غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

د. حاتم الجوهري: الصهاينة روجوا لأنفسهم كضحايا ورجال النظام المصري دعموا إسرائيل

خبر خرافة التقدمية في الأدب الإسرائيلي

رانيا هلال

المتابع لوسائل الإعلام العبرية يعرف جيدًا أن المحاولات الإسرائيلية لمتابعة كل ما يكتبه ويقوله العرب وتحليله كثيرة ومستمرة، في مقابل القليل من محاولات الجانب الآخر التي خرجت على استحياء خشية اتهامات جاهزة بالتطبيع.

الدراسة التي قدمها الناقد الدكتور حاتم الجوهري لكشف حقيقة ما سمي “الأدب التقدمي” من خلال كتابه “خرافة التقدمية في الأدب الإسرائيلي”، والذي نال عنه جائزة ساويرس في النقد، تفتح الأبواب أمام بحث جاد وتعريف أكثر وضوحًا لهوية كل ما هو صهيوني.

ذلك النوع من الدراسات الذي يخترق المناطق المحظورة، ربما تكون له جاذبية خاصة أو دوافع أخرى. فحدثنا عن دوافعك الخاصة في اختيار هذا النوع من الدراسات؟

فى أثناء دراستي للسنة التمهيدية بجامعة القاهرة على يد أساتذة عظام؛ تطور عندي سؤال مركزي حول فكرة: اليسار الصهيوني! والذي جعل الفكرة تنعقد داخلي وتستقر أكثر مقولة: اليسار اللاصهيوني في إسرائيل! لقد بدا الأمر غير منطقي تمامًا بالنسبة لي، كيف يوجد تيار رئيس له تاريخه في المشروع الصهيوني ويدعي البراءة والتمسح في اليسار العالمي!

من هنا اهتممت بجمع معظم ما كتب عن اليسار الصهيوني عربيًا وكذلك في الإنجليزية والعبرية لأنتهي إلى تفكيك كل تلك الأقنعة الزائفة، وأكتشف أن اليسار الصهيوني كان هو الأيديولوجية الأكثر وضوحًا والأكثر مساهمة في احتلال فلسطين، على عكس ما يشيع البعض، وعلى عكس ما يقدم الصهاينة الماركسيون أنفسهم.

عنوان دراستك “خرافة الأدب الصهيوني التقدمي” فماذا نقصد حينما نصف الأدب بالتقدمي، ولماذا هذه الرؤية هي المصدّرة عن الأدب الإسرائيلي؟

مصطلح “التقدمي” له دلالة تاريخية وأيديولوجية، ارتبطت بنشأة اليسار واليمين في أوروبا؛ حيث ارتبط اليسار بفكرة التغيير والبحث عن سبل حياتية جديدة تحمل أوروبا للتقدم وتخرج عن كهنوت الكنيسة، وفي المقابل كان هناك اليمين الديني والسياسي الذي ارتبطت مصالحه بالشكل القديم لأوروبا فأطلق عليه وصف “الرجعية”.

وحينما نصف الأدب بالتقدمي فهو مصطلح سياسي غالبًا ويعني الأدب المرتبط باليسار الأيديولوجي. ويطلق البعض هذه التسمية على الأدب الإسرائيلى؛ طمعًا في التفرقة بين تيارات الصهيونية ومشروعها لاحتلال فلسطين، حيث يظن البعض خيرًا في أطروحات اليسار الصهيوني، التي تقدم فكرة الاحتلال اللطيف، الاحتلال الذي قد يشرك -افتراضًا- الضحية العربي في حكم أرضه المسلوبة، هم يقارنون بين لص سمج ولص ظريف!

