قائمة الموقع

خبر هل ستتمكن ألمانيا من مواجهة تحدي الشيخوخة؟

2015-06-29T11:02:21+03:00

صحيفة لوفيغارو الفرنسية

أُعلن منذ فترة طويلة عن انخفاض عدد السكان في ألمانيا، والذي سينتج عنه انخفاض في قدرتها الاقتصادية. فبحلول منتصف القرن الـ 21 سيبلغ التعداد السكاني في ألمانيا أقل من 70 مليون نسمة، في حين أنه يبلغ اليوم 82 مليون نسمة. وتستعد حكومة ميركل من أجل مواجهة ألمانيا لهذا الاضطراب.

في جنوب بولندا، وفي قرية صغيرة بالقرب من مدينة كاتوفيتشي، تمت ملاحظة، في السنوات الأخيرة، دار بولندية للمتقاعدين. ومنذ افتتاحها في عام 2013، يتكلم معظم المقيمين في هذه الدار باللغة الألمانية، وأصبح المكان رمزًا لظاهرة أطلقت عليها وسائل الإعلام اسم “تصدير الجدات الألمانيات”.

فنتيجة لتكاليف الرعاية الصحية الباهظة في بلادهم والنقص في دور المتقاعدين، يختار المتقاعدون الألمان الإقامة في الخارج؛ حيث تكون الأسعار أقل. فبدفع حوالي 1300 يورو في الشهر، يمكنهم التمتع بنفس المستوى من الراحة الذي سيتكلف ما يقرب من 4000 يورو في بلدهم. ولا تزال هذه الظاهرة هامشية وتعتبر أحد جوانب التحول الديموغرافي الذي على وشك أن تعيشه ألمانيا خلال العقود المقبلة.

منذ عدة سنوات، ما بين 5 و7 سنوات، ووفقًا لأحدث دراسة أجراها مكتب الإحصاء الاتحادي، كان من المفترض أن يشهد التعداد السكاني في ألمانيا ارتفاعًا، يعقبه انخفاض سريع، وبحلول منتصف القرن سيبلغ هذا العدد ما بين 65 و70 مليون نسمة مقابل 82 مليون نسمة في ألمانيا اليوم؛ ما سينتج عنه انقلاب كامل في المجتمع الألماني، لدرجة أن حكومة أنجيلا ميركل كان لها اهتمام خاص بهذا الموضوع. وسيتم تنظيم “قمتين حول الديموغرافيا”، الأولى في 22 سبتمبر 2015، والثانية سنة 2017؛ لتحديد الأهداف والوسائل اللازمة لمواجهة هذا التحدي.

لماذا لا ينجب الألمان المزيد من الأطفال؟

تحدثت عناوين الصحف في الفترة الأخيرة عن أم ألمانية، بعد أن أنجبت 13 طفلًا، هاهي حامل بأربعة أجنة. إلا أنها ليست إلا حالة معزولة؛ ففي ألمانيا، ينجب الأزواج عددًا أقل من الأطفال. وكانت أحدث دراسة أجريت لصالح وزارة الأسرة من قبل معهد دلتا، والتي صدرت خلال الأسبوع الماضي، مقلقة؛ حيث تظهر هذه الدراسة أن 29% من الألمان الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عامًا ليس لديهم أطفال. وما بين 20 و29 عامًا، ترتفع هذه النسبة إلى 79%.

وهذا الوضع ليس بجديد؛ فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، دق الديموغرافيون ناقوس الخطر بشأن العواقب المترتبة على هذا التطور، من دون أن يلقوا آذانًا صاغية. وفي عام 1986، اشتهر وزير العمل من خلال تصريحه بأن “المعاشات آمنة”. ولكن منذ عام 1970، انخفض معدل الخصوبة إلى ما دون عتبة طفلين لكل امرأة، هذا المعدل الذي يضمن تجديد الأجيال. واليوم يبلغ هذا المعدل 1.3 طفل، والنتيجة المباشرة لهذا الوضع أن معدل المواليد في ألمانيا هو الآن الأدنى في العالم مع 8.28 أطفال لكل 1000 نسمة، كما أن عدد الوفيات في ألمانيا فاق عدد الولادات.

