قائمة الموقع

خبر هآرتس: كيف خسرت مصر “سيناء” قبل وقت طويل من هجمات داعش؟

2015-07-07T16:11:26+03:00

هآرتس

العقود الطويلة من إهمال القاهرة للجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء الاستراتيجية وشعبها، تدفع ثمنه الآن من دماء الجنود المصريين.

الهجوم الذي وقع صباح الأربعاء الماضي، والذي استهدف ما لا يقل عن عشرة أهداف عسكرية مصرية في شمال سيناء، بما في ذلك استخدام السيارات المفخخة على نطاق واسع، اتبع نمط العمليات المماثلة التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، والتي سمحت لهم بالسيطرة على مناطق وبلدات واسعة من قبضة الجيشين السوري والعراقي اللذين يعانيان من حالة من التفكك وانهيار للروح المعنوية.

عملية الزرع الناجحة لهذه التكتيكات في سيناء، التي ألحقت ضربة مدمرة بالجيش المصري، والذي من الناحية النظرية هو أفضل بكثير من ناحية التنظيم والتجهيز، لا ينبغي أن يُنظر إليها باعتبارها عملية مفاجأة، خاصة في ظل أن الهجوم وقع في منطقة لم تعد القاهرة تتحكم فيها بالمعنى الحقيقي منذ فترة طويلة.

لعدة أشهر، جرى منع الصحفيين من الوصول إلى شبه الجزيرة الصحراوية، وخاصة الصحفيين الأجانب. يتم إيقافهم عند نقاط التفتيش بالقرب من قناة السويس وإرسالهم مرة أخرى إلى القاهرة. ولكن الزيارات السابقة لسيناء، التي أُجريت بين ثورة 2011 وحتى المنع الأخير للصحفيين، أظهرت بوضوح أن تعزيزات الجيش المصري (التي تمت بموافقة هادئة من إسرائيل، حيث إن هذه التعزيزات تجاوزت مستوى القوات العسكرية المسموح بها في سيناء بموجب معاهدة السلام بين البلدين) كانت غير فعّالة.

الحل العسكري الذي انتهجته مصر بشأن تصاعد النشاط الجهادي في سيناء كان محدودًا إلى حد كبير، ولم يتخط حاجز وضع نقاط تفتيش كبيرة وأكثر عددًا على طول الطريق السريع الساحلي الشمالي الضيق. ولم يتم إرسال وحدات النخبة المصرية المدعمة بالأسلحة الأمريكية المتقدمة نسبيًّا بعيدًا عن مواقعها حول القاهرة إلا في حالات نادرة، فإنه، وبدلًا من ذلك، تم نشر كتائب من المجندين الأمّيين مع حاملات جند مدرعة ودبابات تعود إلى الحقبة السوفيتية التي عفا عليها الزمن في سيناء. يبقى الضباط في ثكنات المدينة، في حين تراقب مجموعة من الجنود نقاط التفتيش أثناء الليل، ويتجمعون داخل ناقلات الجنود المدرعة.

ميزة الصحراء

كان تركيز مصر لمعظم نشاطها العسكري على الطريق السريع الذي ينتهي عند معبر رفح إلى قطاع غزة نتيجة لقيود الجيش، وعدم وجود أهداف واضحة للجهاديين. ولأنّ العديد من جهاديي سيناء هم من قبائل البدو المحلية (المدعومين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من المدن)، فهم يعرفون التضاريس الصحراوية أفضل بكثير من الجيش ويستخدمونها لمصلحتهم. بعد شنّ الهجمات، يتراجع الجهاديون بسرعة بحثًَا عن ملجأ لهم في الجبال أو المخيمات البدوية. ليست هناك قاعدة تنطلق منها هجمات المروحيات العسكرية والقاذفات المقاتلة للقوات الجوية المصرية.

سواء كانت تقارير وسائل الإعلام الأجنبية، التي تحدثت عن أن الطائرات الإسرائيلية بدون طيار سُمح لها (أو طُلب منها) مهاجمة أهداف على الأراضي المصرية، دقيقة أم لا، فإنها تؤكّد حقيقة أنّ الجيش المصري يشعر بالقلق من أن تحليق طائراته على علو منخفض فوق سيناء، من شأنه أن يجعلها عرضة لخطر الإسقاط من قِبل الجهاديين باستخدام صواريخ تطلق من على الكتف.

فشل الجيش المصري في فرض سيطرته على سيناء يعود إلى فبراير 2011، بعد الإطاحة بمبارك، عندما نجح الجهاديون في تخريب محطات توريد الغاز المصري إلى محطات توليد الكهرباء الإسرائيلية والأردنية. وكان هدف أول تعزيز من الجيش في شبه الجزيرة هو ضمان وصول شحنات الغاز، ولكن في كل مرة، كان المجاهدون يفجرون نقطة أخرى على خط الأنابيب.

ثمن الإهمال هو دماء الجنود 

كما كان الوضع من قبل، لم ير السكّان المحليون في سيناء ولو جزءًا صغيرًا من أرباح الغاز.