ما دور الإرث التاريخي في الصراع العربي الإسرائيلي في تعامل المفكرين العرب مع المنتج الثقافي الإسرائيلي، وخاصة الأدب؟

قلة قليلة هي التي تسعى للوصول للأبنية الرئيسة للمشروع الصهيوني وعلاقتها بالمشهد الدولي، الصهيونية هي نتاج للمرحلة الأوروبية من التاريخ، وترتكز حول لحظتين مفصليتين في تاريخ أوروبا؛ هما اللتان أنتجتا المشروع عند: التأسيس، وعند: الانتصار.. لحظة التأسيس ارتبطت بتاريخ روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر وأحداث العنف التي أعقبت اغتيال القيصر واتهم فيها اليهود، والتي دفعت اليسار اليهودي الروسي لتبني مشروع الصهيونية وإنتاج: أيديولوجيا الصهيونية الماركسية. أما لحظة الانتصار، فارتبطت بالنازية في القرن العشرين عندما أجاد الصهاينة ترويج أنفسهم كضحايا للعنصرية، وأنه يجب على أوروبا دفع الثمن بدعم إقامة كيان سياسي لليهود في فلسطين.

المفكرون العرب في حاجة لمصادر معرفية جادة لمقاربة المشروع الصهيوني ومحاولة تفكيكه، بعيدًا عن تطرف اليمين العربي ومغالاته في العداء ذي البعد الديني، أو اليسار العربي ومغالاته في طوباوية اليسار الصهيوني المزعوم.. الصهيونية هي نتاج لتراكم تاريخي، ولن تتفكك إلا بتراكم تاريخي مضاد، ظهرت بشائره الحقيقية في الثورة المصرية العربية الصامدة.

كيف يفرق القارئ بين الكتابات” الصهيونية” والكتابات “العبرية”، وأيهما يمكن اعتباره وجهًا للأدب الإسرائيلي حاليًا؟

العبرية في العصر الحديث كانت لغة ميتة، وتم إحياؤها لأسباب صهيونية لتصبح لغة مشتركة ليهود الصهيونية القادمين من لغات وأمم متباينة؛ لذا فالعبرية حديثًا ظهرت لأسباب سياسية بحتة لا خلاف عليها. ولكن، قد توجد كتابات صهيونية يكتبها غير اليهود وبغير العبرية، مثل أنصار الصهيونية الذين يكتبون بالإنجليزية في أمريكا وبريطانيا! لذا فالصهيونية ليست حكرًا على اليهود، هناك من يرى فيها مصلحة له ويروج لها. وحاليًا معظم الأدب الذي يكتب في “إسرائيل” يكتب بالعبرية، حيث يمكنك القول إن الصهيونية توجه فكري يمكن أن يوجد في العديد من البلدان ويكتب بمختلف اللغات، في حين أن العبرية -حديثًا- ارتبطت بالمشروع الصهيوني وهي لغته الرسمية.

هل تعاطي الأدباء العرب مع الأدب الإسرائيلي يمكن اعتباره تطبيعًا بشكل من الأشكال؟

“التطبيع” ارتبط تاريخيًا بالتسعينيات، واحتلال العراق وسقوط الاتحاد السوفيتي، وفشل المشروع العربي القديم؛ حيث فرضت أمريكا على مصر مشروع الشرق الأوسط والسلام المزعوم، وأوعز النظام المصري في التسعينيات لرجاله في المشهد الثقافي والسياسي بتبني وجهة النظر الرسمية والترويج لإسرائيل! لكن هذه الفكرة انتهت تاريخيًا برفض الصهاينة أنفسهم للسلام واغتيال رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، وكذلك انتهت رسميًا مع ضرب “البرجين” في أمريكا واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

بعض الأدباء العرب اليساريين قد يظنون خيرًا في أدب اليسار الصهيوني المزعوم، وذلك ليس تطبيعًا لكنه سوء فهم وعدم قراءة لتاريخ اليسار الصهيوني، بوصفه القوة المركزية المنظمة التي أنتجت مشروع الصهيونية ووضعته على الأرض. وكذلك قد تلمحين بعض فلول المشهد التسعيني في الأدب والصحافة هنا أو هناك، يدافع عن تاريخه الشخصي وتبنيه لوجهة نظر النظام المصري آنذاك واعيًا أو غير واع.

