيلية هي على مواقع فارغة وأراض مفتوحة، وأن غايتها هي إشعار الإسرائيليين بالرد أكثر من الرد فعلاً. ومع ذلك فهو قال إن "تنقيط الصواريخ مؤخراً أمر غير محتمل. ولا يهم المواطنين هنا إن كان السلفيون في تنازع مع حماس أم لا. من ناحيتنا حماس هي الجهة المسؤولة، كما تقول هي بنفسها، وهي ملزمة بوقف الإطلاقات وفرض الهدوء. ونحن نسعى بعزم لتحقيق صفر إطلاقات".
وأضاف جلعاد أن "حماس" لم تغير أيديولوجيتها الدموية ضد إسرائيل، كما لم تغير هدفها بإزالة إسرائيل، "لكن دافع حماس حالياً هو منع الإطلاقات من أجل أن يسود الهدوء. ولذلك تبذل حماس كل ما في وسعها لمنع الإطلاقات. والأمر بات أصعب على حماس حالياً كونها تواجه مصاعب في تهريب الأسلحة، إذ إن مصر تنظر إلى حماس بوصفها عدوا. كل الظروف تدفع حماس حاليا نحو تفضيل التهدئة والردع".
وواضح أن إسرائيل مرتاحة للموقف المصري من «حماس»، وترى أنهما أصبحتا شريكتين في العداء لها. لكن هذا الارتياح لا يعني التطابق. فقد استقبلت إسرائيل بالترحاب قرار محكمة مصرية بإدراج "حماس" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. ولذلك شعرت بعدم ارتياح أمس الأول لقرار المحكمة العليا المصرية إخراج الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تنفعل من قرار المحكمة العليا المصرية، وقالت إنه لن يغير شيئاً على الأرض. وحسب مصدر أمني رفيع المستوى، لموقع «والا» الإخباري، فإن "تعليمات الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) في كل ما يتعلق بمعالجة أمر الإخوان المسلمين وتنظيم حماس لن تتغير في الواقع". وأضاف أن "مصر تتنكر بشكل منهجي لقطاع غزة، وعلى رأسه حماس. فهي تدمر الأنفاق بشكل يومي، وتحارب من أجل فرض النظام في سيناء. وأنا لا أجد أهمية في قرار المحكمة هذا".
ونقلت صحف إسرائيلية عن مصادر أمنية أخرى قولها إن القاهرة تنسب لحركة "حماس" تدخلات كبيرة في العمليات داخل مصر ودعما لمنظمات إرهابية تعمل في سيناء. وحسب هذه المصادر، فإن أحد "تعابير الكراهية بين الطرفين والتعليمات الحكومية بخنق حماس يمكن رؤيتها تحديداً في إغلاق معبر رفح، وأيضا في الاحتجاجات المتصاعدة من جانب سكان القطاع التي لا تغير قرارات الحكم المصري". وقد حاول المصريون في السابق بحث خطة تقضي بأن تسيطر السلطة الفلسطينية على المعابر الحدودية بين إسرائيل ومصر، لكن "حماس" أفشلت هذه الخطوة ورفضتها.