تقرير: محمد الشريف
تجري “إسرائيل” والأردن منذ عدة شهور، اتصالات لفتح المسجد الأقصى أمام دخول الزوار غير المسلمين، وذلك بعد 15 عامًا من إغلاقه في وجههم.
ويتيح الوضع الحالي لليهود والمسيحيين الدخول إلى باحات الأقصى لكنه لا يسمح بدخولهم إلى المباني الأساسية، المسجد الأقصى وقبة الصخرة. لكن مصدرًا في ديوان رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” نفى النبأ وقال إنه “لا تجري مفاوضات ولا تغيير في الوضع الراهن في الحرم القدسي“.
وعلمت “هآرتس” أن الاتصالات بين الجانبين بدأت في تشرين الثاني الماضي، بعد استجابة “نتنياهو” لطلب وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري”، إجراء لقاء ثلاثي مع العاهل الأردني على خلفية ازدياد التوتر في المدينة المقدسة.
لكنه رغم تقدم الاتصالات، إلا أنها واجهت مصاعب كبيرة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حتى اليوم.
وطالب الأردن بمنع دخول الجنود بالزي العسكري إلى داخل المساجد وكذلك منع اليهود المتدينين الذين يمكنهم استغلال الزيارة لأداء الصلوات داخل المساجد. ولكن “إسرائيل” رفضت هذا الطلب، وفي وقت لاحق وافق الأردن على إلغاء المنع الجارف لدخول المتدينين اليهود مقابل إنشاء آلية تنسيق تمنع دخول المستفزين إلى المساجد.
وتؤمن “إسرائيل” أنه إذا أسفرت الاتصالات عن تحقيق اتفاق، فإن كل الأطراف ستربح من ذلك. فباستثناء اليهود والسياح الذين سيتمكنون من العودة لزيارة المساجد، سيتم تجديد التنسيق الأمني الكامل بين “إسرائيل” وصندوق الوقف والأردن، والذي ينحصر حاليًا في المسائل المتعلقة بعمل الشرطة وبشكل جزئي بعمليات الحفر الأثرية. وسيستعيد الملك الأردني مسؤولية الأردن عن الحرم ويحظى بالتفوق في صراعه ضد الجهات الإسلامية في بلاده. كما أن فتح أبواب المساجد أمام الزوار لقاء مقابل مادي، سيغذي صندوق الوقف الإسلامي ويزيد من مصلحته في الحفاظ على الهدوء في المكان.
وتم الكشف عن جزء من هذه الاتصالات في إطار التقرير الذي نشرته مجموعة “الأزمة الدولية” وهي جهة غير حكومية مقرها في بروكسل. وقد التقى معدو التقرير مع العديد من صناع القرار في “إسرائيل” والأردن والسلطة الفلسطينية، وحسب استنتاجاتهم فإن من شأن خطوة كهذه أن تحقق الهدوء في القدس لكنهم يقدرون أن التغييرات السياسية في “إسرائيل” قد تصعب على خطوة كهذه.
ما قبل انتفاضة الأقصى
يشار إلى أنه حتى العام 2000، كان يمكن لكل زائر شراء بطاقة دخول من الوقف وزيارة المسجدين، لكنه في أيلول من ذلك العام، وفي أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى بعد زيارة رئيس وزراء الاحتلال الأسبق ” “أريئيل شارون” إلى الأقصى تم وقف التنسيق بين “إسرائيل” والوقف الإسلامي، ومنع طوال السنوات الثلاث التالية دخول اليهود والسياح إلى باحاته.
وفي آب 2003 طرأ التغيير حين قرر وزير الحرب الإسرائيلي ورغم معارضة الوقف والأردن، فتح أبواب الأقصى أمام اليهود والسياح، ولكنه منعهم من دخول المساجد. ومنذ ذلك الوقت تجري الزيارات رغم موقف الوقف المعارض، وتحدث مواجهات غير متناهية بين الزوار اليهود الذين يرتبط غالبيتهم بحركة أمناء الهيكل المتطرفة وبين المصلين والمرابطين الفلسطينيين.
