قائمة الموقع

سنة جديدة.. غزة بلا مظاهر احتفال وألعاب نارية!

2025-12-30T14:23:00+02:00
غزة
شمس نيوز - نضال أبو شربي

يستقبل أهالي قطاع غزة العام الجديد دون أي من مظاهر الفرح المعتادة، لا إنارة في الشوارع، ولا موسيقى في الأسواق، ولا تجمعات عائلية تودّع عامًا وتستقبل آخر، فالحرب تركت أثرها العميق في البيوت والأجساد والقلوب، ومع ذلك، يحاول الناس –بصمت– أن يصنعوا بداية جديدة، ولو من تحت الركام.

مع حلول العام الجديد، لا تشبه غزة نفسها كما كانت في مثل هذا الوقت من الأعوام السابقة، فقد غابت الأضواء والزينة، وحلّ مكانها صمت ثقيل، تحاول فيه العائلات إعادة ترتيب حياة تكسّرت بفعل القصف والنزوح.

هُنا، لا تُقاس بداية العام بالساعات والدقائق، بل بقدرة الناس على التحمل للعيش في مخيمات النزوح والمدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، فلا يضع السكان خططهم للعام الجديد بقدر ما يحاولون تأمين أبسط مقومات الحياة.

يقول أحد النازحين، وهو يقف بجوار خيمته الممزقة بفعل الرياح والامطار الشديدة: "نحن في غزة لا نخطط لعام جديد، بل نحاول فقط ألّا نخسر حياتنا منذ بدايته".

فالخيام التي لا تقي بردًا ولا مطرًا أصبحت العنوان الأبرز لبداية العام، حيث تحوّل همّ العائلات إلى البحث عن بطانية إضافية، أو وجبة بسيطة، أو ليلة ينام فيها الأطفال دون خوف.

أسواق بلا موسم… والبيع بالدَّين

الأسواق التي عادت جزئيًا للعمل تبدو اليوم كظلٍ لما كانت عليه، لا تجهيزات لنهاية عام، ولا بضائع موسمية، بل نقص حاد في السلع الأساسية، وارتفاع في الأسعار يقابله تراجع كبير في القدرة الشرائية.

ويعاني التجار والمواطنون على حد سواء من غياب العملات الصغيرة، ما يعقّد عمليات البيع والشراء، ويدفع نحو انتشار البيع بالدَّين وتسجيل المشتريات في الدفاتر.

فيما يقول سليم، بائع في سوق غزة الشعبي منذ أكثر من عشرين عامًا، وهو يقف خلف بسطته المتواضعة: "الناس لا تسأل إلا عن الضروري، خبز، أرز، بطاطا، البيع انخفض للنصف، والدَّين أصبح واقعًا مفروضًا، لم يعد أحد يفكر بالكماليات أو تجهيزات نهاية سنة".

ويحذر من أن استمرار إغلاق طرق الإمداد وغياب الدعم للتجار الصغار يهدد بانهيار السوق بالكامل، مضيفًا: "الاقتصاد جزء من الحياة، وإذا توقف، تتوقف الحياة معه".

مدارس بلا مقاعد… ومستقبل مؤجل

وفي السياق ذاته فإن عشرات الآلاف من الأطفال يدخلون العام الجديد دون مقاعد دراسية ثابتة أو بنية تعليمية حقيقية، في مناطق عديدة توقفت الدراسة بالكامل، وفي مناطق أخرى تقتصر على محاولات جزئية داخل مخيمات النزوح.

تقول أم أحمد، معلمة نازحة من شمال قطاع غزة: "قبل أن نعلّمهم الحروف، نحاول أن نعيد لهم الشعور بالأمان، فالطفل الذي يرتجف لا يكتب".

وتضيف: "نبدأ عامًا دراسيًا بممحاة قبل القلم، نحاول أن نمحو الخوف من عيون الأطفال قبل أن نعلّمهم القراءة".

ويعتمد التعليم اليوم على جلسات دعم نفسي بسيطة داخل الخيام، أو مبادرات فردية لإعادة التأهيل، في ظل إدراك متزايد بأن الجروح الأعمق ليست في الجدران، بل في عيون الأطفال.

 

عام بلا فقدان… أمنية مستحيلة

في إحدى زوايا مركز إيواء، يجلس أبو محمود، نازح من شمال القطاع، فقد أبناءه ولم يتمكن من انتشال جثامينهم، ويضع يده على وجهه ويقول بصوت خافت: "لا أشعر أنه عام جديد، نفس الخيمة، نفس البرد، نفس الغياب؛ لكنني أوقظ نفسي كل صباح وأقول "لو بقينا أحياء، سنبني من جديد، هذه ليست أمنية، هذه مسؤولية".

أما الحاجة أم ناصر، أم لخمسة أطفال، فتختصر الاستعدادات بقولها: "لو كان عندي بيت وسقف، كنت سأحكي عن استعدادات، اليوم استعدادنا الوحيد أن نجد بطانية إضافية، وأن نؤمّن عشاءً بسيطًا، أتمنى فقط أن ينام أولادي ليلة واحدة بلا خوف".

عام جديد بلا عدٍّ تنازلي

فلا تُشبه غزة أي مدينة أخرى مع نهاية العام، لا ألعاب نارية، ولا عدّ تنازلي، بل عدٌّ للأرواح التي رحلت، وللأحلام التي ستؤجَّل قليلًا، هنا، لا يودّع الناس عامًا ليستقبلوا آخر، بل يودّعون أحباءهم ويحملون أسماءهم معهم إلى الغد.

عام جديد في غزة لا يبدأ بالاحتفال، بل بمحاولة البقاء واقفين، وبخيام تتحدى المطر، وأسواق تحاول ألّا تنطفئ، وأمهات يرممن حياة تفرقت مع القصف، ورغم كل ذلك، يصر الغزيون على وضع قدم في الغد، ولو كان الطريق مليئًا بالركام.

اخبار ذات صلة