أكدت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن ما يجري في الضفة الغربية لم يعُد توترًا عابرًا أو عنفًا استيطانيا موسميًا يمكن احتواؤه، بل مسارًا منظمًا ومتواصلًا يعكس سياسة إسرائيلية واضحة لفرض وقائع دائمة على الأرض.
وذكرت الصحيفة، أن تصاعد الاعتداءات بعد انتهاء موسم قطاف الزيتون، يؤكد أن العنف ليس ظرفيًا، بل جزءًا من أسلوب ممنهج يُستخدم فيه العنف لفرض السيطرة وتغيير الواقع الميداني، تحت غطاء أمني وروايات رسمية تُفرغه من مضمونه الحقيقي.
وقالت صحيفة "هآرتس" إن ما تشهده الضفة الغربية في المرحلة الراهنة لا يمكن توصيفه كجولة توتر عابرة أو كموجة عنف موسمية مرتبطة بقطاف الزيتون، كما درجت المؤسسة الإسرائيلية على الترويج.
ويُشير الواقع القائم إلى مسار مختلف وأكثر خطورة، يتمثل في عنف متصاعد ومنظم ومتواصل، يعكس سياسة واضحة تهدف إلى فرض وقائع دائمة على الأرض، بما يحوّل ضم الضفة الغربية من فكرة سياسية مؤجلة إلى ممارسة يومية تُنفّذ فعليًا بعيدًا عن أي إعلان رسمي، بحسب الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أن الرواية الأمنية الإسرائيلية التقليدية، التي اعتادت تصوير مثل هذه الأحداث كحالات انفجار مؤقتة في "فترات حساسة"، فقدت مضمونها بالكامل.
ولفتت النظر إلى أن موسم قطاف الزيتون انتهى منذ وقت، لكن العنف لم يتراجع، بل ازداد حدة وانتشارًا.
ونبَّهت أن الاعتداءات على رعاة الأغنام والمزارعين والعائلات الفلسطينية في القرى مستمرة، واستهداف المدنيين العزّل بات مشهدًا شبه يومي.
وذكرت الصحيفة أن المستوطنين المعتدين لم يكتفوا بالحجارة أو العصي، بل يستخدمون السلاح الناري وغاز الفلفل ووسائل التخريب والحرق، حيث يُصاب المدنيون، وتُذبح الأغنام، وتُقتلع الأشجار، في مشهد يجعل كل ما هو فلسطيني عرضة للاعتداء.
وبحسب الصحيفة، فإن جوهر المشكلة يكمن في الطريقة التي تُؤطر بها المنظومة الأمنية والقيادة السياسية هذا العنف.
وأكدت أن تقديم الاحتلال اعتداءات المستوطنين على أنها أفعال تقوم بها "قلّة صغيرة أو شبان التلال أو متطرفون هامشيون لا يمثلون المستوطنين، هو تضليل متعمد". فالمسألة، وفق هآرتس، لا تتعلق بغياب التطرف، بل بكونه يعمل ضمن غلاف من السياسة الرسمية التي تغضّ الطرف عنه، وتوفر له الحماية، وأحيانًا تمنحه دعمًا ضمنيًا.
كما أكدت "هآرتس" أن ما يُسمى بـ "الردع" في الضفة الغربية يُمارَس عمليًا ضد الفلسطينيين فقط، في حين لا يشعر المستوطنون "العنيفون" بأي تهديد حقيقي.
وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى أن السلطة الفلسطينية "فقدت أي دور فعلي، إذ لا تستطيع أجهزتها الأمنية الاقتراب من مناطق الاحتكاك، وأحيانًا تخشى ذلك.
كما تفشل المبادرات المحلية لتشكيل لجان حراسة في القرى، إما بسبب الاعتقالات، أو بسبب عنف الجيش، أو لأن مواجهة مستوطنين مسلحين يتمتعون بالحصانة أمر مستحيل عمليًا".
وبالتوازي مع هذا العنف، تمضي السياسة الحكومية الإسرائيلية قدمًا بخطى ثابتة، فمصادقة الكابينيت على تسوية 19 بؤرة استيطانية جديدة، بعد تسوية عشرات البؤر خلال السنوات الأخيرة، وضخ عشرات المليارات من الشواكل في البنية التحتية في الضفة الغربية، ليست إجراءات تقنية أو إدارية، بل أجزاء من مشروع واحد يهدف إلى تنفيذ الضم فعليًا من دون إعلان رسمي، وتحت ذريعة دائمة هي "الأمن".
أما على الصعيد الدولي، فرأت الصحيفة أن الرهان عليه تبيّن أنه وهم. "فلا الأمم المتحدة ولا مؤسساتها، ولا المحكمة الجنائية الدولية، ولا أوروبا التي تتغنى بالقيم، ولا حتى القوى الدولية الصاعدة كالصين، قدمت حماية حقيقية للفلسطينيين.
وخلصت "هآرتس" إلى أن الكرة باتت في ملعب رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. "فإذا كان لا يزال مقتنعًا بأنه لا يوجد ضمّ في الضفة الغربية، وبأنه حقق سلامًا تاريخيًا في الشرق الأوسط فعليه أن ينظر إلى ما يجري على الأرض، إلى الأفعال لا الخطابات.
وختمت الصحيفة بالتشديد على "أن السلام لا يمكن أن يُبنى على عنف يومي، وتهجير تدريجي، وحرمان جماعي من الحماية". مؤكدة "أن هذا ليس توصيفًا نظريًا، بل واقعًا مكشوفًا لم يعد بالإمكان إخفاؤه في الضفة الغربية منذ زمن".