تقرير: محمد الشريف
كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن خفايا ما أسمته “شهر العسل” بين مصر وحركة حماس والذي بدا واضحًا للعيان من خلال تسهيلات عبر معبر رفح للأفراد والبضائع لأول مرة منذ الانقلاب العسكري قبل عامين وما ترتب عليه من تشديد الحصار على حماس المرتبطة أيديولوجيًا بجماعة الإخوان التي تم حظرها وملاحقة عناصرها عقب الانقلاب.
وقالت الصحيفة إنه في الشهر الماضي التقى وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) مع الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ووزير خارجيته (سامح شكري) وعرض أمامهم مبادرة جديدة للمصالحة بين حماس ومصر، موضحة أن الردّ المصري كان حادًّا وواضحًا: أمن المصريين قبل كل شيء وحماس هي جزء من حركة الإخوان المسلمين، المعرّفة بأنّها منظّمة إرهابية؛ لن تتم المصالحة.
في المقابل، كان الردّ السعودي أيضًا حادًّا وواضحًا. تقول الصحيفة: دُعيَ خالد مشعل لزيارة الرياض، وفي بداية الشهر سافر إليها بطائرة وضعتها الحكومة القطرية تحت تصرّفه، إلى جانب ممثّلين من حزب الإصلاح اليمني التابع للإخوان المسلمين، في نهاية اللقاء، تلقّى مشعل من السعودية “تبرّعًا” بقيمة 10 ملايين دولار.
وكانت أنباء ترددت عن دور لمشعل في إقناع حزب الإصلاح اليمني بتأييد عاصفة الحزم ضد الانقلاب الحوثي هناك، وهم ما تم بعد أيام من بدء الحملة العسكرية؛ حيث أصدر الحزب بيانًا مؤيدًا للحملة العسكرية داعيًا عناصره للانخراط ضد الحوثيين.
تقارب مصري حمساوي
بعد أسبوع من اللقاء المذكور، أعلنت مصر إلغاء تعريف حماس كمنظمة إرهابية، ثم قرّرت فتح معبر رفح على مدى أسبوع، ليس فقط للأفراد؛ وإنما أيضًا للبضائع، ومن بينها الأسمنت وموادّ البناء.
ونقلت هآرتس عن مسؤول في حماس قوله لصحيفة الحياة السعودية: إنه مقابل فتح معبر رفح، مع الرقابة، ستلتزم حماس بعدم العمل من خلال الأنفاق وستكفّ عن مهاجمة مصر في وسائل الإعلام.
تم تحقيق الاتفاق، بحسب التقرير، في لقاء أجراه رئيس المخابرات المصرية العامة (خالد فوزي) مع مسؤولين كبار من حماس في قطر، وهو على ما يبدو لقاء العمل الأول بين مسؤولين من كلا الطرفين منذ إعلان حماس منظّمة إرهابية في مصر.
وفي هذا السياق، أكد مصدر مسؤول في حماس لصحيفة “التقرير” أنه لأول مرة يعقد لقاء بهذا المستوى بين وزير المخابرات المصري وعضو القيادة السياسية لحماس، موسى أبو مرزوق، واصفًا اللقاء بأنه كان مسؤولًا وإيجابيًا وبناءً ويعكس تغيرًا في السياسة المصرية تجاه حماس.
وكان القيادي في حماس محمود الزهار تحدث أيضًا عن “تلاشي المقاطعة المصرية”، وعن “قناة سياسية ومرحلة جديدة” من العلاقات المصرية الحمساوية، مشيرًا إلى أن فتح معبر رفح للأفراد ومواد البناء يأتي في هذا الإطار.
وقال مصدر مصري مشارك في المحادثات مع الحركة إنّ إرسال سفير من القاهرة إلى “إسرائيل”، بعد ثلاث سنوات من إعادة سابقه، هو جزء لا يتجزّأ من هذا التقارب، مضيفًا “تحرص مصر دائمًا على الحفاظ على سياسة متوازنة”، وأوضح لصحيفة “هآرتس”: “مصر لا ترغب بأن تظهر كمن تأتي علاقاته مع حماس على حساب التعاون مع إسرائيل. إن إرسال السفير هو خطوة مهمّة جدًّا، قد تشير إلى أنّ مصر الآن قبل مرحلة جديدة في علاقاتها مع حماس بشكل خاص ومع السلطة الفلسطينية بشكل عام”.
