من المقرر عمل جزء ثانٍ من فيلم “Top Gun” بهدف استكشاف تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، فهل يكون الأخير في سلسلة من الأفلام التي تُحسّن صورة الجيش الأمريكي؟
محبو أفلام الثمانينيات -وهم عدد ضخم بلا شك- سيحتفلون بالأخبار القادمة من هوليوود هذا الأسبوع عن تصوير الجزء الثاني من فيلم الأكشن والدراما الأمريكي Top Gun.
بالطبع، الجميع يحب هذا الفيلم الرائع والمليء بالإثارة، والموسيقى المبدعة، والأعمال الجوية المثيرة والمذهلة، وابتسامة توم كروز وهو يلعب دور مافريك؛ الطيار البحري المغرور ذو الكاريزما الساحرة. ألا تحب هذا الفيلم؟ لا. حسنًا، كان الجيش الأمريكي من أشد المعجبين بهذا الفيلم، ليس لمجرد أنّ الفيلم تسبب في ارتفاع عدد المجندين في سلاح الجو بعد عرضه في عام 1986.
لقد أعاد هذا الفيلم الاعتبار للجيش الأمريكي وأحيا الثقة به مرة أخرى، وكان كل العاملين في انخفاض حاد بعد حرب فيتنام.
هذا الفيلم هو ما ساعد في تشكيل تصور البنتاغون عن الصناعة الترفيهية باعتبارها مفيدة لهذا النوع من الترويج للقيّم الأساسية؛ ولذلك يمكننا أن نتوقع المزيد من الشيء نفسه، ولكن مع وجود عامل الحرب الحديثة للطائرات بدون طيار في الجزء الثاني.
تسويغ الحرب على الإرهاب
فيلم “Top Gun” ليس الفيلم الوحيد الذي ساعد في هذا النوع من تسويغ الحرب على الإرهاب، فهناك فيلم “Zero Dark Thirty” الذي يُعدّ أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
يقوم هذا الفيلم الذي أخرجته كاثرين بيجلو في عام 2011 على فكرة أن تعزيز أساليب الاستجواب (وبعبارة أخرى: التعذيب) أدى بالفعل إلى اعتقال وقتل أسامة بن لادن في باكستان في عام 2011.
هذا الفيلم، الذي تم ترويجه باعتباره السردية الحقيقة المطلقة، أُنتج من خلال التعاون الوثيق مع وكالة المخابرات المركزية، التي كانت حريصة على تبرير برنامج الاعتقال والاستجواب المتوقف، وربما تكون الوكالة هي من كتبته أيضًا.
تأكد دور الوكالة كوسيلة دعائية مؤخرًا من خلال فيلم وثائقي أمريكي بعنوان “الأسرار والسياسة والأكاذيب” (على قناة PBS)، والذي فحص برنامج وكالة المخابرات المركزية: كيف عذبت الوكالة المعتقلين في فترة ما بعد أحداث 11/ 9، وهي تدرك أنّ هذا لن يسفر عن أي معلومات موثوق بها، وكيف كذبت بشأن كل ما فعلته وحقيقة أنه لا ينجح.
قضت لجنة التحقيقات الخاصة بمجلس الشيوخ الأمريكي ست سنوات تبحث في برنامج وكالة المخابرات المركزية، وشاهدت رئيسة اللجنة السابق، ديان فاينستاين، نسخة مسبقة من فيلم المخرجة بيجلو. وهذا هو أخبرت به القناة عن هذه التجربة: “في الحقيقة، لم أستطع إكمال مشاهدة فيلم Zero Dark Thirty؛ لأنه فيلم زائف ومضلّل“.
كما يقول الصحفي مايكل إيسكوف في الفيلم الوثائقي، إنّ أفلام هوليوود لها تأثير كبير: “الكثير من الناس يشاهدون هذه الأفلام ويستسقون انطباعاتهم حول ما يحدث من فيلم مثل هذا وليس من القصص الإخبارية التي لا حصر لها“.
انتصار الخير على الشر
منذ البداية، تبدو هوليوود حريصة على المساعدة في “الحرب على الإرهاب”. في أعقاب هجمات 11/ 9، كارل روف، المستشار الخاص لجورج بوش آنذاك، عقد اجتماعًا في بيفرلي هيلز مع رؤساء المؤسسات الترفيهية ليرى كيف يمكنهم المساهمة في هذه الحرب.
أعطت هذه الحرب الجديدة الفرصة لصناعة السينما الأمريكية للاعتماد على قصتها المفضلة؛ موضوع متكرر من الغرب في أفلام الخيال العلمي: انتصار الخير على الشر، وبالطبع لا يوجد أفضل من سردية بوش: الحرب على الإرهاب “نحن ضد هم” لإنتاج مثل هذه الأفلام.
