صحيفة لوفيغارو الفرنسية
انهيار نظام الأسد بات الآن فرضية معقولة ومقبولة التحقيق، بحسب الصحفي جان ميشيل كاتربوان، نائب رئيس لجنة أورويل.
جان ميشال كاتربوان هو صحفي سبق له أن عمل في العديد من الصحف الفرنسية، وكتب العديد من الكتب، بما في ذلك كتب حول الأزمة العالمية في عام 2008 والتي بشرت بالأزمة المالية القادمة.
في كتابه الأخير، صراع الامبراطوريات. الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، ألمانيا: من سيهيمن على الاقتصاد العالمي؟ قام بتحليل الحرب الاقتصادية الدائرة بين الثلاث أكبر اقتصاديات في العالم وهي: الولايات المتحدة والصين وألمانيا.
لوفيغارو: يوم 21 مايو الماضي، سقطت المدينة السورية التاريخية تدمر في يد تنظيم الدولة الإسلامية. هل يعتبر ذلك نقطة تحول جيوسياسية؟ وهل أصبح نظام بشار الأسد مهدد بالسقوط؟
جان ميشال كاتربوان: يحاول الأسد تركيز منطقة دفاعية في الأراضي العلوية على الساحل السوري. لكن تنظيم داعش يتقدم دون توقف. ومن داخل نظام الأسد، بدأ التفكير في إنقاذ ما يمكن إنقاذه على اعتبار أن الجيش أصبح منهكًا. ويقول المسؤولون في النظام السوري أنه من الأفضل المغادرة في وقت مبكر قبل فوات الأوان. كما بدأت روسيا بإجلاء موظفيها، وهذا ليس علامة جيدة. لكن عملية إضعاف النظام السوري لا تخدم ما يسمى بالمعارضة الديمقراطية، التي لا تمثل الشيء الكثير، ولكن سقوط النظام السوري لن يكون إلا في صالح القوة الهجومية الوحيدة في المنطقة وهي تنظيم داعش.
عندما تكون هناك حركات ثورية، دائما ما يكون ذلك في صالح القوى المتطرفة في البداية، ولا يمكننا استبعاد أن تنظيم داعش سيتمكن في الأسابيع والأشهر المقبلة من السيطرة شبه الكاملة على سوريا. وهكذا فإن هذا التنظيم سيسيطر على الأراضي التي تغطي كامل مساحة سوريا ونصف مساحة العراق، كما ستتم زعزعة لبنان، هذا البلد ذو الفسيفساء الهشة للغاية.
أخيرًا ظهر للعيان أن إسرائيل كانت تلعب بالنار من خلال دفعها إلى سقوط نظام صدام حسين، وربما قريبًا بسبب إسقاط نظام بشار الأسد، وبسبب اتخاذها إيران والشيعة خصومها الرئيسين، فمقاتلو حزب الله أو حماس يعتبرون لطفاء مقارنة بمقاتلي تنظيم داعش. وسيندم الغرب على إسقاط نظام بشار الأسد كما ندم على إسقاط نظام صدام حسين أو القذافي. فعيون الأوروبيين متجهة نحو روسيا في حين أن التهديد الحقيقي آت من الجانب المقابل من البحر الأبيض المتوسط بسبب تنظيم داعش، إذ أصبح على الغرب أن يدرك أن هذا التنظيم يريد تدمير الغرب.
هل يمكن للدول المغاربية أن تتأثر بدورها؟
تونس اليوم هي برميل بارود. وفي الجزائر، فقد بلغ حكم المسنين في السلطة آخر مراحله بالرغم من ذكرى الحرب الأهلية التي تجعل الجزائريين معادين جدا للإسلاميين، أما في المغرب، فلا يزال للملك، باعتباره أمير المؤمنين، الشرعية لدى شعبه. ولكن في عمق المجتمع المغاربي يكتسب الإسلام الراديكالي المزيد من النفوذ وفي كل مكان. وفي نهاية المطاف يمكننا رؤية جميع حدود المنطقة تنفجر لتفتح الطريق أمام إقامة دولة اسلامية عظمى على أبواب أوروبا.
ومع كل هذه الأحداث، ها هو الغرب لا يزال يناقش إن كان كره الإسلام هو تصرف فاشي أم لا، في حين أن المشكلة ليست عند هذا الحد، فبين المسلمين هناك فصيل يقوم بتجنيد المقاتلين ويفرض رؤيته الخاصة للعالم والمجتمع. وهكذا فإن الفاشيين اليوم هم هذه الجماعات التي أصبحت بالقرب منا. ويجب على المجتمع المسلم أن يعي كل هذا ويتحمل مسؤوليته، وليعلم أنه نسبيا، في نفس وضع الألمان عشية وصول هتلر إلى السلطة.