وخلافًا لبلدان مثل فرنسا، فإن ألمانيا لم تقم منذ فترة طويلة بسياسات لصالح العائلة. كما لم تكيّف البلاد بنيتها التحتية لتمكين المرأة من الجمع والتوفيق بين الشغل والأمومة. وقد حدث تقدم في الآونة الأخيرة، وتم إطلاق نقاش، لاسيما حول فتح المدرسة كامل اليوم.

وتقول الديموغرافية ميكايلا كرينفاد: “تم إصلاح سياسة الأسرة تمامًا في ألمانيا“. في عام 2013، تم سن قانون في ألمانيا يعطي الحق لكل وليّ في الحصول على مكان لطفله في الحضانة. وتم إحداث ما يقرب من 800 ألف مكان لتلبية الاحتياجات، وخاصة في الغرب وفي بافاريا.

وضاعفت حكومة ميركل الموازنة الاتحادية إلى مليار يورو لمساعدة المقاطعات الألمانية على بناء البنية التحتية اللازمة. وبشكل أعمق، هناك سبب آخر يفسر انخفاض معدل الخصوبة الألماني؛ حيث قال الباحث هنريك أوترواد: “هناك نفور من سياسات الولادة، والتي ترتبط بالدعاية النازية“.

كيف ستكون تركيبة المجتمع الألماني في منتصف القرن؟

العمر المتوقع عند الولادة يبلغ اليوم في ألمانيا 78.8 عامًا بالنسبة للرجل و83.4 عامًا بالنسبة للمرأة. وحين نجمع هذه الإحصائيات مع انخفاض معدل المواليد، فإن تركيبة المجتمع الألماني آخذة في التغير. منذ عام 2010، تجاوز عدد السكان البالغة أعمارهم أكثر من 65 عامًا أولئك الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا. ويمثل كبار السن اليوم في ألمانيا 21% من مجمل السكان، في حين تبلغ نسبة السكان الأقل من 20 عامًا 18%.

وستتسع الهوة؛ ففي عام 2050 ستبلغ نسبة الذين تفوق أعمارهم 65 عامًا نحو ثلث السكان، مقابل 15% لمن هم دون سن 20 عامًا، وفقًا لتوقعات الحكومة، وسينقلب هرم الأعمار. ومن المتوقع أن ينخفض عدد السكان النشطين إلى 40 مليون شخص في عام 2030، مقابل 42.6 مليون في عام 2015. ليبدأ النقاش في ألمانيا حول نقص العمالة الماهرة.

ولن تتأثر البلاد على قدم المساواة من هذه الظاهرة؛ ففي ألمانيا الشرقية سابقًا، يضاف إلى ظاهرة الشيخوخة نزوح الشباب الباحث عن العمل في المراكز الحضرية أو المناطق الأكثر ديناميكية. ومنذ عام 1990، فإن متوسط العمر في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة ازداد بنسبة 10 سنوات، في حين أنه قبل سقوط جدار برلين كان أقل قليلًا مما كان عليه في الغرب. وهو اليوم 47 عامًا في الشرق و44 عامًا في غرب ألمانيا. وتستعد المدن الألمانية لهذا التحول الذي سيؤثر على كل جوانب الحياة اليومية: الزيادة في عدد دور المسنين، البنية التحتية للنقل…

ما هو تأثير الشيخوخة على السياسة؟

ألمانيا “تتحجر”، هذا ما توقعه الباحثان الألمانيان ستيفان سيفيرت وراينر كلينكولز في مذكرة نشرت في عام 2010. فبعد أن كانت المحرك الاقتصادي لأوروبا؛ فإنه إن لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة آثار التراجع الديموغرافي، فإن ألمانيا على وشك أن تتوقف. وطبقًا لحسابات خبراء الاقتصاد هنريك أندرلاين وجان بيساني فيري في تقريرهما في ديسمبر كانون الأول، من المتوقع أن إمكانات النمو ستنحدر لتبلغ 0.3% سنويًا في عام 2050.

