فايس
عندما تبحث في جوجل بعبارة “اختبار الاكتئاب” فليس من المحتمل أن تعثر على الاختبار الذي يديره مهنيون في الرعاية الصحية حول العالم والذي يسمى “Beck Depression Inventory” ويعد المعيار الأدق لقياس شدة الاكتئاب، فبدلًا منه ستظهر لك نتائج البحث عددًا كبيرًا من المواقع غير الرسمية والتي تقدم لك عددًا لا نهائيًا من اختبارات الاكتئاب غير الدقيقة والتي لم يتم التحقق منها.
ويعتقد خبير الصحة النفسية وعلم النفس الدكتور روبرت إبشتاين، أن المعلومات الطبية على الإنترنت تعد مشكلة وورطة كبيرة؛ فيقول إن الإنترنت هو أكبر مصدر للمعلومات الخاطئة حول الصحة العقلية والنفسية، فيوجد به الآلاف من الفحوصات النفسية غير صحيحة وكارثية في بعض الأحيان، وقد غامر إبشتاين لتصحيح هذا عن طريق تطويره لاختبار نفسي سهل على الإنترنت مكون من 63 سؤالًا متاحًا بحرية على موقع doyouneedtherapy.com .
ويعد اختبار الدكتور روبرت واحدًا من الاختبارات القليلة المعتمدة على الإنترنت من إجمالي 3,400 اختبار غير طبي يظهر في نتائج البحث الأولية، فقد بينت دراسة سنة 2011 أن أكثر من 60% من نقرات المستخدمين تكون من نصيب أول 3 نتائج عند بحثك عن أي شيء على جوجل، كما أن 90% من النقرات تكون لصفحة البحث الأولى، فعدم النقر على صفحات البحث اللاحقة ليس بسبب الكسل فقط ولكنه بسبب الاعتقاد أن نتائج البحث الأولى هي الأصدق.
ويقول دكتور روبرت إن الناس يعتقدون أن كل ما يأتي أولًا في النتائج هو الأكثر مصداقية، ويعتقدون أيضًا أنه يوجد من يراقب كل ما يبث على الإنترنت ويقوم بتقييمه ويرشح الأفضل لهم في النتائج الأولية.
ويتابع: “بالنظر إلى الأشخاص الذين يبيحثون عن اختبارات صحة نفسية، فجوجل ليس المكان المناسب، فبعضهم يكون على وشك الانتحار وفي مرحلة متأخرة جدًا من الاكتئاب ويحتاج إلى المساعدة العاجلة، فنتائج الاختبارات غير المعتمدة لن تفيد بشيء وحتى الأشخاص الذين لم يصلوا بعد لهذه المرحلة المتأخرة لا يجب أن يقوموا بهذة الاختبارات غير المعتمدة”.
والإشكالية الأخرى هنا، هي أن الصفحات المعروض عليها هذه الاختبارات تعلن عن أدوية مشكوك فيها، وغير مصرح بها في بعض الأحيان، فمن الممكن أن تجعل المستخدمين يشعرون بتحسن لكن الكثير منها لم تصرح بها إدارة الأغذية والعقاقير أو حتى تم اختبارها من قبل أي جهة طبية وغالبًا ما تكون مصنوعة من مواد خطرة.
بالإضافة إلى المشكلات التي تواجه الأشخاص الذين يعتمدون اختبارات الصحة النفسية على الإنترنت والأدوية المشكوك فيها، فهناك مسألة أخرى أكثر خطورة وهي التشخيص؛ فوفقًا لجمعية الصحة النفسية في سان فرانسيسكو، فإن تشخيص الحالات في نهاية هذه الاختبارات أو على الإنترنت بشكل عام غير موضوعي وغير موثوق فيه.
