تراقب الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عن كثب تمدد تنظيم الدولة في كل منسوريا والعراق، ولا سيما بعد سيطرته على تدمر والرمادي، مما يجعل الخيارات أمامه مفتوحة باتجاه أجزاء أخرى من العراق وكردستان وسوريا وربما الأردن والسعودية.
فقد نجح في الآونة الأخيرة بمراكمة إنجازات جيوغرافية ذات أهمية كبيرة، وقد تؤدي هذه الإنجازات -وفقا للتقييم الإسرائيلي- لسيطرة التنظيم على مساحة واسعة من خلال تعزيز سيطرته شمال وشرق سوريا المتفككة.
الهجمات المضادة
بات واضحا وفقا لحديث مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعكوب عميدرور أن سيطرة تنظيم الدولة على محافظتي الرمادي وتدمر قد تشكل قاعدة لخطوات مستقبلية ذات أهمية أكبر، ويجب ألا نندهش إذا احتاج التنظيم في وقت ما لهضم المناطق الجديدة التي احتلها، وتعزيز السيطرة على باقي السكان، والاستعداد للهجمات المضادة للجيشين السوري والعراقي والقوات الشعبية المساعدة.
في العراق وسوريا -والأهم في الولايات المتحدة- يدرك صناع القرار أن مرحلة الهجمات المضادة من شأنها أن تكون حاسمة، فإذا نجح تنظيم الدولة في صد هذه الهجمات فمن الصعب رؤية ما سيوقفه في المستقبل، باستثناء تدخل أكبر من الجيش الأميركي، بما في ذلك وحدات برية كبيرة.
الإسرائيليون يدركون أن تنظيم الدولة إذا ما واصل الثقة بالنفس في الواقع الميداني الجديد فلا يمكن معرفة السرعة التي سيصل فيها، لأنه لن يمتنع عن العمل فترة طويلة، فهو يحتاج لمواصلة الحركة، ومتعطش لانتصارات أخرى، ويخاف الهدوء لأنه ما زال موجودا في مرحلة ديناميكية، وفترة الزخم، وهناك عدة إمكانيات عمل أمامه.
لكن المثير أن الدوائر الأمنية الإسرائيلية وهي تواصل رؤيتها للتقدم الذي يحققه تنظيم الدولة في سوريا والعراق خلال الأيام والأسابيع الماضية لم تحدث تغييرا في تقييماتها التي تشير إلى أن التنظيم لا يشكل في المرحلة الراهنة تهديدا عسكريا لإسرائيل رغم أن تمدده يشكل على المدى البعيد تحديا إستراتيجيا لها ولدول المنطقة بأسرها، وهي تتابع عن كثب التطورات في الجانب الآخر من الحدود: في سوريا ومصر ولبنان والأردن، خاصة في ما يتعلق بالأوضاع العسكرية.
ولعل ذلك ما دفع المستشرق الإسرائيلي كوبي ميخائيل للقول إن دخول تنظيم الدولة مناطق واسعة في العراق يعتبر نقطة تحول إستراتيجية، لأن احتلال الرمادي وتوسيع المناطق التي يسيطر عليها التنظيم قد يشكلان نجاحا عسكريا ومعنويا، ومن شأنهما نفخ رياح التشجيع في أشرعة سلطة شبه الدولة المضطرة للتعامل مع عمليات القصف الجوي لقوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة.
لكن هذه السيطرة في الوقت ذاته قد تعتبر علامة ضعف تجعل من التنظيم أكثر تعرضا للإصابة بالهجمات الأميركية بعد أن أكمل سيطرته على مدن مهمة في سوريا والعراق، ووضع يده على معسكرات ومخازن للجيشين السوري والعراقي اللذين انسحبا أمامه.
وبجانب إدراك هذا الإنجاز تظهر هناك إمكانية أن تنظيم الدولة قد يجد نفسه في وضع تجاوز فيه ذروة النجاح، كأن يتحول هذا النصر الأخير إلى عنصر يسرع بالقوات الإقليمية والدولية لزيادة فعاليتها، والعمل ضده بقوة أكبر، لأن البواكير الأولى المهمة في هذا السياق شاهدها الإسرائيليون في عملية “قوة دلتا” الأميركية التي خلالها تمت تصفية أبو سياف في سوريا، المسؤول المالي للتنظيم.
