في زمنٍ أثقلته الحروب والأوجاع، يبقى الأمل يولد من بين الركام على أيدي من يؤمنون بالإنسانية. في شمال قطاع غزة، حيث الحرمان لا يطفئ براءة الطفولة، نظمت مؤسسة الإنسان سبيل السلام حفلًا مميزًا لتكريم الأيتام، لتُعيد إليهم شيئًا من البهجة وتزرع في قلوبهم بسمة تليق بطفولتهم المسلوبة.
في أجواء يسودها الفرح والابتسامة، وبمشاركة عشرات الأطفال والأهالي، وذلك في إطار جهودها المتواصلة لدعم فئة الأيتام وتعزيز روح الأمل لديهم في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
وتضمن الحفل عددًا من الفقرات المتنوعة التي شملت عروضًا ترفيهية وأناشيد وألعابًا جماعية، إضافة إلى فقرات تهريجيه أضفت جوًا من البهجة على وجوه الأطفال الذين تفاعلوا مع الأنشطة بحماس وفرح كبير.
وقال منسق مؤسسة الانسان سبيل السلام حلمي عياد بكلمات مؤثرة أمام الحضور،
وسط أجواءٍ من الفرح والإنسانية، وقف منسق الحفل، وهو أحد الشباب الأيتام، متحدثًا بصوتٍ يملؤه الإحساس والصدق، فبدأ كلماته قائلاً:
"أنا اليوم لا أقف أمامكم كمنظّم فقط، بل كواحدٍ منكم... كيتيمٍ عرف طعم الفقد وذاق مرارة الغياب. أعرف ماذا يعني أن تبحث عن يدٍ تربّت على كتفك في لحظة ضعف، ولا تجدها. أعرف جيدًا معنى أن تكبر وفي قلبك فراغ لا يُملأ، لكني أيضًا تعلمت أن الحياة لا تنتهي عند الحزن، بل تبدأ من جديد حين نقرر أن نحول وجعنا إلى رسالة حب وعطاء."
وأضاف بحرقة وصدق:
"حين فقدت والدي، ظننت أن العالم انتهى، لكنني وجدت حولي من يمد يده لي، ومن يؤمن أن اليتيم لا يجب أن يعيش في الظل. ومن هنا جاءت فكرتي أن أكون جزءًا من هذا الحفل، لأرد الجميل، ولأقول لكل طفل هنا: لست وحدك، نحن عائلتك، ونحن من سيزرع معك الفرح مهما اشتدت العواصف."*
وتابع قائلاً:
"في غزة، حيث كل بيت يحمل قصة فقد، يصبح العطاء شكلًا من أشكال المقاومة. نحن نقاوم بالحياة، نتمسك بالأمل، ونؤمن أن الطفل الذي يبتسم اليوم رغم كل شيء، هو بذرة المستقبل الذي لن يُكسر."*
وأشار إلى أن الحفل لم يكن مجرد فعالية ترفيهية، بل كان **رسالة إنسانية** أرادت المؤسسة من خلالها أن تزرع في قلوب الأطفال الثقة بأنهم يستحقون الفرح والأمان مثل كل أطفال العالم.
"حين رأيت ابتساماتهم اليوم، أدركت أن ما نقوم به ليس مجرد تنظيم حدث، بل إحياء روح. هؤلاء الأطفال علمونا أن الأمل أقوى من الألم، وأن البسمة يمكن أن تهزم الحصار والوجع معًا."*
واختتم كلمته بتأثر واضح قائلاً:
"رسالتي لكل يتيم في غزة: لا تدعوا الفقد يكسر أرواحكم، فأنتم لستم أقل من أحد، وأنتم النور الذي سيُعيد لهذا الوطن الحياة من جديد."
