تقرير: جلوبال ريسيرش
بث التليفزيون الإسرائيلي مؤخرًا مقابلة على القناة الثانية الإسرائيلية مع مقاتل سوري جريح تم علاجه في إسرائيل بعدما تم إجلاؤه من موقع قتالي. وكما ذكرت أنا والكثير من الصحفيين الآخرين، فإن إسرائيل، على الرغم من ادعائها الكاذب بالوقوف على الحياد تجاه الحرب الأهلية؛ كثيرًا ما تدخلت في الصراع بالنيابة عن القوى المعارضة لبشار الأسد. وهي تفعل ذلك ليس لأنها تعارض بشار الأسد نفسه، بقدر ما تفعل ذلك بسبب أعدائها اللدودين، إيران وحزب الله، وهم أقوى حلفاء النظام.
وفي الجولان، أنشأت إسرائيل تحالفًا مع القوة الإسلامية التي تدعي زورًا أنها تبغضها بشدة وهي: جبهة النصرة. حيث قامت إسرائيل ببناء معسكر لإيواء المقاتلين وأسرهم على الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. كما تقوم بإجراء اجتماعات منتظمة مع القادة الإسلاميين وإمدادهم بالمعدات العسكرية وغيرها من الإمدادات الخطيرة. وكل هذه الأمور موثَّقة في تقارير الأمم المتحدة المكتوبة وبالصور التي التقطها الصحفييون والنشطاء على خط الهدنة (بين سوريا وإسرائيل).
وفي كتاباتي حول هذا الأمر، لم أقم فقط بانتقاد النفاق الإسرائيلي بالتحالف مع القوات التي تدعي أنها تقوم بتدمير الشرق الأوسط والعالم؛ بل أشرت إلى احتمالية أن يتحول حلفاء اليوم إلى أعداء الغد. وذكر ذلك أيضًا جاكي حوجي الصحفي بجريدة معاريف الإسرائيلية قائلًا:
يجب على القدس أن تسأل نفسها بعض الأسئلة الصعبة: هل يمكن لرهانها على الثوار أن يؤتي ثماره؟ أم هل يعتمد استقرار الحدود الشمالية على استمرار النظام؟ حيث ينطوي دعم هذه الجماعات الطائفية على الكثير من المخاطر. حيث تتقلب ولاءاتهم كما تتغير الشخصيات التي تقودهم. فمن يتعهد منهم بعدم العمل ضد إسرائيل اليوم، قد يغير جلده غدًا.
لقد تميزت السياسة الإسرائيلية على مدار العقود القليلة الماضية بسلسلة من الرهانات السيئة. وفي نهاية الثمانينيات، مكّنت حماس من الظهور من بين الجماعات الإسلامية في غزة. وقد فعلت ذلك في إطار افتراض خاطئ بأن هذه هي الطريقة المناسبة لإضعاف حركة فتح. وكنتيجة لذلك؛ خلقت (إسرائيل) حصان طروادة الخاص بها (داخل فلسطين).
وكذلك مع دخول جيش الدفاع الإسرائيلي إلى لبنان في عام 1982، تجاهلت إسرائيل الشيعة وأسرعت إلى التحالف مع أولئك الذين تراهم الفصيل الأقوى على الأرض: المسيحيون. وقد مهّد هذا الطريق لطهران لتوفير الحماية للمظلومين وتمكين صعود حزب الله.
وقد حدث أمر مشابه للغاية في أفغانستان، عندما كان المجاهدون في بادئ الأمر أصدقاءنا، ثم تحولوا إلى حركة طالبان وأصبحوا ألد أعدائنا.
تقرير لقناة الميادين المقربة من "حزب الله" اللبناني
وحتى الآن، لم يستهدف الإسلاميون السوريون إسرائيل بشكل متعمد. ومما لا شك فيه أن هذا يرجع إلى المساعدات التي تقدمها لهم إسرائيل في ساحة القتال. وعلاوة على ذلك، تعرف جبهة النصرة أن حزب الله هو المناوئ الرئيس لإسرائيل. بينما تواصل الميليشيا اللبنانية في هذا المسار وتصعّد هجماتها ضد القوات الإسرائيلية. ولا تسعى جبهة النصرة أو تحتاج إلى أن تتنافس مع حزب الله في هذا الصدد؛ بل تفضل أن تقتصر جهودها على الساحة السورية، على أن توسع جهودها لتهاجم إسرائيل نفسها.
ولكن في الآونة الأخيرة، صعدت جبهة النصرة هجماتها في جبهة سورية جديدة: الدروز الذين يسكنون هضبة الجولان. وقد أدى هذا الهجوم الجديد، الذي شمل تهديد العديد من القرى الدرزية، إلى وفاة 20 درزيًا قرويًا في الأسبوع الماضي. والدوز السوريون عمومًا مخلصون لنظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أن ديانتهم تعتبر طائفة من طوائف الإسلام؛ إلا أن الإسلاميين الأصوليين يعتبرونها هرطقة. ويعتقد الدروز الذين يتعرضون للتهديد أنهم وتقاليدهم الدينية القديمة واقعون في خطر كبير.
