ما أن أُعلن عن "اتفاق غزة" لإنهاء حرب الإبادة ووقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في تمام الساعة الواحدة والنصف فجر يوم الخميس (9-10-2025)، حتى انقشع ظلام الليل في قطاع غزة، وانقلب هدوء مخيمات النزوح إلى فرحة عارمة، إذ انطلقت التكبيرات والتهليلات والتهاني بين الناس المتعطشة لوقف نزيف الدم الذي يملأ الأرض.
تُشير عقارب الساعة إلى الواحدة والنصف ليلًا قبل أن يستيقظ "أبو أنس" من نومه على صوت جاره الذي كان يردد بصوت مرتفع تملأه السعادة: "خلصت، خلصت والله خلصت"، فرك الأخير عينيه وانطلق دون أن يرتدي حذائه خارج المخيم مستفسرًا، "ايش فيه يا جار، ايش الي خلص؟"، أجابه بسرعة وهو يرتجف فرحة: "الحرب خلصت!، الوسطاء أعلنوا أنه تم الاتفاق على المرحلة الأولى من نهاية الحرب وسيتم التوقيع والإعلان مساء اليوم".
أصيب "أبو أنس" بقشعريرة هزت جسده، فقد بحلق عينيه وفتح فكه قائلًا: "ابتحكي جد!"، احتضن الجار جاره والدموع تسكب من عينيه مرددًا "الحمد لله تعالى إن شاء الله نعيش بهدوء وسلام ونرجع نبني منازلنا ونجلس في أراضينا ونسهر بدون دماء ودون فقدان وأوجاع".
يتبادل الجيران التهاني والتبريكات بسبب الأنباء الواردة من العاصمة المصرية القاهرة، ويتحدثان عن عامان من المعاناة والألم والعذابات، يقول "أبو أنس": "مرَّ عامين على حرب الإبادة فقدنا الكثير من الأحباب والأصدقاء والجيران، دمرت بيوتنا هُجرنا من أراضينا، فقدنا حياتنا الجميلة، فلا تعليم ولا صحة ولا بنية تحتية في قطاع غزة".
تتفحص عيني "أبو أنس" هاتفه النقال، بينما تنطلق أصوات اشعارات الأخبار الواردة من اجتماعات القاهرة لتقطع حديثهما، "ترامب: هذا يوم عظيم للعالم العربي والإسلامي، ولإسرائيل وامريكا ونشكر الوسطاء من قطر ومصر وتركيا، تم الاتفاق على توقيع المرحلة الأولى من خطة غزة ، وسيتم التعامل مع جميع الأطراف بشكل عادل".
يبتسم الجيران ويمزحان مع بعضهما البعض غير مصدقين الأخبار المتوالية، "معقول تنجح هذه المرة ونرجع على غزة دون عودة للحرب"، يقطع حديثهم اشعار آخر من الخارجية القطرية: "يعلن الوسطاء أنه تم الليلة الاتفاق على كل بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، وبما يؤدي لوقف الحرب والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين ودخول المساعدات، وسيتم الإعلان عن التفاصيل لاحقًا"، يلحق به خبرٌ آخر من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو: "سنعيد الأسرى الإسرائيليين جميعًا، وسأعقد اجتماعًا للحكومة للمصادقة على الاتفاق".
تتلاقى عيونهما اللتان امتلأتا بالدموع، ليقطع نظراتهما صوت فرحة الأطفال والنساء في مخيم "شهداء الأقصى" الذي استيقظ عن بكرة أبيه احتفلًا وابتهاجًا بإعلان اتفاق المرحلة الأولى من خطة ترامب، تقول النازحة مرح والفرحة تغمر وجهها: "الحمد لله راح تنتهي الحرب ونرجع على غزة ونعيش بسلام زي كل العالم، الحمد لله راح انبطل بكاء وحزن على أولادنا وأحبابنا، وتتوقف معاناة النزوح وآلام الحطب والنار، الحمد لله راح نلبس زي الناس ونلبس أجمل الملابس".
تتصاعد أصوات التهليل والتكبير وسط فرحة عارمة بين الأطفال والنساء إذ يردد الجميع كلمة انتظروها لمدة عامين من الإبادة: "بدنا انروح بدنا انروح، بدنا انعيش بأمان وسلام، ستتوقف أصوات القصف والطائرات والدمار والأحزمة النارية، ستنتهي العربات المتفجرة، وأصوات طائرات الاستطلاع وطلقات الكواد كابتر، يا رب تكمل فرحتنا بشكل سريع وعاجل".