هل ترى أن الترجمة من العبرية متحققة بالنسبة المطلوبة في إطار تشابك العلاقات بين ما هو عربي وما هو إسرائيلي؟

يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها: دراسات الصراع العربي الصهيوني، ومحاولة تقديم وجهة النظر العربية للعالم في حالة تراجع شديد، في فترة ما قبل الثورة تم تفريغ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام من مضمونه، وتم تحويل أقسام اللغات العبرية في الجامعات المصرية لحلقات أكاديمية منفصلة عن دورها الثقافي والمعرفي، وتعامل البعض مع باحثي الصراع على أنهم مترجمون!

نحن بحاجة لإعادة تعريف التوصيف الوظيفي لأقسام اللغة العبرية، فهي أقسام موجهة لدراسة العدو الحضاري والتاريخي، وتسعى لبحث سبل تقديم وجهة النظر العربية للعالم وتفكيك ذلك المشروع، وفي هذا السياق أنوّه إلى أننا حتى هذه اللحظة لا نملك معهدًا مستقلًا لدراسات اللغة العبرية والمواجهة الحضارية، وأدعو مجددًا لإنشائه، لدينا أقسام متفرقة بلا خطة أو رؤية مشتركة، ولكننا إذا أردنا الانتصار فسوف نعرف قيمة العلم ونجله.

لليهود صورة نمطية عند العرب يكاد يشترك فيها المثقفون والعوام فمن المسرول عن هذه الصورة؟

الصورة النمطية؛ مفهوم شائع لدى كل دول العالم، يشبه فكرة الثقافة الشعبية وتنتجه مكونات الثقافة الشعبية المتشابكة والمتراكمة أيضًا، ويشترك في تقديم الصورة النمطية لأي فكرة ما يلي: الفن، الإعلام، السينما، المسرح، الأدب، التاريخ، التعليم، الموروثات الشفوية والعادات المتوارثة.

في حالة اليهود الصورة النمطية الخاصة بهم عند العرب مركبة للغاية، لا تنسي أن العرب الفلسطينيين المحتلين يحتكون بهم يوميًا، كذلك الجندي المصري والعربي قابلهم وجهًا لوجه أكثر من مرة.. هناك تداخلات في صورة اليهودي النمطية عند العربي، ما بين: البخيل، والخبيث، والتاجر، والفتاة الجميلة. ثم هناك طبقة أخرى قد تشمل: المغتصب، والقاتل، والإرهابي، والخائن. وقد توجد طبقة ثالثة تضم: الجندي، الحرب، الخسارة، الدمار.. ولكن هذا أمر طبيعي؛ لأنك ستجدين في المقابل صورة نمطية ربما مماثلة عند الغربي وعند اليهود الصهاينة للعربي.

كشاعر وأديب ما القيمة الفنية والأدبية للأدب الإسرائيلي، وهل أضاف للأدب باعتباره منتجًا إنسانيًا؟

من الناحية الفنية والأدبية يسير الأدب الصهيوني أو الإسرائيلي متبعًا خطى مدارس الأدب العالمي. حتى هذه اللحظة ما تزال المركزية الأوروبية حاكمة، خاصة وأن الحالة الإسرائيلية تعتبر نفسها ابنة للغرب، وشاءت الظروف أن تواكب الصهيونية وتتفق مع معظم التغيرات الاجتماعية والأدبية السائدة في أوروبا، فمثلًا مع أزمة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت “إسرائيل” وما تحمله من أسئلة وجودية قلقة، ومع شيوع أفكار ما بعد الحداثة، كانت إسرائيل تواجه ظروفًا جديدة، وتحاول أن تجمل وجهها بأطروحات ما بعد الصهيونية في الأدب والفن!

يحاول بعض الصهاينة النظر من زاوية منتقاة ومختارة بدقة شديدة لأزمتهم الوجودية في فلسطين؛ فينظرون من منظار إنساني مجرد للصراع، ولكنهم فى المقابل يهربون من القيم الواضحة مثل: الحق، العدل، الحرية..؛ لأن هذه القيم ستعمق أزمتهم الوجودية؛ لذا يعد البعد الإنسانى مهربًا وخلاصًا للعديد من أدباء الصهيونية.