وقال أحد القائمين على الحفل إن هذه المبادرة تأتي ضمن سلسلة من الأنشطة الإنسانية والاجتماعية التي تنفذها المؤسسة بهدف رعاية الأيتام والاهتمام بهم، وتوفير الدعم النفسي والمعنوي لهم، مؤكدًا أن العمل الإنساني هو رسالة سامية تسعى المؤسسة إلى ترسيخها في المجتمع
تواصل مؤسسة الإنسان سبيل السلام عملها الإنساني منذ سنوات، مركزة على دعم الفئات الضعيفة والمهمشة، وخصوصًا الأطفال الأيتام. وتنفذ المؤسسة برامج متنوعة تشمل المساعدات الغذائية، والرعاية النفسية، والأنشطة الترفيهية، إيمانًا منها بأن العطاء لا يقتصر على المادة، بل يمتد ليشمل الدعم المعنوي والاحتواء الإنساني.
أما الأطفال المشاركون، فقد عبروا عن سعادتهم فرحتهم الكبيرة بما شهدوه من فقرات ترفيهية وهدايا، وقال أحدهم بابتسامة عريضة شاكرين المؤسسة على اهتمامها وحرصها على إدخال الفرح إلى قلوبهم.
"اليوم انبسطت كثير، لعبت وغنّيت وأخذت هدية بحبهم لأنهم فرّحونا."
معنى الأمل في عيون الأطفال
رغم قسوة الحياة في قطاع غزة، لم تفارق الابتسامة وجوه الأطفال خلال الحفل، فقد وجدوا في هذه اللحظات القصيرة مساحة من الفرح تنسيهم وجع الواقع. ارتفعت أصواتهم بالضحك والأغاني، وكأنهم يقولون للعالم: “نحن ما زلنا هنا… نعيش، نحلم، ونبتسم رغم الألم.”
وفي ذات السياق أكد حربي عياد أحد متطوعي الحفل" حين ترى ابتسامة طفل يتيم بعد طول حزن، تشعر أن تعب اليوم كله يختفي. نحن هنا لنمنحهم لحظة سعادة حقيقية، تزرع في قلوبهم الثقة بأن هناك من يهتم لأجلهم."
تأتي هذه الفعاليات في ظل ظروف صعبة يعيشها قطاع غزة نتيجة الحصار والدمار، حيث فقد الكثير من الأطفال ذويهم ومنازلهم. ومع ذلك، تصر المؤسسات الإنسانية والمتطوعون على الاستمرار في تقديم المبادرات التي تُعيد البهجة إلى قلوب الصغار، وتؤكد أن الحياة أقوى من الدمار.
عَبّر المتطوعون المشاركون في الحفل عن سعادتهم الكبيرة بمشاركة الأطفال يومهم المميز، مؤكدين أن رؤية بسمة طفل واحد تُنسيهم عناء الأيام. وأوضحوا أن خدمة الأيتام ليست واجبًا مؤقتًا، بل رسالة إنسانية تتطلب الاستمرار والإخلاص.
واختُتم الحفل وسط تصفيق الأطفال وضحكاتهم، في مشهدٍ أعاد للقلوب بعض الدفء وسط قسو وسط أجواء من المحبة والتآلف، تاركًا أثرًا طيبًا في نفوس الأطفال وعائلاتهم، ومؤكدًا أن العمل الإنساني يظل سبيلًا للسلام والتكافل بين أبناء المجتمع والواقع الذي يعيشه سكان القطاع.
حيث قامت المؤسسة تكريم الأطفال وتوزيع الهدايا عليهم، في لفتة إنسانية تهدف إلى إسعادهم ورسم البسمة على وجوههم، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة.
وغادر الأطفال المكان وقلوبهم ممتلئة بالفرح، بينما ظل المتطوعون ينظرون إليهم بابتسامةٍ ممزوجة بالأمل والدعاء. كانت تلك اللحظات كافية لتقول إن الخير لا يزال حيًا في غزة، وإن البسمة التي تُرسم على وجه يتيمٍ واحدٍ، كفيلة بأن تضيء ظلام مدينةٍ أنهكها الحصار والحرب.