كشفت شبكة CNN في تحقيق موسّع عن مصير مجهول لعشرات الفلسطينيين الذين اختفوا خلال محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية قرب معبر زيكيم شمال غزة في ذروة المجاعة قبل أشهر، مشيرة إلى أنّ جيش الاحتلال أطلق النار على طالبي الإغاثة، وجرف جثامين بعضهم ودفنها في قبور مجهولة.
وأحد هؤلاء هو الشاب عمار وادي الذي أرسل لوالدته رسالة وداع مؤثرة قبل ذهابه للحصول على كيس دقيق، قائلاً: "سامحيني يا أمي… أرجو أن تخبروا عائلتي أنني أحبهم كثيرًا".
لم يعد عمار إلى منزله، ووصل هاتفه لعائلته بعد أسابيع، ولا تزال والدته تقول: "نريد فقط أن نعرف مصير ابننا".
إطلاق نار وجثث متحللة
واعتمد التحقيق على مئات المقاطع المصورة وصور الأقمار الصناعية وشهادات شهود عيان وسائقي شاحنات المساعدات، التي أظهرت، تعرض طالبي المساعدات لإطلاق نار مباشر من مواقع جيش الاحتلال ، وبعضهم أُصيبوا من الخلف أثناء الابتعاد عن الحاجز.
وأكد التحقيق أن عشرات الجثامين المتحللة تُركت لأيام، ولم يتمكن المسعفون من انتشالها بسبب خطورة المنطقة، وأن كلاب ضالة نهشت الجثث، وفق شهادة أحد مسعفي الدفاع المدني.
وقال أحد رجال الدفاع المدني: "كانت الجثث متحللة وقد أكلت الكلاب أجزاءً منها". فيما تمكن المسعفون من انتشال 15 جثمانًا فقط، فيما تُرك نحو 20 جثة في المكان.
شهادات من جنود الاحتلال
وتشير شهادات ستة من سائقي شاحنات المساعدات إلى مشاهد متكررة لجرافات إسرائيلية تجرف الجثث أو تغطيها بالتراب. وقال أحدهم: "كنت أشاهد الجثامين كلما مررت بزيكيم… الجرافات كانت تدفنها".
وأكد جنديان سابقان في جيش الاحتلال أن وحدات عسكرية في غزة دفنت جثامين فلسطينيين في قبور سطحية دون علامات.
وقال أحدهم إن وحدته دفنت 9 أشخاص دون أي توثيق: "لم نُمنح أي بروتوكول… ربما لا تعرف العائلات ما حدث هناك ".
صور أقمار صناعية تؤكد الجريمة
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي راجعتها CNN، وجود جرافات عاملة حول معبر زيكيم طوال فترة الصيف، اضافة لتجريف تربة في مناطق قُتل فيها طالبو المساعدات.
وأكدت الصور استخدام الجرافات لهدم أنقاض كان المدنيون يتخذونها ساترًا من نيران الجنود.
وقال شاهد عيان يبحث عن ابنه: "وجدت الجثامين مدفونة مع صناديق الكرتون… رُصّت فوق بعضها".
انتهاك للقانون الدولي
ويؤكد خبراء قانونيون أن دفن الجثامين في قبور مجهولة أو تركها للتحلل يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني.
كما وثقت CNN أن هذا السلوك ليس معزولًا، بل جزء من نمط أوسع شمل تجريف مقابر فلسطينية خلال الحرب وتدنيسها، وتدمير شواهد قبور في غزة، إضافة إلى العثور العام الماضي على مقابر جماعية في مستشفى ناصر بخان يونس.
عائلات تنتظر… وأمل معلّق
ورغم مرور أشهر على اختفاء عشرات الفلسطينيين الذين حاولوا الوصول إلى شاحنات المساعدات قرب معبر زيكيم، ما تزال عائلاتهم تعيش حالة انتظار ثقيلة بحثًا عن أي معلومة.
فلا توجد تأكيدات بشأن مصير أبنائهم، ولا دلائل حاسمة على ما إذا كانوا قد استشهدوا أو ما زالوا أحياء في أماكن مجهولة، الأمر الذي يترك العائلات عالقة بين الأمل وغياب الحقيقة.