سيمون كوتي – أتلانتك
أحد الأسئلة الأكثر شيوعًا حول الإرهاب هو أيضًا أصعب هذه الأسئلة، وهذا السؤال هو: لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا يقوم الناس بالانضمام إلى جماعات إرهابية والمشاركة في أعمال إرهابية؟
وهناك في الواقع العديد من الإجابات على هذا السؤال، ويبدو أن لدى الجميع، بدءًا من رجال الدين إلى سائقي سيارات الأجرة، رأي ما يثقون بصحته حول هذا الموضوع. ولكن هذه الثقة في غير محلها في كثير من الأحيان، نظرًا إلى أن العلماء والباحثين لا يعرفون سوى القليل في الواقع عن الإرهاب والناس الذين يشاركون فيه، ولصعوبة الولوج إلى العوالم الداخلية للبشر.
وبالتالي، بدلاً من السؤال عما يجعل الناس يقررون الانضمام إلى جماعات إرهابية وارتكاب الفظائع الإرهابية، سيكون من الأفضل البدء من خلال التساؤل عن كيف ينضم الناس إلى هذه الجماعات؟
وهناك إجابة سائدة ثقافيًا لسؤال لماذا ينضم الناس إلى الإرهاب، وتقول هذه الإجابة إن الإرهابيين “مدفوعون” لفعل ذلك، وإن ما يقودهم لفعل هذا هو الباثولوجي أو علم الأمراض. وقد تطورت هذه الإجابة في السنوات الأخيرة بما يتماشى مع التقدم في المعرفة والإدراك الأخلاقي. وفي دراسات الإرهاب من أواخر الستينيات، لم يكن من غير المألوف أن يصور العلماء الباثولوجي أو علم الأمراض باعتبار لأنه اضطراب نفسي متجذر داخل الفرد. ولكن منذ الثمانينيات، تراجعت هذه الفكرة، وأصبح هناك شبه إجماع الآن على أن جذور الإرهاب لا تكمن في الفرد، ولكن في الظروف الأوسع التي يعيش فيها الإرهابيون.
ويعكس هذا إجماعًا أوسع في حقل العلوم الاجتماعية يقول إن العنف نتاج قوى تاريخية واقتصادية وثقافية أعمق تؤثر على الفرد. وقد لخص عالم النفس الاجتماعي الشهير، ألبرت باندورا، هذا الرأي بأفضل طريقة. وبالاعتماد على دراسات العنف التي أجريت في جميع مجالات العلوم الإنسانية، اختتم باندورا قائلاً إن “إنتاج الأفعال الشنيعة يتطلب ظروفًا اجتماعية مواتية بدلاً من أناس متوحشين.
من خلال وضعهم في ظروف اجتماعية معينة، قد يقوم الناس العاديون بفعل أشياء قاسية للغاية“. وهناك جدال بين علماء الاجتماع حول طبيعة وتأثير كل من “الظروف الاجتماعية”، ولكن قلة منهم يشككون في النقطة الأساسية، وهي أن العنف متجذر في المقام الأول في الهياكل التاريخية أو العلاقات الاجتماعية، وليس في الأفراد.
ويظهر هذا الإجماع أيضًا في الكثير من التعليق الليبرالي اليساري عن الإرهاب، وخاصةً عن "البديل الجهادي". وعلى سبيل المثال، أكدت بعض الأوساط من اليسار “الراديكالي” أن جذور "الإرهاب" الجهادي لا تكمن في الإسلام، بل في الجرائم والمظالم التاريخية الغربية التي لا تعد ولا تحصى، وعلى وجه التحديد المظالم التي تقودها الولايات المتحدة، الامبريالية، وعلى الأخص في مرحلة ما بعد هجمات 9/11، وغزو العراق عام 2003.
ويعد "العنف" الجهادي، بناءً على هذا المنظور، رد فعل لا مفر منه، يغذيه غضب المسلمين ورغبة الانتقام؛ وأما في حالة الجهاديين من الغرب، وبعيدًا عن رفض المعايير والمثل الحضارية التي أعلنها الغرب، فهم في الواقع قد نفروا من هذا الغرب الذي يستعبد، يذل، ويضايق المسلمين.
ويؤنسن هذا الإجماع العلمي مرتكبي أعمال العنف من خلال الإصرار على اعتيادية وسياق أفعالهم. إنه يلزم الناس بالتفكير في العيوب الخاصة بهم، ونقاط الضعف، وكيف قد يرتكبون أعمال وحشية أيضًا لو أنهم عاشوا في ظروف مختلفة. إنه يجبر الناس على الاعتراف بأنهم لا يعملون في فراغ اجتماعي، وأن ما يفكرون ويشعرون ويقومون به يتشكل بسبب الظروف التاريخية الأوسع نطاقًا التي يكونون مضطرين للعيش والعمل فيها. وعلاوةً على ذلك، يشعر الجهاديون الغربيون، كما اقترح تقرير صدر مؤخرًا بلباقة، بالتأكيد على نفورهم، وبأنهم لا ينتمون إلى العالم العلماني الذي غالبًا ما يسخر ويتحدى دينهم وهويتهم كمسلمين.
