بمعدات يدوية بسيطة، وأيدٍ ترتجف من البرد الشديد، يحاول عدد من الشبان حفر مسار "خندق مائي" حول خيامهم، لتصريف مياه الأمطار التي أغرقت مخيمات النازحين في منطقة مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، في ظل أقوى منخفض جوي خلال فصل الشتاء الحالي الذي يحل ضيفاً ثقيلاً على القطاع المنكوب الذي أنهكته حرب الإبادة الجماعية التي شنتها "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر 2023م.
بينما ينشغل المواطن "أنس أبو صلاح"، الذي نزح في بداية حرب الإبادة من المناطق الشرقية لمدينة خانيونس، في نقل المياه من أمام مدخل خيمته بواسطة "جردل" صغير، أخذ نفساً صغيراً مسح خلاله قطرات العرق التي ملأت جبينه -رغم البرد-،
وقال لمراسل "شمس نيوز": "خيمتنا غرقت بالكامل، وطول الليل واحنا نفحر خنادق وننقل المياه من الخيمة، لكن بدون أي فائدة، لانو خيمتنا من الخيش وما بتمنع دخول المياه".
غير بعيد عنه، يصف السبعيني أبو تيسير أبو النجا، النازح من منطقة معن جنوبي خانيونس، لمراسلنا، حجم المأساة التي عاشها النازحون خلال ساعات الليل، فيقول: "قضينا الليل كله نحاول إخراج المياه، لكن الخيام مثقوبة ومتهالكة، ولا تتحمل، والشباب اضطروا لحفر خنادق مائية حول الخيام للحد من تفاقم الكارثة".
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
هذه المشاهد القاسية، تأتي في وقتٍ تتفاقم فيه معاناة مليون ونصف عائلة نازحة وجدت نفسها محاصرة في خيام مهترئة لم تعد صالحة للسكن، بمخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة، بين صقيع البرد وغزارة الأمطار، إذ لا توجد أرض صلبة تحمي الخيام ولا مجرى لتصريف مياه الأمطار التي تُحوِّل الممرات إلى برك موحلة بالطين.
إضافة إلى ذلك، يعاني النازحون من نقص حاد في البطانيات والأغطية والملابس الشتوية، كما يعانون من البرد القارس الذي ينخر في أجسادهم وأجساد أطفالهم الهزيلة بفعل المجاعة التي فرضها الاحتلال على القطاع، وذلك بعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم والبنية التحتية في قطاع غزة.
النازح "أبو أحمد الخطيب"، من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يقول: "نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد أن نحمي أطفالنا من هذا البرد"، مشيراً إلى أن "الخيام لا تقي من المطر ولا من الرياح، والبطانيات شبه معدومة، وأجساد أطفالنا ضعيفة من الجوع والتعب".
وأضاف لمراسل "شمس نيوز": "كل ليلة نخاف أن نصحو على مرض جديد أو أن نفقد أحد الأطفال بسبب البرد"، لافتاً إلى أن "بيوتنا دُمِّرَت، وكل ما نملكه الآن هو هذه الخيمة التي تغرق مع أول مطر، ونعيش فيها على أمل أن يتوقف هذا العذاب أو يلتفت إلينا العالم قبل فوات الأوان".
أما النازح "أبو أحمد الصواف"، وسط قطاع غزة، فقد قام بتعديل "ميل" دورة المياه "الحمام" بجانب خيمته، آخذاً بعين الاعتبار تجمع الأمطار في قناة التصريف، خصوصاً وأن الخيمة لا يمكنها تحمل كمية الأمطار المحتملة هذا العام.
ويشكو النازحون من عدم حصولهم على خيام أو شوادر من الجمعيات الإنسانية، ويعتبرون أن آلية التوزيع غير عادلة ولا تشمل جميع المتضررين، رغم تفاقم المعاناة، كما يطالبون بإدخال الكرفانات والبيوت المتنقلة، وإعادة الإعمار، ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وفقًا للإحصائيات الرسمية، فقد سجل جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة حالتي وفاة منذ بدء المنخفض الجوي، إذ توفي طفل غرق في حفرة مياه شمال مدينة غزة، وتوفيت سيدة إثر سقوط جدار بسبب الرياح والأمطار قرب ميناء غزة.
وأكد "الدفاع المدني" أنه تلقى مئات نداءات الاستغاثة من داخل مراكز الإيواء والمخيمات، مشيراً إلى أن طواقمه نفذت أكثر من 49 مهمة ميدانية خلال المنخفض، رغم العجز الكبير في الاستجابة بسبب نقص الوقود.
في ذات السياق، أعلنت عدة بلديات في القطاع أن مركبات شفط مياه الأمطار ونقل النفايات توقفت بسبب نقص السولار، وهو ما أدى إلى اختلاط مياه الأمطار بالمياه العادمة، وزيادة المخاطر الصحية في المخيمات.
وتسببت الرياح الشديدة، التي بلغت سرعتها نحو 60 كيلومتراً في الساعة، في تمزيق وتطاير مئات الخيام المصنوعة من القماش والنايلون، ووفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أدى ذلك إلى غرق واقتلاع حوالي 120 ألف خيمة بسبب الرياح والأمطار، وهو الأمر الذي أدى إلى تلف كامل للأمتعة الشخصية.
وحذر "جهاز الدفاع المدني" من أن الأيام المقبلة ستكون أشد قسوة، في ظل توقعات بانخفاضات جوية متكررة، واستمرار القيود والحصار الإسرائيلي الخانق على إدخال مستلزمات الإيواء ومواد البناء، والدخول في المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار، وهي أمور تؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة وارتفاع أعداد المتضررين.