شمس نيوز / عبدالله عبيد
"أكوام ركام" هي الصورة التي رسمها في ذاكرته الطفل خالد صبح ( 12 عاماً) من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، بعد أن هدمت الطائرات الحربية الإسرائيلية الحي الذي يقطنه، بما فيه منزله الصغير الذي كان يؤويه وأسرته المكونة من 7 أفراد.
يذهب خالد كل يوم إلى مكان منزله المدمر يلعب مع أشقائه فوق الركام، ويطلق طائرته الورقية التي صنعها بيده مزينة بألوان علم فلسطين، يحاول أن يسترجع بعض ذكريات أيامه الجميلة في هذا المنزل، لكن دون جدوى، ليقول في حديثه لمراسل "شمس نيوز" الذي تجول في أرجاء الحي: كل يوم آتي أنا وإخواني لنلعب مكان دارنا، بس ما في إشي ضايل نلعب فيه، كله راح مع الدار".
حتى وإن لم يكن هذا الطفل واعياً على ما يحدث من حروب ودمار وتشريد، إلا أن فقدانه للمأوى الذي يعتبر من المتطلبات الأساسية للإنسان، قد عز كثيراً عليه، كيف لا وهو قد تربى في منزل كان يجمعه بأسرته على مائدة واحدة وفراش واحد وسهرة عائلية واحدة، ليضيف: انا وأبوي واثنين من اخواتي عايشين عند عمي، وأمي واخواني الباقيين عايشين عند دار سيدي "أهل أمه"، وبنروح نشوفها كل يومين أو ثلاثة".
هذه قصة من آلاف القصص التي تحاكي الواقع المرير بقطاع غزة، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي دمرت الأخضر واليابس، وجعلت المعاناة مرسومة على ملامح كل وجه من وجوه أبناء القطاع الساحلي الصغير.
وشنت إسرائيل الصيف الماضي حربا دامية على قطاع غزة، استمرت خمسين يوما خلفت أكثر من 2200 شهيد فلسطيني غالبيتهم من المدنيين و73 قتيلا في الجانب الإسرائيلي معظمهم من الجنود.
الأمل مفقود
من أمام منزله المدمر بشكل كامل في منطقة المغازي وسط القطاع، يجلس الحاج أبو خميس راجي (56 عاماً)، كل يوم وقت العصر ليجمع ذكرياته الجميلة في البيت الذي عمل ليل نهار لتعميره، وكأن هموم الأرض فوق كتفيه؛ فتعابير وجهه كفيلة بأن تحدثنا عما يجول في داخله من أحزان.
راجي وفي حديثه لـ"شمس نيوز" أكد أنه تعب كثيراً وعمل ليل نهار عندما قام ببناء طابقين في منزله، الذي أصبح كومة ركام بلمح البصر، على حد تعبيره، ليشير إلى أنه الآن يعيش وأسرته في أحد المخازن وبالإيجار.
وينتظر الحاج خميس كما غيره المئات، البدء بعملية اعمار البيوت التي هدمها الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأخيرة، مستدركاً: لكن في ظل وضعنا إللي احنا عايشينه وبالمشاكل بتصير بين فتح وحماس، ما أظن يتعمر أي اشي انهدم"، بحسب قوله.
يُذكر أن الاحتلال الإسرائيلي دمر خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة نحو تسعة آلاف منزل بشكل كامل وثمانية آلاف بشكل جزئي، وفق إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
متى الإعمار؟
وتتساءل المواطنة آمنة أحمد (52 عاماً) من بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس، " وقتيش بدهم يرجعولنا بيتنا زي ما كان، ووقتيش راح نعيش مرتاحين البال، بدل المرمطة إللي عايشينها".
المواطنة آمنة ترعى سبعة من أفراد أسرتها بعد موت زوجها عام 2013، حيث تعيش كما العشرات في "كرفانات" إثر هدم الاحتلال الإسرائيلي منزلها بالكامل، إلا أنها تشير في حديثها لـ"شمس نيوز" إلى أن معاناتها وأبنائها في ظل سكنهم بالكرفانات.
وكان وكيل وزارة الأشغال، م. ناجي سرحان أكد أن البناء الفعلي للمنازل المدمرة في القطاع سيبدأ بعد عيد الفطر المقبل، منوهًا إلى أن الوزارة تعمل على إرسال كشوفات المواطنين ممن جهزوا خرائط لمنازلهم، إلى الاحتلال لتأتي الموافقة عليها.
وكشف سرحان في تصريحات صحفية له عن وجود موافقة إسرائيلية مبدئية حول الدفعة الأولى التي قدمتها وزارة الأشغال لأسماء المتضررين المزمع إعادة بناء بيوتهم المدمرة كليًا، موضحًا أن الدفعة الأولى تشمل 600 اسم.
ويعيش أهالي قطاع غزة في حالة يأس جماعي، حيث تتشابه ملامح الأسى على وجوه مواطني هذه المدينة الساحلية الصغيرة المحاصرة، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة التي دمرت الأخضر واليابس، دون النظر إلى حال أهلها المشردين، سواء من السلطة أو الحكومة الفلسطينية، أو من خلال المجتمع المدني.