في السنوات الأخيرة يدخل إلى الأقصى سنويًا حوالي عشرة ملايين مسلم وقرابة 300 ألف سائح و11 ألف يهودي متشدد. وقبل سنة، وعلى خلفية موجة المواجهات التي اندلعت في مناطق شرقي القدس والحرب العدوانية الأخيرة على غزة الصيف الماضي ازداد الوضع الأمني تدهورًا في الأقصى، وفي عدة حالات هاجم غاضبون فلسطينيون المجموعات اليهودية وقوات الشرطة بالحجارة والمفرقعات النارية، وأصيب العشرات جراء المواجهات واستخدام قوات الأمن لأسلحة تفريق التظاهرات. ويؤمن الجهاز الأمني بأن الأحداث في الأقصى ساهمت كثيرًا في ازدياد المواجهات في مناطق شرقي القدس وفي الضفة عامة.
ومن بين الوسائل التي استخدمتها سلطات الاحتلال في محاولة لقمع المواجهات في الأقصى كان تقييد جيل المصلين المسلمين الذين يسمح بدخولهم إليه، ومنع الشبان دون سن الثلاثين بشكل خاص من الدخول.
ويرى معدو التقرير أنه تم اعتبار سياسة تقييد دخول المصلين بمثابة عقاب جماعي في أفضل الأحوال، وفي أسوأ مرحلة أولى لتغيير الوضع الراهن في الأقصى والتمهيد للسماح لليهود بالصلاة فيه، بل وتقسيم ساعات الصلاة بينهم وبين المسلمين، كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وتعزز هذا المفهوم نتيجة تصريحات السياسيين ونشطاء الهيكل الذين يطالبون بتغيير الوضع الراهن. وهكذا كلما ازداد فرض القيود على دخول الأقصى كلما اتسع عدد الأحداث العنيفة.
خلال اللقاء الثلاثي الذي جرى بين “نتنياهو” و”كيري” والملك عبدالله في الأردن في تشرين الثاني 2014، تم الاتفاق على خطوات لم يتم نشرها، لكنه يلاحظ منذ ذلك الوقت قيام سلطات الاحتلال ببذل جهود لتقليص التوتر في الأقصى.
تخفيف القيود الإسرائيلية في الأقصى
تم تقريبًا وقف القيود التي تفرضها شرطة الاحتلال على دخول المصلين، وتم تقليص مجموعات الزوار اليهود، بحيث لا يزيد عدد المشاركين في كل زيارة عن 15 شخصًا، بل تم تشديد الفحص الأمني عليهم.
ويتكهن معدو التقرير بأن هذا الإجراء تم وفق الطلب الأردني، كما أمر “نتنياهو” بعد ذلك اللقاء النواب والوزراء بالامتناع عن زيارة الأقصى وباستثناء زيارات منفردة كان يقوم بها النائب السابق المتطرف “موشيه فايغلين”، فقد التزم النواب بالأمر.
وسواء كان للأمر صلة أم لا، فقد تقلص في الآونة الأخيرة الحديث عن تغيير الوضع الراهن في الأقصى ، وفق ما تقول “هآرتس” ولوحظ أن “ميري ريغف” التي كانت في الكنيست السابقة قد وضعت موضوع دخول اليهود الى الأقصى على رأس جدول أعمالها كرئيسة للجنة الداخلية، تمتنع منذ تعيينها وزيرة في الحكومة الحالية عن إطلاق تصريحات في هذا الموضوع. وأما خليفتها في رئاسة لجنة الداخلية دافيد مسلم (ليكود) فقد أوقف قبل أسبوعين نقاشًا حول الموضوع بعد عشر دقائق من بدئه بادعاء أنه يسبب تأجيج النفوس. ولم يتم انتخاب موشيه فايغلين للكنيست الحالية، علمًا بأنه انشغل كثيرًا في هذا الموضوع خلال عضويته في الكنيست السابقة.
