فتح جيش الاحتلال ما سمّاه «أبواب الجحيم» على مدينة غزة، شارعاً في حملة جوّية كبرى لتدمير الأبراج السكنية شاهقة الارتفاع، بدءاً ببرج «مشتهى»، وهو أحد أبرز معالم مدينة غزة الحديثة وأعرفها. ويضمّ البرج السكني ذو الطوابق الـ14، نحو 70 شقة كانت تؤوي مئات الأسر النازحة، فضلاً عن ما يحيط به من مئات الخيام ومراكز الإيواء التي تعرّضت للخراب الكلّي.
وفي اليوم نفسه، قصفت الطائرات الحربية برج «السوسي» في منطقة الصناعة جنوب المدينة؛ كما أغارت على عمارة «الرؤيا» في حي تل الهوا. ومثّلت الأبراج الثلاثة التي تمّ تدميرها بشكل كلّي، باكورة قائمة نشرها المتحدّث باسم جيش الاحتلال، وزعم أنها تضمّ غرف قيادة وسيطرة لحركة «حماس» أو تستخدمها المقاومة في مراقبة قوات العدو القريبة من المكان عبر كاميرات متطوّرة.
غير أنّ الواقع هو أنّ تلك الأبراج المدمّرة أصلاً بشكل جزئي والآيل بعضها إلى السقوط، تحوّلت إلى أكبر مراكز إيواء لمئات الأسر، بعدما فتحت العائلات التي تسكنها أبوابها لاستيعاب نازحين من المناطق المدمّرة في شرق القطاع.
ويساوي تدمير كل برج سكني، تدمير حي سكني مكوّن من 60 بيتاً على الأقل، وتشريد العائلات التي وجدت نفسها في لحظة واحدة في الشارع بلا مأوى.
وبالتزامن مع مجزرة الأبراج، التي أعلن العدو أنها ضمن قائمة مكوّنة من عشرات الأبراج المتوزّعة على مناطق القطاع كافة والتي سيتمّ تدميرها، كثّف جيش الاحتلال استهداف المنازل في الأحياء التي لم يسبق له العمل فيها برّياً، ما يؤشّر إلى نيّته تمهيد تلك المناطق للتوغّل البرّي. إذ استهدفت الطائرات الحربية، أمس، خمسة منازل وأبنية في حي الدرج المكتظّ بعشرات الآلاف من الغزّيين الذين لم يسبق لهم أن غادروا منازلهم منذ بداية الحرب، كما استهدف أربعة منازل أخرى في حي اليرموك ومحيط منطقة الصحابة في مدينة غزة، وهي منطقة أخرى لم يسبق أن استهدفها العدو من الجوّ بشكل مكثّف.
كذلك، أغارت الطائرات الحربية على نادي «الجزيرة» في المناطق الغربية من المدينة، وتسبّب ليس فقط في تدمير النادي الذي كان تحوّل إلى مركز إيواء كبير، بل بتخريب مئات الخيام المحيطة به أيضاً. وكان لافتاً أنّ جيش الاحتلال يتعمّد استهداف المباني التي تحيط بها مخيّمات كبرى، بواسطة صواريخ وقنابل تتجاوز حجم المبنى، وتهدف إلى تدمير مراكز الإيواء بهدف دفع أهلها إلى النزوح جنوباً نحو منطقة مواصي مدينة خانيونس جنوبي القطاع.
وعلى الأرض، لا تزال دبّابات الاحتلال تتوغّل في المناطق الشرقية من حي الشيخ رضوان، حيث استقدمت في أثناء الأيام الماضية، العشرات من المعدّات الهندسية التي بدأت بعملية تدمير شاملة للأحياء والمباني والمنازل. كما نصب جيش العدو رافعات عملاقة مزوّدة بكاميرات مراقبة وأسلحة تطلق النار بشكل آلي. وحوّلت تلك المعدّات المناطق الغربية من حي الشيخ رضوان إلى جحيم، حيث تتعرّض المنازل بشكل دائم إلى عمليات استهداف بالمدفعية والرصاص العشوائي، في محاولة لإزاحة من تبقّى من الأهالي بالنار ودفعهم إلى النزوح من المنطقة. وفي غضون ذلك، انسحب جيش الاحتلال من حي الزيتون بعد عملية برّية استمرّت نحو 17 يوماً، وخلّف وراءه دماراً أتى على الشوارع والمنازل والبنية التحتية بشكل كلّي.
على أي حال، الهدف الإسرائيلي من العملية الحالية بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى، وهو التدمير الشامل لكل معالم المدينة ولأي فرصة للحياة والبقاء فيها. وإذ يدرك الأهالي هذه المساعي جيداً، فإنّ الطموح الإسرائيلي إلى تهجير السكان بشكل سريع إلى المناطق الجنوبية من المدينة، اصطدم بنزوح عكسي إلى المناطق الغربية من شمال القطاع، حيث ازدحمت أحياء الكرامة والتوام والمقوسي بمئات الآلاف من النازحين الذين أخلوا منازلهم في المناطق الشرقية، ورفضوا النزوح إلى الجنوب.
وقدّرت «هيئة البثّ الإسرائيلية» عدد النازحين من مدينة غزة إلى مناطق وسط القطاع وجنوبه بنحو 90 ألفاً، فيما أكّد «مكتب الإعلام الحكومي» في غزة أنّ اليومين الماضيين شهدا عودة 20 ألف نازحٍ من الجنوب إلى الشمال. ووفقاً لأبو محمد العطاونة، فإنّ مناطق وسط القطاع وجنوبه مكتظّة ولا يوجد فيها موطئ قدم لنصب خيمة، فيما المواصي مزدحمة أصلاً بالنازحين من مدينتي رفح وخانيونس.