يعتقد الإسرائيليون أن نجاح تنظيم الدولة في هزيمة الجيش العراقي تحديدا سيدفع الولايات المتحدة لإعداد قوات عسكرية جديدة، وتسليح الجيش العراقي، وستضطر لزيادة جهودها الحربية سواء بعمليات برية، أو بقوات وعمليات خاصة، أو في حث باقي الشركاء الإقليميين والدوليين على القيام بشيء من ذلك.
الإنجاز الموضعي
النقطة التي تراقبها إسرائيل بكثير من الحذر والقلق، وترتبط ارتباطا وثيقا بتمدد تنظيم الدولة متعلقة بالعودة “الاضطرارية” للجيش الأميركي إلى المنطقة العربية، وتنقل السفارة الإسرائيلية في واشنطن تقارير سرية وعلنية عما يجري في الولايات المتحدة من حوارات حذرة بدأت تتحدث عن الضعف الإستراتيجي الأميركي في الساحتين العراقية والسورية.
من النظرة العسكرية البحتة يتحدث الخبير العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل عن أن احتلال الرمادي من تنظيم الدولة لا يعكس بالضرورة أكثر من إنجاز موضعي رغم أن المدينة تقع على مسافة 110 كيلومترات عن بغداد، ولكنه يفسح المجال لعدة توقعات مفزعة بشأن استمرار تقدم التنظيم.
وأرجع نجاح التنظيم لذات الأسباب التي من أجلها حظي بسلسلة انتصارات مهمة الصيف الماضي: استغلال ميزة المفاجأة مقابل القتال غير المنظم الذي أظهره الجيش العراقي والمليشيات الشيعية، وقدرة حراك عالية، واستعداد استثنائي للتضحية برجاله في خطوات خطيرة بهدف مراكمة ذخائر برية.
ورغم الدعم الذي حظيت به حكومة بغداد من الولايات المتحدة مع القصف الجوي فإنها لم تتمكن من تحقيق الهجوم المضاد الذي أعلنت عنه في الأنبار، وتراجعت باقي وحداتها من عاصمة المحافظة.
وكما سبق أن تبين على مدى السنة الأخيرة يصطدم تنظيم الدولة غير مرة بالمصاعب في الاحتفاظ بالذخائر بعد انتقالها لسيطرته، مما يعني أن ثمة فارقا بين الهجوم لاحتلال الهدف، وبين الاحتفاظ به على مدى من الزمن.
ولذلك تناقل ضباط إسرائيليون كبار تسريبات لنظرائهم الأميركيين في البنتاغون حين يتساءلون بين الحين والآخر عن نجاح المعركة التي تديرها واشنطن بمساعدة دول عربية ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، ويحافظون منذ زمن على التفاؤل الحذر، لأن الجهد الحربي ضد التنظيم يحقق نجاحا في احتواء خطواته الهجومية، وأحيانا في قضم بعض من الأراضي التي تحت سيطرته، وفي المس المنهجي بكبار مسؤوليه.
وهو ما دفع المتخصص الإسرائيلي في الشؤون العربية تسفي بارئيل للتأكيد على أن طريق تنظيم الدولة إلى بغداد ما زال طويلا، لأنها مهمة مختلفة عن احتلال الرمادي أو الموصل.
وقد تبين من هاتين المعركتين أن الجيش العراقي لا يجيد إدارة الحرب أمام القوات المتحركة والسريعة لتنظيم الدولة، فالرحلة العادية قد تقطع مسافة الـ126 كيلومترا الفاصلة بين بغداد والرمادي في أقل من ساعة ونصف، وسفر ست ساعات إضافية للغرب ستوصل المسافر من الرمادي إلى المعبر الحدودي بين العراق والأردن.
