رغم التقنية الحديثة، وثورة الاتصالات، ومواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج المحادثة المجانية، والترجمات التي أتاحتها المواقع دون مقابل، لا تزال الشعوب الغربية تجهل الكثير عن الإسلام، وحق المسلمين في ممارسة شعائرهم التعبدية، مثل غيرهم من أصحاب الأديان، ولا يُنكر أن هناك جهودًا تُبذل من قبل مؤسسات وهيئات ومراكز وجمعيات إسلامية في الغرب، للتعريف بالإسلام، ولكنها محدودة وتنقصها الإمكانات، والعمل المؤسسي الذي يجمع الهيئات العاملة في المجال الدعوي؛ ففتح المساجد لتعريف غير المسلمين ببيوت الله لاقى اهتمامًا في ألمانيا وفرنسا والتي نفذتها بعض المراكز الإسلامية، وترجمة معاني القرآن الكريم بلغات عالمية لها دورها، ولكن كيف يتم توزيعها على من يطلبها من غير المسلمين، كذلك قضايا الذبح الحلال، والأضحية، وشعائر الحج، والتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، كلها قضايا تحتاج إلى تضافر الجهود من المسلمين خاصة الذين يعيشون في مجتمعات غير إسلامية لتعريف غير المسلمين بها.
وفي النمسا، وتحت عنوان “اسألني لماذا أنت صائم”، تنظم مجموعة من الشباب المسلم بالعاصمة فيينا، يوميًا خلال شهر رمضان، خيمة رمضانية للتعريف بالشهر الكريم، وفريضة الصيام؛ وتشمل الخيمة مائدة تحتوي على معلومات باللغة الألمانية عن الصيام، وفضل الشهر المبارك من وجهة النظر الإسلامية، وتسعى للإجابة عن كل الاستفسارات التي تدور بذهن الأوروبيين وتصحيح المفاهيم لديهم عن هذا الشهر.
كما تضم المائدة المنظمة تقارير علمية وصحية حول فوائد الصيام، إضافة إلى “فانوس كبير” يزين الخيمة في المساء، ويقدم منظمو الفعالية الرمضانية بعض المأكولات والحلوى والتمر لضيوف الخيمة، التي نصبت بميدان كنيسة شتيافنز دوم بالمنطقة السياحية في فيينا.
وقال المسؤول بجمعية الشباب المصري النمساوي المنظمة للخيمة، رامي السيد: “إن هذا النشاط يأتي في إطار الحرص على الاندماج مع المجتمع النمساوي؛ باعتبار أن الإسلام جزء من النمسا وأوروبا، وعلينا تعريف الأوروبيين بشهر رمضان والصيام وزكاة الفطر”.
وأوضح أن “الأوربيين عامة ينظرون إلى الصيام من الجانب المادي فقط؛ حيث يعربون عن دهشتهم أن يظل المسلم بدون طعام وشراب قرابة 19 ساعة متواصلة دون أن يتعرض لأي متاعب صحية”، وأشار أن “مهمتنا الإجابة عن كافة الاستفسارات التي يوجهونها، وتوضيح الجانب الروحي كأهم فائدة من الصيام وتربية النفس وتهذيبها والإحساس والشعور بجوع الفقير، فضلًا عن السلام مع النفس وتعزيز العلاقة بين المسلم وأخيه الإنسان”.
واختتم المسؤول بجمعية الشباب المصري حديثه بأن “الهدف في المقام الأول من الخيمة هو تمرير معلومات مباشرة لهؤلاء المهتمين، وكذلك أولئك الذين لديهم بعض القلق بنفس القدر، سواء من السكان المحليين أو السياح”.
“الخيمة الرمضانية” فكرة بسيطة ومبدعة للتعريف برمضان والدين الإسلامي، وكان المطلوب أن تتضافر جهود الجمعيات والمراكز الإسلامية لتعميم التجربة؛ فتعداد المسلمين طبقًا لإحصاءات سنة 2010 ما بين 400 ألف و500 ألف نسمة، أي ما يشكل 6% من عدد السكان، وفقًا لدراسة أجرتها الجمعية النمساوية للتفاهم الدولي يعتبر الإسلام ثاني أكبر مجموعة دينية بعد المجموعة المسيحية البروتستانتية في سنة 2010، ومعظم المسلمين في النمسا هاجروا إليها اعتبارًا من الستينيات، وأغلبهم كانوا من البوسنة والهرسك وتركيا وصربيا. كما أنه يوجد مسلمون عرب وباكستان.
ويتمركز المسلمون في غرب ولاية فورآرلبرغ؛ حيث توجد القرى الصناعية بنسبة 8.36%، تليها العاصمة فيينا بنسبة 7.82%. معدل المسلمين في ولايات سالزبورغ والنمسا العليا وتيرول والنمسا السفلى متوسط، بينما معدل المسلمين في ولايات شتايرمارك وكيرنتن وبورغنلاند أقل من النسبة العامة.
وتفردت النمسا عن باقي دول أوروبا الغربية بالاعتراف بالطائفة الإسلامية، هذا الأمر يعود عندما ضمت الإمبراطورية النمساوية المجرية البوسنة والهرسك في سنة 1878. وتنظم النمسا أحكام المجتمع المسلم بقانون فعل الاعتراف، وتم إيقاف تنفيذ هذا القانون حتى سنة 1979 عندما تأسست جماعة المؤمنين الإسلامية؛ حيث تمت إعادة تفعيل القانون، وقامت الجماعة بالإشراف على إعطاء الدروس الدينية في المدارس الحكومية، كما يسمح للجماعة بجمع ضريبة الكنيسة ولكنها لم تقم بهذا الفعل، كذلك لم تقم لتمويل أو بناء أو إدارة المساجد في النمسا.
وأقر البرلمان النمساوي قانونًا ينظم سبل التعامل مع الإسلام، واختص الأقلية المسلمة بمعاملة لا تنطبق على أي من الجماعات الدينية الأخرى، ويحظر القانون الجديد أي تمويل أجنبي للمنظمات الإسلامية، ويقضي بأن تقدم وأن تستخدم أي جماعة تزعم أنها تمثل مسلمي النمسا ترجمة ألمانية للقرآن، وقال وزير الخارجية سيباستيان كورز وهو أكثر السياسيين شعبية بالنمسا: “نريد إسلامًا على الطريقة النمساوية، وليس إسلامًا تهيمن عليه دول أجنبية”.