الصحة العقلية والنفسية، ليست من علوم الصحة العامة، فأسباب اكتئابك أكثر تعقيدًا من أسباب شعورك بالألم في كتفك الأيسر وتستدعي الذهاب إلى الطبيب بشكل أسرع؛ فالأعراض النفسية وتشخيصها أصعب وأقوى من أن يتم وصفها على الإنترنت، بالتأكيد توجد مشاكل في تشخيص الأطباء بشكل عام ومن المحتمل أن تقع في مشكلة خطأ التشخيص مع أي دكتور، وعليك دائمًا التأكد من طبيعة حالتك من أكثر من دكتور؛ لأن العلم في تغيير مستمر، فعلى سبيل المثال منذ أكثر من 40 عامًا كان الأطباء يصنفون الشذوذ الجنسي على أنه اضطراب نفسي.
فالبحث على الإنترنت في أغلب الوقت يبالغ في التشخيص، فإذا شعرت بألم غريب في أي منطقة بجسمك وبحثت بأعراضك هذه على الإنترنت سيشخص حالتك على أنها ليست بالشيء البسيط؛ بل من الممكن أن يجعلك مريضًا بالسرطان.
وكمثال على ذلك في مجال الصحة العقلية، تقول Melodee Jarvis مدير جمعية الصحة النفسية في سان فرانسيسكو إنها تذكر أن شخصًا ما سمع أصواتًا في رأسه، وبحث بهذا على الإنترنت، وجاء التشخيص أنه مصاب بمرض انفصام الشخصية.
فالفصام هو مرض يلازم صاحبه مدى الحياة، ولا يمكن للمريض أن يتخلص منه وهذا ما يشعر من يعلمون بأنهم أصيبوا بهذا المرض بأن حياتهم قد انتهت، وتضيف Jarvis أن سماع أصوات في الدماغ من أعراض العديد من الأمراض.
وتقول Jarvis إنه مع ذلك، فإن العلاقة بين الإنترنت والصحة النفسية ليست كلها سيئة. فعلى سبيل المثال، يمكِّن الإنترنت المرضى من معرفة لمحة سريعة عن مرضهم قبل الذهاب إلى جلسة العلاج، لكن يجب وضع احتمال أن معلومات الإنترنت ليست مقدسة.
وبعبارة أخرى، فمعرفتك الكثير عن مرضك وحالتك ليست بالفكرة السيئة، فبأقل تقدير، يمكنك أن تقتصر على جلسة تمهيدية مع الطبيب يصل بك فيها إلى صلب الموضوع، كما إنها ستحميك من التشخيصات الخاطئة للأطباء غير الأكفاء.
كما إن الإنترنت يقدم معلومات أكثر حول الآثار الجانبية للأدوية، فيعطيك العديد من المعلومات من وجهة نظر مختلفة ويمكنك من الاطلاع على تجارب المستهلكين وتفاصيل تجاربهم مع الدواء، وهو ما يختلف عن المعلومات التي ستحصل عليها من الطبيب المختص الذي لن يعطيك صورة مفصلة عن هذا الدواء.
وبالإضافة إلى مساعدة المرضى في فهم طرق علاج مرضهم، يساعد الإنترنت أيضًا الناس على الاقتران والانضمام إلى مجموعات تعاني أو عانت في وقت سابق من نفس المرض؛ فالحديث مع الآخرين عن مرضك ومشاركتهم تجربتك شيء جيد يساعدك في رحلتك العلاجية ويحفزك على الشفاء.
لكن هذه الإيجابيات لا قيمة لها بالرجوع للمشكلة الأساسية، وهي اعتماد وثقة الناس في نتائج البحث على الإنترنت خاصة فيما يتعلق بصحتهم، فالمزيد والمزيد من الناس المصابين بأمراض ربما تكون بحاجة للتدخل الطبي السريع يوميًا يتحولون إلى الإنترنت على أمل أن نتائج البحث ستكشف لهم حقيقة مرضهم وطرق علاجه في بعض الأحيان، والمزيد والمزيد أيضًا من الأشخاص غير المختصين يبثون وينشرون كل دقيقة وثانية معلومات صحية ونفسية خاطئة وكارثية.