في الواقع، كان هذا السبب في سهولة اندلاع الحرب الباردة أيضًا، وإن كان بأسلحة أقل بهرجة، ومنذ ذلك الحين تم استخدام أنماط سينمائية لأغراض أخرى في فترة الإرهاب العالمي: من السوفيت قساة القلب إلى العرب الأشرار.
الافتراضات التي تقوم عليها هذه الأفلام هي نفسها في جميع أنحاء الولايات المتحدة: هي القوة العالمية الممثلة للخير، والتي تضطر في بعض الأحيان، على مضض وبشكل بطولي، أثناء مهمتها كشرطة عالمية، إلى القيام بأشياء سيئة لمحاربة الشر هناك. المقاتلون العرب، تمامًا مثل السوفيت الأشرار من قبلهم، لا يجري تصويرهم على أنّ لديهم دوافع أو سياقًا سياسيًا؛ لأنّ الشر هو عنف مسوغ بلا أي مقابل.
الفيلم الوثائقي الذي أُنتج عام 2003 بعنوان “هوليوود والبنتاجون: العلاقة الخطيرة -Hollywood and the Pentagon: a Dangerous Liaison”، يشير إلى أن معظم أفلام الحروب الأمريكية كان لها دور كبير في مساعدة الجيش الأمريكي؛ فالبنتاجون لديه مكتب خاص في لوس أنجلوس، مع كل فرع من فروع الجيش الأمريكي يعمل مع الأفلام التي تصوره أثناء القتال بصورة فعّالة.
وفي كثير من الأحيان يساوم صنّاع الفيلم بالوصول إلى المعدات العسكرية المكلفة والخاطفة للأبصار في مقابل تدخل ضباط الجيش في نص الفيلم، وهذه قد تكون مجرد اقتراحات حول أي البنادق يمكن استخدامها، أو يمكن أن تكون حول مشاهد فعلية داخل الفيلم.
تمت صناعة فيلم Top Gun بالتشاور مع البنتاغون، ولكن العلاقة بين البنتاغون وهوليوود تجسّدت في أفضل صورة لها في عام 2001 في فيلم “Black Hawk Down”، في مقابل إجراء بعض التغييرات على نص الفيلم، حصل صنّاع الفيلم على 8 مروحيات من طراز “بلاك هوك” وأكثر من 100 جندي، وهو اتفاق تطلب إجراء اتصال بين الجيش الأمريكي والحكومة المغربية، حيث يتم تصوير الفيلم، بحيث يتم السماح للجنود الأمريكان بالدخول إلى البلاد.
سردية مبررة وبطولية
عندما يجري تعديل الأفلام، والتلاعب بسردية “الحرب على الإرهاب” بحيث تصبح سردية مبررة وبطولية، فهذا سيئ بدرجة كافية، ولكن فيلم Zero Dark Thirty يبدو أسوأ؛ لأنه يقوم على كذب سافر من صانعي الفيلم مقابل حصولهم على غطاء مغرٍ من “الوصول الحصري”.
ربما خيبة الأمل تجاه كل هذه الأمور تنبع من توقعنا بأنّ غرض الثقافة هو مخالفة السياسة، وتحدي نشر الأكاذيب بدلًا من ترويجها. نحن نفكر في هوليوود باعتبارها كيانًا متحررًا، ولكن هذا تصور خاطئ ومضلّل خاصة عندما يتعلق الأمر بتصويرها للسياسة الخارجية الأمريكية ومكانتها في العالم.
الفيلم الوثائقي “الأسرار والسياسة والأكاذيب – Secrets, Politics and Lies” ينتهي بإظهار كيف أغلقت القيود السياسية قضية برنامج تعذيب وكالة المخابرات المركزية: سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ الجمهوري العام الماضي، وعيّنت لجنة الاستخبارات رئيسًا جمهوريًا جديدًا، طلب من ليون بانيتا مراجعة كافة النسخ المكوّنة من 6000 صفحة، رافضًا قراءة تقييم إدانة التعذيب لوكالة المخابرات المركزية الذي قدّمه رئيس اللجنة السابق.
أمضت لجنة مجلس الشيوخ ست سنوات منكبة على ملايين الوثائق للتحقيق في القضية وإصدار المراجعة، ولكن كل شيء توقف الآن. وكل ما بقي لنا هو فيلم حائز على جائزة، مع نص مفبرك من قِبل وكالة المخابرات المركزي، شاهده الملايين، يخبرنا أنّ التعذيب أدى إلى القبض على بن لادن. شكرًا، هوليوود، كان هذا حقيقيًا!
المصدر: الجزيرة