وتستند السياسة الاقتصادية التي تروج لها حكومة أنجيلا ميركل على هذا الإسقاط، فلم يعد بإمكان ألمانيا الاعتماد على النمو لمواجهة التحديات المقبلة. وهذا ما يفسر تعهد الحكومة اليوم من أجل خفض عبء الدين والتمسك بمبدأ ميزانية متوازنة، كما تؤكده وزارة المالية.

وستكون لشيخوخة السكان في ألمانيا تكلفة عالية. فسيتضاعف عدد الأشخاص الطالبين الدعم من مليونين إلى 4 ملايين نسمة. إلا أن المشكلة الرئيسة على المدى الطويل ستكون كيفية توفير المعاشات؛ حيث أضاف الخبيران الاقتصاديان: “اليوم في ألمانيا هناك حوالي 2.3 عامل لكل متقاعد، وبحلول عام 2060، سيكون هناك فقط 1.3 عامل لكل متقاعد“.

والإصلاح المتمثل في رفع سن التقاعد إلى 67 عامًا سيمكن المنظومة من تحقيق التوازن إلى حدود عام 2030، كما جاء في تقرير لمركز البحوث حول التحول الديموغرافي في روستوك، وسيكون الإنفاق على المعاشات التقاعدية بين 368 و380 مليار يورو.

وقال مارسيل فراتزشار، مدير مكتب الإحصاء الاتحادي: “مسألة التقاعد في سن 70 أمرٌ لا بد منه“. وفي هذا السياق، فإن إصلاح نظام التقاعد الذي سمح بأن يكون سن التقاعد بالنسبة للمهن الطويلة 63 عامًا، والذي صدر في عام 2013؛ لقي استنكارًا من قبل جميع الخبراء الألمان.

كما ستكون هناك آثار ثقافية نتيجة تزايد نسب الشيخوخة في ألمانيا؛ فيرى هنريك أوترواد أنه “بالنسبة للبلاد التي تشهد تراجعًا ديموغرافيًا، من المتوقع أن تكون هناك تغييرات في العقلية، وارتفاع في قيمة الادخار. مع انخفاض في ديناميكية الإنفاق“. ولكن، بالنسبة لهذا الباحث الألماني فإن “ألمانيا لن تكون بالضرورة أقل إبداعًا“؛ فالتغيير الديموغرافي سيكون وراء ابتكار احتياجات جديدة.

هل ستكون الهجرة هي الحل؟

أشار مكتب الإحصاء الاتحادي أنه بفضل توازن الهجرة الإيجابي فقد أبطأت ألمانيا بالفعل من النقص في عدد سكانها. فمنذ عام 2010، شهدت ألمانيا ارتفاعًا في عدد المهاجرين، وقد بلغ صافي الهجرة 428 ألف شخص خلال 2013. وهو تقريبًا عدد اليد العاملة التي يحتاجها الاقتصاد الألماني في كل عام جديد.

إلا أن وضع ألمانيا كقوة اقتصادية أوروبية حولها إلى دولة جاذبة بشكل خاص؛ فقد أصبحت الوجهة الثانية للمهاجرين في العالم بعد الولايات المتحدة. وتدعم الحكومة الألمانية ومجتمع الأعمال هذا التوجه، حتى إن أرباب العمل اقترحوا تعزيز وصول طالبي اللجوء إلى سوق الشغل. بالرغم من أن طالبي اللجوء ليس لديهم الحق في الشغل خلال الأشهر القليلة الأولى بعد وصولهم إلى ألمانيا. إلا أن هذا التغيير لن يمر من دون أن يتسبب في صعوبات؛ فقد أثار تدفق المهاجرين التيارات المعادية للأجانب والتي استعادت حيويتها أخيرًا في ألمانيا.

اخبار ذات صلة