في زمنٍ تتكاثر فيه الانتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين، يجد بعضهم أنفسهم فجأة ينتقلون من دور الراوي إلى موقع الضحية. هذا ما حدث مع الصحفي طارق السويطي، الذي اعتاد أن يوثق معاناة العائلات المدمّرة والأطفال الباحثين عن الأمان في غزة، قبل أن يصبح هو نفسه حكاية دامية بعدما اعتُقل في القدس عقب السابع من أكتوبر.
يقول السويطي: "لم أتخيّل يومًا أن أتحول من راوٍ للقصص إلى بطل قصة أعيش تفاصيلها. في العاشر من أكتوبر، كنت أجلس في بيت في زيارة عادية، حين داهم الجنود المكان، وجدت نفسي مكبّل اليدين ومسحوبًا نحو المجهول، بلا ذنب ولا تهمة."
منذ اللحظة الأولى قُطعت صلته بعائلته. لم يُسمح له بأي اتصال. آخر ما تبقّى له من الحرية كان وجه أهله القلِق محفورًا في ذاكرته.
داخل سجن سيدي تمان، كانت المعاناة تفوق الوصف: تعذيب جسدي ونفسي، حرمان من النوم، تهديدات وضغوط متواصلة. ظروف معيشية أقرب للجحيم، واعتقال إداري بلا محاكمة، بلا محامٍ، وبلا أي رقابة من مؤسسات حقوقية. عزلة كاملة كأنها مقبرة صامتة.
ويؤكد السويطي: "قبل اعتقالي، كانت تقاريري تتمحور حول القصص الإنسانية: عائلات فقدت بيوتها، أطفال يبحثون عن لحظة أمان. كنت أؤمن أن الصحافة رسالة، وأن صوتي جسر بين معاناة شعبي والعالم. وكنت أعلم أن كوني صحفيًا فلسطينيًا يعني أنني دائمًا عرضة للانتهاكات، لكني لم أتوقف."
أصعب اللحظات بالنسبة له كانت التفكير بعائلته: "كيف يعيشون وهم لا يعرفون عني شيئًا؟ كيف يقاومون الخوف والقلق وهم لا يعلمون إن كنت حيًا أم ميتًا؟"
كما كان غيابه فراغًا لدى زملائه الذين اعتادوا أن تصل كلماته للناس.
ورغم كل ذلك، بقي إيمانه ثابتًا: "السجن قيّد جسدي، لكنه لم يقيّد قلمي ولا إيماني بحرية الكلمة. الكلمة الحرة أقوى من كل القضبان."
قصة السويطي ليست مجرد حكاية فرد، بل مرآة لمعاناة أوسع يعيشها الصحفيون الفلسطينيون، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا للحقيقة، ليبقى صوتهم شاهدًا لا ينكسر.
