في غزة، لا يطرق الجوع الأبواب بهدوء، بل يقتحمها بعنف منذ أن توقفت المساعدات الإنسانية عبر معبر زيكيم. أطفال ينامون على بطون خاوية، وأمهات يعصرن قلوبهن قبل أن يعصرن ما تبقى من الخبز اليابس. كبار السن يواجهون المرض بلا دواء، والنازحون يبحثون في الفراغ عن لقمة تحفظ الحياة. هنا، وسط ركام النزوح وصوت القصف، يتحول الانتظار إلى كابوس، وتصبح المساعدات الغائبة حبل نجاة مقطوع يترك آلاف العائلات تصارع الجوع وحدها.
منذ أسابيع طويلة، لم تدخل أي شاحنة مساعدات عبر معبر زيكيم، ما تسبب بتدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية. كانت العائلات في السابق تترقب الشاحنات القادمة علّها تخفف من وطأة الجوع، أما اليوم، فقد تحولت الحياة اليومية إلى رحلة مؤلمة للبحث عن لقمة.
تقول المواطنة أم أحمد، وهي أم لخمسة أطفال: لم يعد في بيتنا ما يكفي لإعداد ثلاث وجبات. منذ أيام نكتفي بوجبة واحدة، غالبًا خبز مع شاي. أطفالي يسألونني عن الحليب والبسكويت، ولا أجد جوابًا سوى الصمت. غياب المساعدات عن زيكيم جعلنا نواجه الجوع وجهاً لوجه.
مع مرور الأيام، يزداد شح المواد الغذائية بشكل خطير. الأسواق باتت شبه خالية من الطحين، الأرز والمعلبات، وإن وُجدت، فأسعارها نار لا يطيقها أحد. النازحون الذين كانوا يعوّلون على المساعدات الدولية، وجدوا أنفسهم أمام معركة يومية لتأمين الحد الأدنى من الغذاء.
يقول محمد أحمد، نازح من شمال القطاع إلى وسط غزة: آخر مرة دخلت فيها مساعدات عبر زيكيم كانت قبل أسابيع. منذ ذلك الحين ونحن نبحث عن الطعام بلا جدوى. الأسعار مرتفعة، والقدرة الشرائية معدومة. بعض الجيران يتقاسمون القليل مما لديهم، لكن الجميع في أزمة واحدة.
أما أم محمد، وهي مسنّة مريضة بالسكري، فتروي بحزن: أنا بحاجة ماسة إلى غذاء خاص ودواء، لكن لا هذا متوفر ولا ذاك. ابني يخرج يوميًا يبحث عن شيء نأكله، أحيانًا يعود بخبز ناشف فقط. الوضع صعب، والجسد لم يعد يحتمل.
غياب المساعدات عبر زيكيم حرم السكان من شريان رئيسي كان يمدّهم بالمواد الغذائية الأساسية. اليوم، الأسواق شبه فارغة، والأسعار تضاعفت بشكل يفوق قدرة الأسر التي أنهكها النزوح وفقدان مصادر الدخل.
يقول الشاب يوسف، وهو يعيل أسرة من 11 فردًا: غياب المساعدات عبر زيكيم جعل الضغط على المبادرات المحلية أكبر من طاقتها. نحاول جمع ما تيسر من تبرعات بسيطة، لكن الاحتياجات هائلة. رسالتنا للعالم: لا تتركونا وحدنا في مواجهة الجوع.
ومع استمرار النزوح الجماعي وتضاؤل الموارد، تحولت الأزمة من مجرد معاناة إنسانية إلى كارثة حقيقية تهدد حياة السكان. في المخيمات المؤقتة، أصبحت طوابير البحث عن الطعام مشهداً يوميًا يعكس عمق المأساة، فيما يترقب الجميع دخول أي شاحنة تحمل معها الأمل بالنجاة.
تقول المواطنة إيمان: منذ أسابيع لم تدخل أي مساعدات عبر زيكيم، ومع استمرار النزوح والعملية العسكرية، باتت أزمة الغذاء عنوانًا لمعاناة أهالي غزة.
الأصوات التي خرجت من المخيمات لا تعبّر فقط عن نقص في الغذاء، بل عن مأساة إنسانية متفاقمة تهدد حياة الآلاف. فالجوع لم يعد خطرًا قادمًا، بل واقعًا يوميًا يعيشه الناس بكل تفاصيله.
في ظل غياب المساعدات واستمرار العمليات العسكرية، لا يملك النازحون سوى سؤال واحد يختصر وجعهم جميعًا: متى تصل المساعدات قبل أن يفقدوا القدرة على الصمود أكثر؟