الخوف على الأردن
هناك يتصاعد القلق الإسرائيلي يوما بعد يوم من التقديرات القائلة باقتراب تنظيم الدولة من الحدود الأردنية، مما دفع الجيش الأردني لاستخدام وسائل خاصة على طول الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا كي يتابع كل حركة لقوات التنظيم، ومؤخرا طلب من الولايات المتحدة تزويده بطائرات قتالية بدون طيار كي يتمكن من متابعة تحركات التنظيم من الجو، ويحبط محاولات اقترابه من حدوده شرقا، فيما عرضت إسرائيل رسميا على الأردن المساعدة في مواجهة التنظيم.
ووفقا لما ذكره وزير شؤون الاستخبارات السابق يوفال شتاينتس، فإنه إذا واجه الأردن خطرا حقيقيا بسبب زحف تنظيم الدولة إلى أراضيه وطلب أي مساعدة فستهب إسرائيل لمساعدته دون تردد، لأن التنظيم خطر على المنطقة كلها، وليس فقط على إسرائيل.
هذا التصريح وغيره يشير إلى قلق في إسرائيل من خطر قد يشكله تنظيم الدولة من جهة الأردن، ومع تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد التنظيم ارتفع منسوب القلق في إسرائيل، لأنه على خلفية برنامج العمليات الجديدة للحكومة الأميركية ضد التنظيم يمكن أن يتزعزع الاستقرار في الأردن، وهذا يعني خلق توتر أمني حقيقي على حدود إسرائيل.
وفي ضوء أن إسرائيل تستعد لمثل هذه الاحتمالات، لكنها ترفض الإعلان أنها تنوي العمل مع الأردن لمواجهة مثل هذا الاحتمال الآن، أو في حال وقوعه، وغير معروف إذا كانت تملك معلومات حقيقية حول إمكانية أن يهدد التنظيم أمن الأردن، لكن من الواضح أن هناك قرارا إسرائيليا واضحا بعدم السماح بسقوط الأردن تحت ضربات تنظيم الدولة.
هذه التصريحات الإسرائيلية تثير تساؤلات في تل أبيب عما إذا كان الأردن قادرا على مجابهة تنظيم الدولة بمفرده رغم أن الأردن قوي بما يكفي كما ترى إسرائيل، ومع بعض الدعم الأميركي سيقدر على مجابهة من يدقون أبوابه.
من المهم التذكير بأن إسرائيل لم تنخرط -حتى اليوم- في أي عمل عسكري مباشر ضد تنظيم الدولة، لكنها اكتفت بتزويد الولايات المتحدة بصور أقمار صناعية، وتعلن أنها لن تشارك في الحرب الفعلية ضد التنظيم، لأنها تعلم أن مشاركتها قد تضر بالتحالف الدولي، وتظهر الصراع ضد التنظيم وكأنه يخدم تل أبيب.
ومن الملفت ما أعلنه رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق (أمان) عاموس يادلين من أن إسرائيل ليست في قلق حقيقي من تمدد تنظيم الدولة في المنطقة، فالتنظيم خلافا لحماس -المتواجدة عند حدود إسرائيل-لا توجد لديه أنفاق ولا قدرات مدفعية، وليست لديه القدرة على المس إستراتيجيا بإسرائيل، وليس لديه حلفاء يزودونه بالسلاح المتطور، وتهديده لإسرائيل كمنظمة جهاد عالمي لا يختلف جوهريا عن تهديد تنظيم القاعدة الذي تتعايش إسرائيل معه منذ أكثر من عقد.
أخيرا، يعتقد الإسرائيليون أنه في حال حول تنظيم الدولة جهوده من العراق وسوريا إلى إسرائيل فسيتحول فريسة للاستخبارات الإسرائيلية، وطائرات سلاح الجو، والسلاح الدقيق الذي بحوزة القوات البرية، وفي هذه الأثناء فإن تنظيم الدولة منشغل بعدد غير نهائي من الأعداء، وبعضهم يقف حاجزا بينه وبين إسرائيل، مثل جيوش العراق والأردن ولبنان، وعدوه اللدود حزب الله.