غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر إيلان بابي: هدف إسرائيل هو أرض فلسطينية دون الفلسطينيين

ايلان بابي

تروث أوت 

أجرى موقع “تروث أوت” مؤخرًا مقابلة مع إيلان بابي، المؤلف المشارك مع نعوم تشومسكي في كتاب بعنوان “عن فلسطين”، من تحرير فرانك بارات.

مارك كارلين: أنت تتناول في الفصل الأول من كتاب “عن فلسطين” المحادثات القديمة والجديدة عن فلسطين وإسرائيل. هل يمكنك وصف الفرق بين الاثنين؟

إيلان بابي: إن الفارق الرئيس يكمن في الطريقة التي يتم من خلالها تأطير الواقع في فلسطين. النهج القديم ينظر إلى الصراع بوصفه صراعًا محتدمًا بين حركتين قوميتين مع مطالبة متساوية بإقامة دولة ولوم الطرفين لعدم إحراز أي تقدم. أما النهج الجيد فهو يؤطر الصراع باعتباره صراعًا مستعرًا بين المستوطنين والمجتمع الأصلي.

ينظر النهج القديم إلى عام 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة على أنّه بداية الصراع والقلق. في حين يركّز النهج الجديد على التطهير العرقي لفلسطين في عام 1948 كنقطة انطلاق وقضية لا بد من معالجتها من أجل السلام والمصالحة. وبطريقة مماثلة، فإن النهج القديم يعمل على حصر الفلسطينيين داخل المجتمع الذين يعيشون فيه في الضفة الغربية وقطاع غزة وحصر فلسطين على تلك المناطق. لكنّ النهج الجديد أشمل؛ فهو يتعامل مع فلسطين وجميع الفلسطينيين.

وأخيرًا، فإنّ النهج القديم يسعى إلى حل الدولتين باعتباره أخف الضررين نظرًا لميزان القوى. أما النهج الجديد فيسعى إلى حل الدولة الواحدة ويفضل التركيز على إنهاء الاستعمار، وتغيير النظام وعودة اللاجئين كوسيلة للمصالحة. كما يسعى النهج السابق لتحقيق السلام من خلال المفاوضات؛ لكنّ النهج الجديد يفضل الضغط على إسرائيل لاحترام حقوق الشعب الفلسطيني، مثلما تعرض نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لهذه الضغوط في ذلك الوقت.

ينتهي الفصل الأول بتكهنات حول التطورات المحتملة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية خلال عام 2020. هل يمكنك تلخيص بعض النتائج الرئيسة التي من المحتمل أن نشهدها في نهاية هذا العقد؟

بحلول نهاية هذا العقد، سوف نشهد صدامًا بين عمليتين متضاربتين: الأولى هي توسع إسرائيلي من جانب واحد في المنطقة “ج” (المناطق الخاضعة بالكامل للجيش الإسرائيلي والسيطرة المدنية) في الضفة الغربية، وتشريعات عنصرية ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل والمزيد من الاعتداءات على قطاع غزة. هناك احتمال أقل بحدوث انتفاضة فلسطينية ثالثة. وإذا حدث ذلك، سوف يزداد عنف وقسوة السياسات الإسرائيلية القاسية بالفعل.

العملية الثانية هي تحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة، مع المزيد من إجراءات المقاطعة وسياسات العقوبات (مع انضمام الجيل الأصغر سنًا من اليهود في جميع أنحاء العالم بأعداد كبيرة إلى هذا النوع من النشاط). إنّ ميزان القوى بين العمليتين، وهي قدرة الضغوط الدولية للتأثير على الأحداث على أرض الواقع، يتأثر إلى حد كبير بالتطورات في سوريا والعراق (عدم وجود حل هناك سيضعف الضغط)، وبقدرة الفلسطينيين للتوحد ضمن هيئة تمثيلية أكثر واقعية.

في نهاية هذا العقد، من المحتمل أن تخسر كلًا من السُلطة الفلسطينية والتمثيل الفلسطيني في الكنيست تأثيرها وفعاليتها في عيون كثير من الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، وهذا سوف يساهم في صياغة استراتيجية فلسطينية جديدة، كما يساعد مثل هذا التطور المعسكر المناهض للصهيونية داخل إسرائيل.