هل أصبح تقدم تنظيم داعش في الشرق الأوسط أمرًا لا مفر منه؟ ومن يمكنه أن يعارض ذلك؟
على ما يبدو لا أحد، فضربات التحالف، أكثر من أربعة آلاف، لم تكن غير فعالة وحسب، بل كانت أيضًا نتائجها عكسية. فقد تعلم مقاتلو تنظيم داعش كيفية التمويه. ومع كل الأضرار الجانبية، انحاز السكان السنة مع هذا التنظيم. ولم يبقى إلا الأكراد هم الوحيدون الذين تمكنوا من معارضة تنظيم داعش واستعادت مدينة كوباني. ولكن سيكون من الانتحار بالنسبة لهم الخروج من المنطقة الكردية لمواجهة هذا التنظيم، وهذا ما يجعلهم لا يتجاوزون أراضيهم. أما بالنسبة لإيران فقد سدت تركيا أمامها الطريق لتحريك قواتها، ومن غير المنتظر أن يقاتل السعوديون ولا الأتراك ضد تنظيم داعش، حيث لا يزال الغموض التركي والسعودي هو السائد. وفي اليوم الذي يصبح فيه تنظيم داعش دولة عظمى، يمكننا أن نكون متيقنين من أن تركيا والمملكة العربية السعودية سيتعاملان مع هذه الدولة الجديدة. وهكذا فإن تنظيم داعش بصدد خنق كل خصومه.
هل من الممكن توقع تدخل عسكري بري ضد تنظيم "داعش"؟
لا أحد يريد أو يستطيع القيام بتدخل بري. فباراك أوباما لا يريد استعداء الرأي العام، ويريد أن يخفض من الميزانية العسكرية. كما يخضع الدفاع الأوروبي تمامًا لحلف الشمال الأطلسي الذي لديه اليوم عدو محتمل وحيد، وهو روسيا. أما بالنسبة للجيش الفرنسي، فهو غير دموي ولا يمكنه مضاعفة عملياته، فهذا الجيش متمركز حاليًا في مالي وبعض قواته الخاصة في أماكن أخرى. كما أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة، ومنذ 20 عامُا، عملت على تخفيض ميزانية الدفاع. وها نحن ندفع ثمن ذلك اليوم. ويتم التحكم في ضربات التحالف بالكامل من قبل الولايات المتحدة، وليس للاتحاد الأوروبي الحق إلا في مكتب صغير، ليقتصر دوره على الحضور والمراقبة.
عدم الاستقرار في المنطقة أدى بالمهاجرين إلى الفرار بأعداد كبيرة لا سيما وأن ليبيا تعيش حالة من الفوضى. فكيف يمكن حل هذه المشكلة؟
العمليات المشتركة لقوات البحرية الأوروبية لمنع قدوم المهاجرين ليست إلا نكتة، فشبكات المهربين لم تعد تستأجر القوارب الكبيرة، ولكن القوارب الصغيرة. والمهربون يتجنبون تعريض قادتهم للخطر، ما جعلهم يعينون قادة من بين المهاجرين الذين لا يتقنون في الغالب قيادة القوارب، ويعطونهم رقم الطوارئ لخفر السواحل، ووسط البحر الأبيض المتوسط، يأتي خفر السواحل لينقذهم ويحملهم إلى أوروبا. وهكذا أصبح المهربون مطمئنون ويحصدون الكثير من المال من دون أن يعرضوا أنفسهم للخطر.
وقدم المختصون في ملف المهاجرين حلّين معقدين: الحل الأول يتمثل في تنفيذ ضربات مستهدفة أو غارات للقوات الخاصة لتدمير القوارب وهي راسية وقبل أن يركبها المهاجرون. ومع ذلك، قد يكون هذا الإجراء وراء عدة مشاكل بسبب عدم وجود الإطار القانوني والترخيص من قبل المسؤولين الليبيين وقرار الأمم المتحدة مع التخوف من الأضرار الجانبية، فهل أن وسائل الإعلام والجمهور الأوروبي على استعداد لقبول الضحايا الأبرياء بين المهاجرين وسكان القرى الليبية؟
الحل الثاني يتمثل في تجفيف تدفق المهاجرين من المصدر. فالمهاجرون يستخدمون المسالك التي تمر عبر مالي والنيجر وتشاد وليبيا، ليتم نقلهم من قبل المهربين: المافيات، ولكن أيضًا تنظيم داعش، الذي أصبح يلعب دورًا متزايد الأهمية. وهكذا أصبح على الأوروبيين وجوب الضغط على البلدان الأفريقية، التي تتلقى مساعدات من الدول الأوروبية، لإعادة النظام. وإذا لم تكن هذه الدول قادرة، فعلى الأوروبيين القيام بذلك بدلًا عنهم. كما يجب على المدى الطويل، وضع سياسة تنموية حقيقية في أفريقيا، وللأسف فإن الأوروبيين، في الوقت الحالي، قانعون بالترحيب بكل بؤس العالم والبكاء في البيوت. ولكن هذا لن يحل أي مشكل.
التقرير يعبر عن وجهة نظر الصحيفة