ورغم ذلك، تبقى القدرة التفسيرية لهذا الإجماع العلمي حول مسببات الإرهاب محدودة. وقد جادل عالم الاجتماع البارز، جاك كاتز، هذا الأمر بشكل مقنع، قائلاً: “أياً كانت الأسباب الوراثية، والنفسية، والاجتماعية، والإيكولوجية للجريمة، كثير ممن لديهم هذه الأسباب لا يرتكبون الجريمة… وكثير من الذين يرتكبون الجريمة لا يمتلكون هذه الأسباب“. وقال الكاتب البريطاني، ديفيد آرانوفيتش، مازحًا ذات مرة: “لماذا لا تفجر المثليات السود الحافلات؟ أليس لديهن ما يكفي من النفور؟“
وقد جاءت إحدى التفسيرات الأكثر عمقًا للإرهاب في السنوات الأخيرة من روائي، وليس من عالم. وفي روايته American Pastoral، لم يجعل فيليب روث تركيزه على سؤال من ارتكب الجريمة، بل لماذا ارتكبت الجريمة. وكان بطل الرواية هو رجل أعمال ناجح يدعى سيمور ليفوف، قامت ابنته ميريديث البالغة من العمر 16 عامًا بتفجير مكتب البريد احتجاجًا على حرب فيتنام، ما أسفر عن مقتل أحد المارة.
وبعد وقوع الانفجار، أصبح سيمور يائسًا لمعرفة لماذا فعلت ابنته هذا، رغم أنها كانت الطفلة الوحيدة والمدللة لأسرة متميزة وكريمة تعيش في قرية قديمة ومثالية من نيو جيرسي. هل كان السبب تلعثمها في الكلام؟ أم القبلة الشاذة على الفم التي أعطاها إياها في الصيف عندما كان عمرها 11 عامًا، وكان هو في الـ 36؟ أم أن النائبة الغامضة ريتا كوهين هي التي دفعت ابنته للتطرف؟
وفي وقت لاحق من الرواية، “تعلم سيمور الدرس الأسوأ، وهو أن الحياة بلا معنى“. وقال إنه “لا توجد أسباب“، وإن “الأسباب موجودة في الكتب“.
إذًا، هل لدى الإرهابيين أي أسباب لارتكاب الفظائع؟
من المؤكد أنهم يذكرون العديد من الأسباب في تصريحاتهم. ولكن، وكما لاحظ أستاذ القانون ستيفن هولمز، “لا يمكن دائمًا استخلاص الدوافع الخاصة من المبررات العامة“.
وأحيانًا، يفعل الناس ما يفعلونه للأسباب التي يعلنون عنها. وأحيانًا لا يفعلون ذلك، لأنهم يتصرفون بدافع من أسباب مظلمة جداً، ومخجلة، أو حتى غريبة، لا يستطيعون الاعتراف بها علنًا.
وفي بعض الأحيان، يفعل الناس ما يفعلونه بدون أدنى معرفة للسبب. وقد التقيت ذات مرة بشخص سرق متجرًا لبيع الخمور في سن المراهقة، وتم القبض عليه بعدها، وقضى زمنًا في السجن بسبب ذلك. اليوم، أصبح هذا الشخص كاتبًا بارعًا، وحتى هذه اللحظة، أي بعد مرور نحو 30 عامًا، يقول هذا الشخص إنه لا يعلم سبب قيامه بسرقة ذلك المتجر.
وقد أشار عالم الإرهاب، جون هورغان، إلى هذه النقطة أيضًا، حين قال إن أفضل المقابلات التي أجراها مع إرهابيين سابقين كانت لقاءات اعترف فيها الضيف بأنه لا يعرف حقًا سبب فعله لما قام به.
وبالتالي، فإن الدافع مسألة معقدة جدًا. وكما اقترح هورغان نفسه، قد يكون السؤال الأكثر سهولة، والمفيد بشكل أكبر، عن الإرهاب، ليس السؤال عن السبب، بل عن كيف، ومتى، وأين؟
كيف انضم هذا الشخص المعين إلى هذه المنظمة بالتحديد؟ وما الشبكات التي سهلت عملية الانضمام هذه؟ وأين وكيف تم الوصول إلى هذه الشبكات؟