ما هو الوضع في غزة الذي لا نراه في تغطية الأخبار، جزئيًا، بسبب تركيز وسائل الإعلام على تنظيم داعش؟

الشيء الأساسي الذي لا نستطيع أن نراه هو أنّه ليست هناك إعادة إعمار، وأنّ الآلاف من المنازل والمباني العامة والبنى التحتية لم يتم إعادة بنائها. وهذا يؤدي إلى استمرار الفقر وسوء التغذية وغياب الرعاية الصحية الأولية. كما أننا لم ننتبه للاستعداد الإسرائيلي الصريح لمهاجمة قطاع غزة مرة أخرى، في حين لا زالت تفرض الحصار الذي لا يسمح بأي حركة إنسانية داخل وخارج هذا السجن الأضخم في التاريخ والذي يعتقل أشخاص جريمتهم الوحيدة هي أنهم فلسطينيون. وعلى الرغم من انخفاض المعاناة اليومية في غزة بالمقارنة مع مصير الكثير من العراقيين والسوريين، لكن علينا أن نتذكر أن هذه المعاناة تستمر لقرابة 10 أعوام حتى الآن بهذا الشكل وما يقرب من 70 عامًا بأشكال أخرى من القمع والمصاعب الأخرى.

ما هي الآثار المترتبة على إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو، وخاصة بعد ميوله الصريحة للعنصرية وتنصل الحملة من التوصل إلى حل الدولتين؟

أشك فيما إذا كان يحتاج إلى هذه الألاعيب العنصرية. إعادة انتخابه هي نتيجة طبيعية للمشروع الصهيوني: مشروع استيطاني استعماري يهدف، منذ بدايته، للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من فلسطين مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين. وعلى الرغم من أنّ حزب العمل قام بمهمته حتى عام 1977 (من خلال الاستيلاء على البلاد بأكملها، وطرد نصف السكّان في عام 1948، ومحاصرة الباقي بعد عام 1967 في مناطق محلية، على غرار البانتوستان في جنوب إفريقيا، داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة)، والآن مهمة حزب الليكود هي ترسيخ هذا النظام باعتباره الأمر الواقع للأجيال القادمة. لطالما دعم الناخبون الإسرائيليون هذه السياسات…، لا شيء حتى الآن في موقف المجتمع الدولي أجبره على تغيير دعمه لأي من الطرفين. ونظرًا لعدم التمكين الكلي للفلسطينيين، وحالة الفوضى في العالم العربي والاستثناء الدولي حتى الآن، والدعم الأمريكي من منظور صهيوني؛ فإنّ اتجاه نتنياهو هو النسخة الصهيونية الأكثر جاذبية بكثير من الصهاينة الليبراليين.

ما هي الطرق التي تمثل من خلالها سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية نظام الفصل العنصري؟

أولًا، وقبل كل شيء، من خلال حقيقة أن الملايين من الناس لا يمكنهم التصويت لصالح الهيئة التي تقرر مصيرهم منذ عام 1967. لذلك؛ تم تجريدهم من هذا الحق المدني الأساسي، كما تم تجريد هذه الفئة من السكّان من إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية في الضفة الغربية: فالأرض والماء على وجه التحديد في أيدي الاستعمار اليهودي. المجتمعات، صغيرة مثل قرية أو بلدة، يتم فصلها عن بعضها البعض من خلال الجدران ونقاط التفتيش والقواعد العسكرية والمستعمرات اليهودية. ويتم عزل الضفة الغربية عن قلبها، القدس، وعن بقية فلسطين.

ولكن، في نواحٍ أخرى يكون الأمر أسوأ من نظام الفصل العنصري: يكون السكّان عرضة باستمرار لعقوبات جماعية وغير إنسانية؛ حيث يتم اعتقال السكّان، من بينهم الأطفال، دون محاكمة، ويتم هدم المنازل كعقاب جماعي وفرض غرامات باهظة عليهم بشكل مستمر.

هل تشعر بأن الرئيس أوباما قد تخلى عن محاولة التأثير على إسرائيل وتقبل هذا الوضع الراهن غير الأخلاقي؟

نعم، أعتقد أنه كان يعرف ذلك. لقد كانت تمثيلية. لا أعتقد للحظة واحدة أن لديه أي شكوك بشأن هذه القضية. إنّه يمتلك القدرة على تغيير الأمور، لكنه يفضل عدم تحدي النظام؛ بحيث يكون قادرًا على تنفيذ سياسات أكثر أهمية بالنسبة له. ربما لم يكن يتوقع أن يكون نتنياهو قبيحًا وخطيرًا لهذه الدرجة، ولذلك؛ أُسدل الستار على رئاسته، وسوف يودعنا بكلمات قاسية على رئيس الوزراء وإسرائيل، لكنه سوف يستمر في قول أشياء لا تتوافق مع أفعاله.