وجاء في التقرير على لسان أحد مستشاري “نتنياهو” قوله إن “بعض المستفزين تم لفظهم خارج السياسية فيما تم تعيين الآخرين في مناصب وزارية ساهمت في كبحهم“. في المقابل تبذل سلطات الاحتلال جهدًا كبيرًا لمنع الناشط الرئيس في حركة الهيكل يهودا غليك من دخول الحرم، علمًا بأن محاولة اغتياله في تشرين الأول 2014 أوصلت التوتر في الحرم إلى قمته. وتم تقديم دعوى ضد غليك بتهمة دفع امرأة مسلمة في الأقصى ومنذ ذلك الوقت يمنع دخوله إلى المكان.
وأضاف: “بعد صيف مليء بالتحديات فإن الوضع الآن أكثر هدوءًا، وهذا يعكس كون الطرفان يجيدان العمل بشكل مسؤول“. وحسب أقواله فإن “الشعور السائد هو تحقيق إنجاز مستديم، وقد حققنا ذلك رغم المستفزين في الجانبين“.
وعلى هذه الخلفية تتواصل الاتصالات في سبيل التوصل إلى اتفاق حول الزيارة إلى الأقصى والمساجد كما كان الوضع قبل عام 2000. ويعتقد مسؤول رفيع في القصر الملكي الأردني أن الاتصالات يمكنها أن تثمر عن انجاز داخلي كبير لأنها تعني اعترافًا إسرائيليًا بسيادة الملك على المسجد الأقصى. ويؤمنون في القصر الملكي بأن التعرض للأقصى يمكنه أن يقود إلى اضطراب في المملكة يهدد العرش الملكي.
وأضاف مصدر في القصر الملكي في تصريح لمجموعة الأزمة: “لقد نجحنا بامتصاص الربيع العربي تقريبًا بدون مظاهرات يزيد عدد المشاركين فيها عن 800 شخص، لكن التصعيد في الحرم يمكنه أن يخرج إلى الشوارع 80 ألف شخص“.
وفي هذه الأثناء، ورغم الخلافات بين الجانبين إلا أن الاتصالات تتواصل بين “إسرائيل” والأردن حتى بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ونتائجها.
توصيات التقرير
ولكنه حسب التقرير فإن إمكانية نجاح نتنياهو بتنفيذ خطوة تمنح صلاحيات معينة للأردن في الأقصى محدودة، خاصة أن “الانتخابات الأخيرة في أذار 2015، أوصلت المقربين من أنصار الهيكل إلى الائتلاف الحكومي، وهذه المرة كوزراء. ولذلك يمكن القول بشكل أوسع، أن اليمين المتدين في إسرائيل عامة، وأنصار الهيكل، خاصة، باتوا مستعدين اليوم أكثر من السابق لتقبل فرض قيود على دخول اليهود إلى الحرم والصلاة فيه“. وفق التقرير
ويوصي معدو التقرير حكومة الاحتلال بعدم العودة إلى سياسة تقييد دخول المصلين المسلمين كخطوة عقابية، وكذلك يوصي الطرفان بمحاولة دفع اتفاق على فتح المساجد أمام الزوار والتوصل إلى تفاهمات بشأن الجهات المستفزة التي يجب منع دخولها إلى الأقصى.
كما يوصي التقرير “إسرائيل” بمواصلة منع اليهود من الصلاة في الأقصى بسبب تفجر الموضوع، بل ومنع نشطاء الهيكل من نشر صور وأفلام لهم وهم يصلون سرًا في الأقصى ، بسبب ردود الفعل على مثل هذا النشر.
لكن التقرير لا يستبعد أن يتم في المستقبل التوصل إلى اتفاق يسمح بصلاة اليهود وغير المسلمين في المكان، شريطة أن يتم ذلك في إطار اتفاق سياسي يُعرف مكانة الأماكن المقدسة بين الأردن والبحر، ويوصون بفتح حوار بين الأديان في هذا الشأن.