تحاول المسنة "وداد صبح" حماية خيمتها من خطر الأمطار والسيول، تزامنا مع اشتداد المنخفض الجوي الذي يضرب الأراضي الفلسطينية، بوضع بعض من أكياس الدقيقة الممتلئة بالرمال، بينما تكسو أعلاها بشادر يحمل ذكرى مؤلمة عن خطف فلذة كبدها برصاصة قاتلة.
معاناة المسنة صبح، تفاقمت عندما تعرضت خيمتها مقابل مركز القطان وسط مدينة غزة، للغرق نتيجة اهتراء
الخيمة في أول هطول للأمطار قبل نحو شهر من الآن، حينها بحثت عن شادر يغطي الثقوب التي تعلو ما يحيط بها من قطع قماشية.
ابتسامة ممزوج بالألم
تعود المسنة صبح بشريط ذاكرتها لما قبل نحو شهر، حينما أبلغها نجلها نشأت عن شادر كان قد وضعه في البيت قبل النزوح الأخير من بيت لاهيا شمال القطاع، ابتسمت وقبلت رأسه؛ لانها تدرك جيدا أن الحصول على شادر تزامنا مع الطلب الكبير عليه من النازحين أمر صعب جدا.
في صباح اليوم التالي لغرق الخيمة غادر نشأت متجها إلى بيته شمال القطاع، بينما جلست والدته تنتظر الشادر، تقول لمراسل "شمس نيوز": "شعرت بسعادة كبيرة، لأن الثقوب التي نرى منها النجوم ستغطى هذا اليوم وتحمينا من أي أمطار قادمة".
لم تدرك المسنة صبح أن خطر الأمطار لا يقارن مع خطورة الاحتلال وآلياته العسكرية التي لم تتوقف عن إجرامها لحظة واحدة قرب ما يسمى "الخط الأصفر"، فتشير إلى أن نجلها الذي ذهب للبيت من أجل الشادر سيعود بعد ثلاث ساعات أو أربع على أبعد تقدير.
رصاصة كواد كابتر
مرت الساعات الأولى بهدوء، قبل أن يصل ما لم تتوقعه المسنة صبح: "يَّما نشأت أصيب برصاصة من كواد كابتر وموجود في مستشفى الشفاء".
هرعت الأم المكلومة بحثا عن نجلها، في أقسام المستشفى؛ تلف عينيها يمنة ويسرة حتى وجدت نجلها الآخر يقف فوق رأس شقيقه المدرج بدمائه بينما تنهمر الدموع على جبينه كالنهر الجارف، معلنة عن استشهاده.
يرتجف جسد المسنة صبح أثناء حديثها من هول الصدم، وتحبس أنفاسها، ثم تستدرك قائلة بتلعثم: "ذهب نشأت ليجلب الشادر فعاد محمولا بكفن".
فجأة صرخ زوجها -مريض وقعيد- على بعض الأطفال الذين يلعبون قرب الخيمة ليُعيد المسنة صبح للواقع المر والكارثة التي تنتظرها في حال اشتدت مياه الأمطار خلال الساعات والأيام المقبلة.
ورغم استشهاد نجلها، لم تتوقف المسنة صبح ثانية واحدة عن البحث على شادر يحميها وأسرتها من المنخفضات الجوية القادمة.
وقبل أيام قليلة فقط من منخفض بيرون الذي يشكل كابوسا مرعبا للنازحين لا سيما ساكني الخيام، حصلت المسنة صبح على شادر لتغلق به الثقوب أعلى الخيمة المهترئة.
تقول المسنة لمراسلنا: "أصعب يوم يمر عليَّ هو استشهاد نشأت وتركي وأسرتي المكونة من 5 أفراد نواجه خطورة الحياة وما فيها من منخفضات جوية مخيفة".
الأرصاد تحذز
وكانت دائرة الأرصاد الجوية حذرت النازحين في قطاع غزة لا سيما القاطنين في الخيام من منخفض جوي أطلق عليه اسم "بيرون"، مشيرة إلى أن تأثيرات المنخفض خطيرة جدا.
وتوقعت أن يتعمق تأثير المنخفض مساء اليوم الخميس ويستمر حتى مساء الجمعة، اذ يطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة ويكون الجو باردا وماطرا وعاصفا.
أول ضحايا منخفض بيرون
وما أن مر ساعات قليلة على بداية المنخفض الجوي حتى أُعلن عن وفاة أول ضحايا المنخفض الجوي، حيث أعلنت وزارة الصحة عن وفاة الرضيعة رهف أبو جزر 8 أشهر نتيجة البرد القارص في مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة.
انهيار ثلاث منازل والقادم أصعب
من جهته حذر المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، في تصريحات لقناة الجزيرة، من أن "القادم أصعب في القطاع مع وصول المنخفض الجوي إلى ذروته"، مؤكداً أن "الساعات القادمة ستكون صعبة للغاية على سكان القطاع".
وأوضح أن طواقم الإنقاذ تعاملت، اليوم الخميس، مع ثلاثة منازل شهدت انهيارات جزئية في أحياء النصر وتل الهوا والزيتون، نتيجة تأثرها بالأمطار الغزيرة المصاحبة للمنخفض الجوي الذي يضرب القطاع.
وأشار إلى أن آلاف الخيام في المناطق الغربية من القطاع غرقت جراء المنخفض الجوي، فيما تلقت طواقم الإنقاذ أكثر من ألف مناشدة من المواطنين.
وناشد الدفاع المدني الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار الضغط لإدخال بيوت متنقلة لإيواء النازحين.
ويحتاج قطاع غزة إلى نحو 300 ألف خيمة ووحدة سكنية مسبقة الصنع لتلبية أبسط احتياجات الفلسطينيين من المأوى، وفق معطيات سابقة للمكتب، بعدما دمر الاحتلال البنية التحتية خلال سنتين من الإبادة.
انهيار نظام الصرف الصحي كليا
وفي سياق متصل، أعلنت وكالة الأونروا أن نظام الصرف الصحي في غزة "انهار كلياً"، مشيرة إلى أن السكان يعيشون في بحيرات مياه غير معالجة، مما يفاقم من الأزمة الصحية والبيئية في القطاع.
قال مدير الإغاثة الطبية في غزة: "إن القطاع الصحي يواجه نقصًا خطيرًا في الأدوية والمستلزمات الطبية، مشددًا على ضرورة إدخال الخيام والكرفانات والمواد الإغاثية بشكل عاجل.
المساعدات غير كافية
وأضاف أن ما وصل من مساعدات حتى الآن "غير كافٍ إطلاقًا"، لافتًا إلى أن الطواقم الطبية استقبلت خلال الساعات الماضية عددًا من الحالات المرضية الناجمة عن تداعيات المنخفض الجوي الذي يضرب القطاع.