هل يمكنك الحديث قليلًا عن الفصل المتعلق بعبثية وفجور التقسيم في فلسطين؟

منذ تأطيري للصراع من بدايته كفعل استعماري ومناهض للاستعمار، وأنا أرى التقسيم، مثل الكثير من القادة والنشطاء الفلسطينيين في عام 1947: كعمل يساعد المشروع الاستعماري على حساب الشعب الأصيل. في الوقت نفسه، ومع عرض الأمم المتحدة على السكان الأصليين في فلسطين لإعطاء نصف وطنهم إلى مجموعة من المستوطنين، معظمهم وصل منذ بضع سنوات فقط؛ فإن العالم كان يجب أن يقترح على جبهة التحرير الوطني في الجزائر تقسيم الوطن مع المستوطنين البيض.

حتى التقسيم تم تكريسه كوسيط ذهبي بين الأطراف المتنازعة وكحل منطقي. ومع ذلك، لا يزال الهدف منه هو الاستفادة من المشروع الاستيطاني الاستعماري للصهيونية. الهدف من وراء التقسيم في العصر الحديث هو أن الحركة الصهيونية ستكون راضية عن إقامة دولة (تحتل) أكثر من 80% من فلسطين، وسوف تسمح بالاستقلال الفلسطيني في الأجزاء المتبقية. قادة العالم والدبلوماسيون في حيرة لماذا هذا لا يرضي التعطش للأرض والسُلطة في إسرائيل. والسبب هو أن التقسيم لا يعني، في التصور الصهيوني الجمعي، إحلال السلام أو السماح بقيام دولة فلسطينية حقيقية تنمو إلى جانب إسرائيل؛ بل يرون أنه وسيلة رائعة لامتلاك الأرض دون الحاجة لتشمل هذه الأرض الملايين من الفلسطينيين في التوازن الديموغرافي للسلطة.

إنّ دولة الفصل العنصري في إسرائيل يجب أن تجد وسيلة أخرى لامتلاك أرض بلا شعب، وسيلة لا تعتمد بحماقة على المجتمع الدولي. وسيتم الكشف عن الطبيعة الحقيقية لاستحالة القيام بذلك من دون دولة فصل عنصري تامة الأركان.

هل رأيت أي مؤشرات على أن المجتمع الدولي يضغط على إسرائيل لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان؟

نعم بالتأكيد. إذا وضعنا جانبًا مشاكل الفساد في كرة القدم، فإنّ ذلك يعكس رغبة الجماهير في جميع أنحاء العالم في فرض مقاطعة على الرياضة، ورغبة شركة أورانج في إعادة النظر في استثماراتها مع إسرائيل؛ وهذه مؤشرات على أن الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها تحظى بزخم كبير ولا يمكن وقفها. كما كانت للأوساط الأكاديمية والطلابية في جميع أنحاء العالم كلمتها الواضحة حول ضرورة مواصلة وزيادة هذا الضغط. ومن المرجح أن يحذو حذوهم الاتحاد الأوروبي مع سياسات جديدة حول المنتجات من الضفة الغربية المحتلة.

وبالإضافة إلى ذلك، اعتراف البابا وحكومة السويد بالدولة فلسطينية (سواء كان ذلك ضمن حل الدولتين، الذي في رأيي ليس قابلًا للتطبيق) هي الخطوة التي، للمرة الأولى منذ عام 1967، تحفز الجهات الدولية الفاعلة لتجاهل إصرار إسرائيل على أنّه لن يتم اتخاذ أي موقف دولي بشأن فلسطين دون موافقة إسرائيل.

لدينا طريق طويل لنقطعه من أجل فرض عقوبات فعّالة، ولكننا قد قطعنا شوطًا كبيرًا بالفعل.

في مقابلة مع موقع تروث أوت في عام 2014، تم توجيه سؤال لك عن العنصرية البشعة لحزب البيت اليهودي، الذي كان عضوًا مهمًا في ائتلاف نتنياهو. أجبتَ أن العنصرية كانت دائمًا متأصلة في إسرائيل، ولكن أولئك الذين يشتركون فيها الآن يشعرون براحة أكبر في التعبير عن آرائهم الذميمة في وسائل الإعلام. وفقًا لمجلة +972، الرئيس المعيّن حديثًا لـ “الإدارة المدنية” في الأراضي المحتلة، الحاخام إيلي بن دهان، يعتقد أن الفلسطينيين “وحوش… وليسوا بشرًا”. لماذا تعتقد أن الصحافة العالمية بصفة عامة تعطي مؤيدي نتنياهو مثل بن الدهان الفرصة للتعبير عن وآراء كانت تحظى بشعبية كبيرة بين مالكي العبيد في الولايات المتحدة؟

