غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

"راما أحمد".. طفولة مهددة بين غسيل الكلى وإغلاق المعابر

شمس نيوز - وليد المصري

تستلقي الطفلة "راما أحمد" (10 أعوام) على إحدى أسرة قسم الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ويتدلى من يدها الصغيرة أنبوب ممتد من محلول مغذي عبر إبرة مغروزة في وريدها الصغير، ووجهها الصغير شاحب، بينما تغوص عيناها في التعب، كأنهما تحملان أكثر مما تحتمل طفلة بهذا العمر.

قصة "راما" لا تبدأ من هنا، بل من غياب ترك أثره في قلب أمها، التي فقدت زوجها خلال حرب الإبادة الإسرائيلية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م، ولم تعرف مصيره حتى اللحظة. 

تقول الأم لمراسل "شمس نيوز"، وهي تحدق في هاتفها ناظرةً إلى صورة زوجها: "قالوا لي خرج أسرى بس اسمه ما كان بينهم، وآخر شي قالولي اعملي له شهادة وفاة واضطريت أعمل له ذلك".

ولدت الطفلة "راما" بعيب خلقي في الكليتين، وأخبرها الأطباء أن الفشل الكلوي سيظهر بعد سنوات، غير أن الحرب الإسرائيلية وما نجم عنها من مجاعة وسوء التغذية عجلا بانهيار الكليتين قبل أوانهما، فباتت الطفلة تخضع لجلسات غسيل كلى منتظمة بواقع ثلاث مرات أسبوعياً، تُنهك جسدها الصغير وتُرهق قلبها الذي لم يهنأ بطفولته بعد.

تضيف والدتها، بعد أن أغلقت الهاتف، ووجهت نظرها إلى طفلتها بحنان خائف: "بعد كل جلسة غسيل بترجع راما تعبانة، ضغطها بنزل وبتدخل القسم أيام، لأنها ما بتتحمل بس مضطرة".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

الحل الوحيد للطفلة راما، وفق ما قالته الطبيبة المسؤولة عن حالتها، لعائلتها، هو زراعة كلية في الخارج، لكن التحويلة الطبية عالقة منذ شهور طويلة، عدا عن إغلاق معبر رفح التي تسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وتعيش عائلة "راما" في خيمة صغيرة بعد أن نزحت من شمال قطاع غزة بفعل الحرب، فيما تتناوب الجدة والأم على رعاية الأطفال، تقول والدة "راما": "كنت أروح وأرجع من المستشفى كل يوم وما معي غير الله، وأهلي هم إللي بيوقفوا معي لإنوا ما في شغل وما عندي دخل، بس بنتي لازم تعيش".

داخل إحدى غرف قسم الأطفال، تبدو "راما" كزهرة ذابلة تقاوم الريح، تمد يدها إلى أمها بين الحين والآخر، كأنها تبحث عن الأمان، أو عن وعد بأن الغد سيكون أقل وجعاً، ورغم كل ما مر بها، لا تزال تبتسم، وكأنها تتشبث ببقايا الحياة رغم جسد أرهقه الغسيل والألم.

حصار طبي خانق

وتتصاعد التحذيرات الدولية من تفاقم الأزمة الصحية التي يواجهها الأطفال في قطاع غزة، في ظل تدهور غير مسبوق لنظام الرعاية الصحية منذ بدء الحرب، وسط مطالبات عاجلة بتوفير ممرات آمنة لإجلاء آلاف الحالات الحرجة إلى الخارج.

وبحسب آخر التحديثات الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة فإن قرابة 4,000 طفل يحتاجون إلى إجلاء طبي فوري للعلاج خارج القطاع حتى أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2025، ضمن إجمالي يتراوح بين 15,000 إلى 16,000 حالة مرضية حرجة لا يتوفر علاجها داخل غزة بسبب انهيار الخدمات الطبية ونقص التجهيزات.

وكانت الأمم المتحدة قد دعت، في وقت سابق من العام الجاري، إلى إجلاء ما لا يقل عن 2,500 طفل بشكل عاجل، محذرة من أن التأخير في توفير العلاج المتخصص لهؤلاء قد يحول الكثير من الحالات إلى إصابات دائمة أو يؤدي إلى الوفاة.

وتشير تقديرات صحية إلى أن العدد الإجمالي للمرضى والجرحى المحتاجين للعلاج خارج القطاع تجاوز 16 ألفاً، يُشكل الأطفال نسبة كبيرة منهم.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن نحو ثلثي المرضى الذين نُقلوا بالفعل للعلاج خارج غزة –أكثر من 7,600 مريض– هم من الأطفال، ما يسلط الضوء على حجم الكارثة الصحية التي تطال الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع.

وحذرت وزارة الصحة بغزة من أن استمرار الحصار وتعطيل آليات الإجلاء سيضاعف أعداد الوفيات بين الأطفال، خاصة أولئك المصابين بالأورام، أمراض القلب، الفشل الكلوي، الإصابات البليغة، والتشوهات الناتجة عن القصف، في وقت خرجت فيه معظم المستشفيات عن الخدمة وتكدست المراكز الطبية القليلة المتبقية بما يفوق طاقتها، في في وقتٍ تغلق فيه قوات الاحتلال معبر رفح وتمنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، ما يهدد حياة العشرات منهم يومياً.

وتطالب المجتمع الدولي بالضغط لفتح ممرات آمنة، وتسهيل سفر المرضى الأطفال للخارج لضمان تلقيهم العلاج المنقذ للحياة، مؤكدين أن إنقاذهم بات سباقاً مع الزمن في ظل الحرب وتدهور البنية الصحية في غزة.