في وقتٍ كان يفترض أن تكون فيه أجواء الشتاء سببا للطمأنينة، ورائحة الحياة التي تعيد بعض الدفء لقلوب الناس، يتحوّل فصل الشتاء في غزة إلى كابوس ورعب حقيقي لآلاف العائلات النازحة.
فالأمطار الغزيرة التي تهطل على القطاع تُغرق الآلاف من الخيام، وتكشف هشاشة المأوى الذي لا يقوى على حماية الكبار والصغار من البرد ولا على احتياجاتهم البسيطة من الغرق.
ورغم أن أجواء المطر في غزة تحمل سحرها الخاص؛ ذلك العبق الذي يوقظ رائحة التراب ويعيد للمدينة شيئا من الحياة، إلا أن آلاف العائلات لم تعد ترى في الشتاء جماله ولا في المطر بركته.
فالخيام الهشّة التي يسكنها النازحون، مزّقتها الرياح وابتلعتها مياه الأمطار، وباتت تلك العائلات تخشى المطر بعدما كان يزرع الفرح في قلوبهم.
النازح أحمد عماد من مدينة بيت لاهيا والذي يعيش بخيمة صغيرة مع أسرته المكونة من سبعة أفراد قال لمراسل "شمس نيوز": "إن كل قطرة أصبحت تعني ابتلال الأغطية، وفساد الطعام، وغرق الممتلكات القليلة التي نجت من الحرب، وعودة الأطفال للارتجاف طوال الليل"
وأوضح أن المياه تتسرب من كل اتجاه، لتغمر الخيمة وتحوّل الأرض إلى وحلٍ يبتلع الأقدام، فيما يتكدس الأطفال على بطانيات مبللة لا تقي بردًا ولا تمنع بللاً.
ويضيف بان الأمهات يحاولن عبثًا إنقاذ ما تبقى من الملابس، أما الآباء يقفون عاجزين أمام مشهد خيامهم وهي تنهار مع أول موجة مطر".
تبدو المشاهد في المخيمات أقرب إلى مأساة إنسانية مفتوحة؛ خيام بلا شوادر، وأرضيات غارقة بالطين، ومياه تسيل من سقوف ممزقة.
وما إن تتلبّد السماء بالغيوم، حتى يبدأ سباق الأهالي مع الوقت لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الملابس والفرش والمقتنيات البسيطة التي تبقت لهم بعد الحرب.
أم محمود نازحة من حي الشجاعية وتعيش مع أربعة أطفال داخل خيمة تقول لمراسلنا: "كل ما ينزل المطر بنخاف ما بنفرح زي زمان والخيمة كلها بتغرق، والأولاد بصيروا يبكوا من البرد وصرنا نكره الشتوية، مع إنه كان أحلى فصل قبل الحرب".
الأطفال يجلسون في زوايا الخيام، يرتجفون من البرد، وأمهاتهم يحاولن تجفيف الأغطية المبلولة، فيما يقف الرجال عاجزين أمام مشهد الانهيار اليومي للخيمة التي يفترض أنها "بيتهم" رغم أنها لا تشبه البيت في شيء.
من جهته أشار أبو محمد إلى أن أول نقطة مطر، نبدأ نلم الفرش ونحاول نرفع الأغراض عن الأرض، ما في شي جاف، حتى الأكل بتبلل، والله لو عندي خيمة جديدة أو شادر قوي، كان على الأقل حسّينا بالأمان شوي."
أما الطفلة سارة (10 سنوات) تقول لمراسنا: "كنت أحب المطر ألعب فيه، أما الآن لما أشوفه بخاف لأنه خيمتنا بتغرق وبنقعد طول الليل صاحين".
وكان الدفاع المدني الفلسطيني أعلن مساء أمس الجمعة عن وفاة نحو 14 نازحًا بينهم أطفال رضع جراء البرد القارص خلال المنخفض الجوي، لافتًا إلى أن عددًا من المباني المدمرة جراء الحرب والقصف، انهارت بالكامل بفعل الأمطار والسيول الجارفة.