هذا هو جزء من الاستثناء الذي كنت أتحدث عنه؛ هذا الاستثناء له جذور مختلفة، وبالتالي تفسيرات مختلفة، في أوروبا والولايات المتحدة وبقية العالم. في أوروبا، لا تزال الشرعية لإقامة دولة عنصرية على حساب الفلسطينيين تبدو… وخاصة في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا… ثمنًا بخسًا يُدفع بسبب عدم التعامل بشكل صحيح مع الإبادة الجماعية لليهود، والشعوب الأخرى، في الحرب العالمية الثانية. كان يجب أن تقاوم أوروبا الاستنتاج الصهيوني بعد محرقة الهولوكوست بأن النازيين كانوا على حق وأنّ اليهود لا يمكن أن يكونوا بأمان إلّا في دولة فلسطينية مستعمرة. كان ينبغي أن يكون هناك جهد حقيقي لبناء مجتمع لن يسمح أبدًا بأن يكون لمعاداة السامية أو العنصرية حيزٌ سياسيٌ أو أيديولوجي. لذلك؛ كان سبب الفشل في القيام بذلك هو أنّ الصهيونية عرضت الشرعية اليهودية على أوروبا في وقت كانت لا تقبل فيه تعدد الثقافات… الحصاد المر لهذا الأمر هو الخوف من الإسلام في أوروبا اليوم.

في الولايات المتحدة، يحدث الاستثناء نتيجة لنشاط اثنتين من جماعات الضغط القوية التي تدعمهما النزعة المحافظة الجديدة. بدأت هذه الجماعات اليهودية في العمل منذ أوائل الخمسينيات، سيطرت على سياسة الولايات المتحدة من أجل مصالح إسرائيل، ويرى اللوبي الصهيوني المسيحي عودة اليهود إلى فلسطين باعتبارها قدرًا لا ينبغي العبث به؛ بل حمايته (حتى حدوث المرحلة النهائية من هذا البرنامج: وهي تحويل اليهود إلى المسيحية أو تعذيبهم في الجحيم… كلا الخيارين مناسب تمامًا للمسيحية الصهيونية).

وقبل كل شيء في عالمنا الليبرالي الجديد، لم تقوّض العنصرية الصهيونية حتى الآن مصالح المجتمع الصناعي العسكري.

هل تعتقد أن هناك إمكانية لحركة المقاومة الدولية لتساعد الفلسطينيين، في ضوء الانتفاضات في الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم؟ هل يمكن تكوين حركة عالمية متآزرة من أجل العدالة في الفترة القادمة؟

أعتقد ذلك. العدالة الاجتماعية ستصبح أكثر وضوحًا في أذهان الناس وارتباطًا بالمحنة التي تعيشها فلسطين. هناك علاقة بين نجاح النظام الرأسمالي في إعادة إحياء نفسه بعد أزمة عام 2008 دون أي ضرر والاستثناء المستمر لإسرائيل. إذا كان من الممكن إعادة توجيه التركيز على الربح المالي للاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية في الغرب مباشرة، يمكن أن يكون لذلك صدى على الشعوب في العالم العربي، حيث اُغتصبت ثورتهم من قِبل القوى الخارجية والحركات المتعصبة على أرض الواقع. يرتبط التوزيع العادل للموارد واعتماد أولويات عالمية مختلفة حول الطبيعة بالغياب المخيف لحقوق الإنسان والحقوق المدنية الأساسية في الشرق الأوسط. ولكن العامل الأساسي هو إزالة الاستثناء عن إسرائيل وإدراجها في المحادثة العالمية والإقليمية حول حقوق الإنسان والحقوق المدنية.

نحن ندخل عصرًا جديدًا لمرحلة ما بعد القومية في جميع أنحاء العالم؛ حيث يتم تحدي الدولة القومية من خلال الخاصية العرقية (في بعض الأحيان تتنكر في زي القومية القديمة)، والتطلع إلى تشكيلات سياسية فضفاضة تتجاوز الحدود الوطنية. الطريقة الوحيدة لضمان أن هذا التحول المنشود ليس عنيفًا أو فوضويًا هو وضعه على أساس حقوق الإنسان والحقوق المدنية.

أصبحت فلسطين خاضعة بدرجة كافية، وأصبح الشرق الأوسط ضعيفًا مائعًا. لنأمل أنه ربما سيكون هناك عصر جديد يكون أفضل من عصرنا.