وهذا قد لا يعني الكثير بالنسبة لإسرائيل، ما عدا عامل تعقيد واحد: فعندما قامت إسرائيل بغزو الجولان في عام 1967، بدأت في احتلال الأراضي السورية السابقة التي احتوت على عشرات الآلاف من السوريين الدروز. وعلى الرغم من خط الهدنة الذي يفصل الدروز الموجودين في سوريا عن المناطق التي تحتلها إسرائيل؛ إلا أن كلا المجتمعين يتشابكان بشكل عميق. ولا يختلف هذ الأمر كثيرًا عن يهود الدياسبورا الذين نزحوا في عام 1967 قبل اندلاع الحرب. حيث احتشد الملايين حول العالم معبرين عن قلقهم تجاه مصير إسرائيل. والآن، يخشى الدروز الموجودون في الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل على مصير إخوانهم وأخواتهم.
وفي هذا السياق، كانت المقابلة التي ذكرتها أعلاه بمثابة صاعقة للطائفة الدرزية؛ حيث سأل المُقابِل المقاتل (الذي كان تابعًا للجيش السوري الحر):
المقابل: ماذا تفعل إذا أمسكت علويًا؟
هو: سأقتله
المقابل: وإذا أمسكت درزيًا؟
هو: حسب …
المقابل: وإذا أمسكت شيعيًا؟
هو: سوف أقتل الشيعي.
وهذه الإجابة لا تلقى صدى جيدًا بين الدروز. حيث يقعون بين هذا التوعد بالقتل الموجه إلى العلويين السوريين، وهم حلفاء الدروز العاديون، والادعاء المماطل بأنه قد يقتل أو لا يقتل الدرزي المقبوض عليه. هذا بالإضافة إلى خلفية مقتل 20 من الدروز قبل بضعة أيام. وقد كان هذا كافيًا لإثارة ثورة صغيرة بين الدروز في هضبة الجولان.
وتقوم إسرائيل بإجلاء المقاتلين الإسلاميين بانتظام (بالإضافة إلى بعض المدنيين) الذين يصابون في القتال ضد النظام في المنطقة. وقد اعترض الدروز المحليون الغاضبون سيارة إسعاف تابعة للجيش الإسرائيلي كانت تقل اثنان من المقاتلين المصابين (ويدعي الجيش الإسرائيلي بأنهم كانوا مدنيين) وقاموا بضرب المسعفين التابعون للجيش مما أجبرهم على الفرار. ثم قاموا بضرب أحد المصابين السوريين حتى الموت، وأصيب الآخر بجروح خطيرة قبل أن تتدخل السلطات وتقوم بإنقاذه.
بينما الجيش الإسرائيلي منزعج من هذا التعدي على حقه في التدخل في الشؤون الداخلية السورية دون مضايقة. وأطلق وزير الدفاع موشيه يعلون على عملية القتل اسم “لينش”، وهو رمز إسرائيلي يرمز إلى “الهمجية العربية” ويتم استخدامه للتفرقة بين السلوك الإسرائيلي، الذي يفترض أنه متحضر وإنساني، عن سلوك المسلحين الفلسطينيين.
وفي حالة قتل الجولان، يحاول جيش الدفاع الإسرائيلي أن يصور دروز الجولان على أنهم وحوش غير متحضرين، في حين أنهم في الحقيقة غاضبون بشكل مشروع من التحالف الإسرائيلي الجديد مع أعدائهم من جبهة النصرة. ويطالب الدروز الآن بأن تتدخل إسرائيل في الحرب الأهلية لإنقاذ إخوانهم الذين يتعرضون لهجمات جبهة النصرة. وهذا يعتبر نوعًا من المعضلة الاستراتيجية المعقدة للغاية التي تأتي من اللعب بالنار. فإذا واصلت إسرائيل “ترتيباتها” مع جبهة النصرة واستطاعت جبهة النصرة غزو القرى الدرزية السورية وفرض الإسلام الأصولي والقيام بعمليات قتل انتقامية وقطع للرؤوس؛ فإنها تخاطر بإشعال برميل من البارود داخل الجولان التي تحتلها. وإذا ما وقفت بجانب الدروز ضد تنظيم جبهة النصرة؛ فإنها تخاطر بما لها من نفوذ لدى القوة الوحيدة التي تعارض أعداء إسرائيل الأكثر خطورة، وهم حزب الله وإيران.
عندما تلعب بأعواد الثقاب، فسوف تصاب بالحريق.
التقرير يعبر عن وجهة نظر كاتبه