قائمة الموقع

نجوى عطيوي.. نصف وجه "معدني" ونصف حياةٍ من وجع

2025-10-30T11:27:00+02:00
شمس نيوز - وليد المصري

بحسرةٍ مكتومة ووجهٍ نصفه "معدني"، تجلس "نجوى أبو عطيوي" على سريرها في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تحدق في الفراغ بعينٍ واحدةٍ، وتغيب في صمتٍ ثقيل، كأنها تبحث في الذاكرة عن آخر لحظة رأت فيها ابنتها قبل أن ينهار البيت فوقهم جميعاً.

كانت الحياة تسير ببساطتها داخل بيتها في دير البلح، قبل أن تحول طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلهم إلى كومة من الركام، وتُدفن العائلة تحت الحجارة؛ لتفقد "نجوى" في تلك اللحظة ابنتها الصغيرة، وحماتها، وثلاثة من أفراد عائلتها دفعةً واحدة، أما هي فنجت بأعجوبة بعد أن ظنَّ الأطباء أنها فارقت الحياة.

تروي لمراسل "شمس نيوز" بصوتٍ متهدجٍ ومليء بالألم: "دخلتُ في غيبوبة، وما حسيت بشي، صحيت بعد أيام في مستشفى العودة، وجهي كله مغطى وما كنت أعرف شو اللي صار معي".

من هناك نُقلت إلى مستشفى شهداء الأقصى، وهناك بدأت رحلة طويلة من الألم، حيث أجرى الأطباء عملية تجميل معقدة، وزرعوا صفائح بلاتينية تمتد من أحد جانبي وجهها إلى الآخر، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من ملامحها، تقول وهي تشير بأصابعها على حدود وجهها: "كل وجهي من هون لهون بلاتين، وإلي سنة وشهرين بالإصابة ولسه بتعالج على حساب المتبرعين".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

صمتت "أبو عطيوي" هنيهة من الزمن، اغرورقت فيها عيناها بالدموع، قبل أن تلتقط دموعها وتتابع: "بعد شهر بالمستشفى قام دكتور أردني متطوع في غزة بنزع بعض البلاتين من وجهي حتى أقدر أفتح فمي وأشرب مياه، لكنني أستطيع ذلك بصعوبة، وأنا لا أقدر على الأكل، ولا أنام من الوجع".

بجانب تلك الآلام في وجهها، تُضيف آلام قلبها حسرة أعمق وآلاماً لا حدود له، تقول: "عندي ولد عمره أربع سنين، وبنت عمرها سنة ونص، ما بشوفهم، ما بقدر أضمهم".

قضت "أبو عطيوي" ثلاثة أشهر في المستشفى بعيداً عن طفليها، فهي تصحو على صوت الأجهزة الطبية وتنام على الأدوية، بينما يتضاعف وجعها في كل مكالمة تسمع فيها صوت طفليها عبر الهاتف.

وإلى جانب معاناتها الجسدية، تواجه "نجوى" نقصاً حاداً في العلاج، تقول بأسى: "القطرات إللي بدي إياها لعيني مش متوفرة، لا في الصيدليات ولا بالمستشفى، وعندي تمزق بالشبكية، والحمد لله النظر كويس، بس بحس بغمامة، ومرات بلاقي الدوا، ومرات لا".

وتخشى "نجوى" من أن تؤثر صفائح البلاتين على وجهها، فهي تعيش في دوامة الانتظار بين تحويلات طبية لا تنتهي، ثم توقفت عن الكلام لبرهة أخرى من الزمن، وبدأ صوت أنفاسها يعلو وضربات قلبها تزداد، قبل أن تمسح دمعة أخرى سالت على خدها المعدني، وتقول: "أكثر ما يجرحني هو سؤال ابني الصغير: ’يا ماما وين عينك؟’"، فتجيبه بابتسامة مصطنعة: "عيني عند الدكتور".

تغالب دموعها وهي تضيف: "أولادي خافوا من شكلي، ما تعودوا عليَّ، وأنا كنت أتمنى أودع بنتي لما استُشهدت، بس ما قدرت.. قالولي جثتها كانت متفحمة، ما بدهم يورجوني إياها".

وبدعم "أميركي"، وتواطؤ غربي، شنت "إسرائيل" حرب إبادة جماعية، على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023م، خلفت أكثر من 68,531 شهيداً، منهم حوالي 20,000 طفلاً، وإصابة أكثر من 170,402 آخرين، وفق بيانات وزارة الصحة بغزة، مع وجود آلاف آخرين تحت الأنقاض.

وبدأ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في التاسع من أكتوبر 2025، وفق خطة قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تشمل 3 مراحل، تتضمن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل صفقة تبادل مع عدد من الأسرى الفلسطينيين، وإعادة إعمار القطاع مع "نزع سلاح حماس وتفكيك البنية التحتية العسكرية".

ومع ذلك، شهد الاتفاق توترات فورية، يواصل الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته وخروقاته لبنود الاتفاق، من خلال شن عدة غارات على منازل وخيام المدنيين، واستمرار نسف البيوت وعدم الانسحاب من قطاع غزة.  

اخبار ذات صلة