قطع شعرة معاوية مع إيران
وتنوه الصحيفة العبرية إلى أن المبادرة لهذا التقارب لم تكن مصرية، ورأت أن حماس أصبحت أداة لعب حيوية في التحرّكات الاستراتيجية التي تحيكها السعودية في الأشهر الأخيرة والرامية إلى إقامة سور حماية ضدّ النفوذ الإيراني، وعلى وجه الخصوص مع اقتراب موعد التوقيع على الاتّفاق النوويّ.
وتذكر الصحيفة بالسياسة السعودية السابقة، موضحة أنه على مدى نحو ثلاث سنوات، منذ أن قطعت الحركة علاقاتها مع سوريا ومضيّها في مسار تصادمي مع إيران، لم تكلّف الرياض نفسها عناء قبول مسؤولية حماس وتبنّيها في الحضن العربي.
وقالت: “مشت السعودية في عهد الملك الراحل عبد الله في أعقاب مصر وعرّفت الإخوان المسلمين كمنظّمة إرهابية. استندت الاستراتيجية السعودية- المصرية حينها إلى تصوّر يرى أنّه لا يوجد لحماس في جميع الأحوال أي دعم آخر، ولذلك؛ فليست هناك حاجة للتودّد إليها.
لكن مع تتويج الملك سليمان في كانون الثاني من هذا العام، تغيرت الأمور سريعًا؛ فبعد وقت قصير من مراسم التتويج التقى مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصبح العضو الجديد في الائتلاف ضدّ الأسد، واقترح على الملك السعودي التقارب من حماس”.
وتقول هآرتس إنه في المعركة الصفرية الجارية بين السعودية وإيران، فإنّ قطع العلاقة بين حماس وطهران قد يُسجّل كإنجاز سعودي مهمّ. وبذلك؛ تأمل السعودية أن تفقد إيران ما تبقّى من علاقتها بالقضية الفلسطينية، مبينة أنّ تبني حماس بحاجة إلى موقف جديد من قبل مصر. وإن كانت الأخيرة قد تردّدت للحظة؛ فقد أوضحت لها المملكة التي منحتها مليارات الدولارات بأنّ عليها تغيير موقفها من الحركة، وإعادة النظر في المصالحة مع الإخوان المسلمين لاحقًا.
اتفاق غزة
وتجد “إسرائيل” طريقها للدخول إلى هذا المثلّث، والتي يجب إقناعها ليس فقط بالسماح بإعادة إعمار قطاع غزة، وإنما أيضًا عدم شنّ الهجمات عليه؛ فتشكّل بذلك خطرًا على الجهود السعودية، في إطار هذه الجهود تُجرى لقاءات سرّية بين ممثّلين من قطر ومن الاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى تحقيق اتفاق وقف إطلاق نار على المدى الطويل.
وتنفي حماس في الوقت الراهن وجود مسودّات لاتفاق مثل هذا، ولكن الأصوات الصادرة من الحركة ليست موحّدة. فبحسب مصدر في حماس بغزة: “هناك الآن الكثير من بالونات التجارب، ليس فقط تجاه إسرائيل وإنما أيضًا تجاه محمود عباس وتجاه الشعب في غزة. في الواقع هناك وقف إطلاق نار وحماس حريصة جدًّا على الحفاظ عليه. إحدى مشاكلنا ومشاكل إسرائيل هي كيفية التوصّل إلى اتّفاق دون تسميته كذلك”.
وهناك سؤال آخر، وهو: “كيف ستؤثّر العلاقات المتشكّلة بين مصر والسعودية وحماس على العمليّة السياسية؟”. وفقًا لمسؤول في السلطة الفلسطينية، فلا تُظهر السعودية ومصر اهتمامًا باستئنافها إطلاقًا. “مصالحهما إقليمية، وفي الوقت الراهن فهو يُملي التقارب مع حماس”، كما يقول. “في نهاية المطاف، ستكون إسرائيل هي المستفيد الرئيس من هذا التغيير: فسيكون لديها اتفاق وقف إطلاق نار مع حماس، وستتحوّل إلى ضلع مهمّ في المثلث (السعودي- المصري- الحماسي)، ولن تضطرّ إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع محمود عباس”.