لقد جرى تدمير ساحل البحر الأبيض المتوسط في ​​شبه الجزيرة. المباني في المدينة الرئيسة، العريش، تتداعى، وحديقة الحيوان باتت مهجورة وفنادقها القليلة فارغة. قد يجد البعض هذا مفاجئًا، خاصة الإسرائيليين الذين يتذكرون الشواطئ الذهبية لمستوطنة ياميت السابقة في فترة ما بعد 1967. في الواقع، يجري الآن دفع تكلفة الفشل المتتالي للحكومة المصرية لتطوير المنطقة منذ انسحاب إسرائيل في الثمانينيات من دماء الجنود المصريين.

الأمر الذي يفاقم هذا الإهمال، هو عدم وجود التجانس والوحدة بين سكّان شمال سيناء الذين ينقسمون بين البدو الذين انتقلوا إلى المدن الصغيرة على طول الساحل، والفلسطينيين الذين يعيشون بشكل رئيس على مقربة من الحدود مع قطاع غزة، والمصريين الذين وصلوا من أجزاء أخرى من البلاد، معتقدين بصدق وعود الحكومة التي لم تتحقق من المشروعات الجديدة. في كثير من الأحيان، يذهب عدد قليل من الوظائف المتاحة إلى الوافدين الجدد، ويتم منحها من قِبل محافظين تعينهم القاهرة. الأمر الذي لا يثير الدهشة هو أنّ عددًا قليلًا من السكان يشعرون بالولاء للحكومة المركزية.

يكفي أن تنظر من أحد أبراج الحراسة على طول الحدود بين مصر وإسرائيل لتجد أن المباني على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، على الرغم من الوضع الاقتصادي السيئ في قطاع غزة، هي أكبر وأفضل بكثير من معظم المباني في رفح المصرية.

انهيار اقتصاد الأنفاق

الاستثناء الوحيد لهذا، كان ظهور العشرات من الفيلات الصغيرة المرتبة التي انتشرت في أحياء رفح المصرية في السنوات الأخيرة – وهي علامة واضحة على أنها تغطي مداخل الأنفاق المتجهة إلى غزة. ومع ذلك، شنّت مصر وإسرائيل حملة على اقتصاد التهريب -المصدر الرئيس لدخل الآلاف من الأسر في رفح ومناطق أخرى- وهو ما كسر الاستثناء الوحيد للقاعدة.

لسنوات، طالبت إسرائيل والولايات المتحدة، التي وفرت أيضًا المعدات الهندسية والمستشارين، المصريين باتخاذ إجراءات ضد الأنفاق. لم يبدِ نظام مبارك اهتمامًا خاصًا في القيام بذلك، ولم تكن حكومة مرسي تريد أن تؤذي حركة حماس المؤيدة لها. لم يكن هناك أحد يفكر بطبيعة الحال في بديل اقتصادي للسكان المحليين. ولكن، حكومة السيسي أرادت ممارسة الضغط على حماس، وكانت القيادة المصرية الأولى التي تتصرف بشكل حاسم ضد الأنفاق، وتدمر نحو ألفي منزل بالقرب من الحدود، وتفجر مداخل وحفر الخنادق العميقة. لذلك؛ بات الآلاف الآن بلا مأوى وبلا دخل كان يأتي من التهريب أو “استضافة” نفق في الطابق السفلي.

العدد القليل من الأنفاق العميقة المتبقية هي الآن تحت السيطرة الحصرية لحماس ويجري استخدامها للسلاح والمسلحين. لقد انتهت الأيام التي شهدت انتشار الاقتصاد بأكمله في كل أنحاء الأنفاق.

لم يكن التباطؤ في عمليات التهريب فقط نتيجة للعمليات العسكرية المصرية؛ فالانتهاء من السياج الحدودي الصلب الضخم على حدود إسرائيل مع مصر قلص الطرق المتاحة للبدو الذين يعتمدون عليها لنقل البضائع التي تشمل السجائر والمخدرات، وكذا فتيات أوروبا الشرقية اللاتي يشكلن عنصرًا هامًا في صناعة الجنس في إسرائيل، وكذلك اللاجئين الفارين من الدكتاتورية العسكرية في إريتريا. في الواقع، يعاني الاقتصاد في سيناء من أزمة عميقة. البدو الذين كانوا يتنقلون بحرية بين البلدين، والذين يتحدث كثير منهم العبرية بطلاقة، حيث تعلموها خلال سنوات من العمل كمقيمين بصورة غير قانونية في إسرائيل، هم الآن عاطلون عن العمل.

في الطرف الآخر من شبه الجزيرة، على ساحل البحر الأحمر، لا يزال الوضع هادئًا. هذه المنطقة، على النقيض من شمال سيناء، حظيت بالاستثمارات الحكومية، بفضل وجود فيلات يمتلكها مبارك وغيره من كبار المسؤولين في المنطقة وحول منتجع شرم الشيخ. لدى البدو الذين يعملون في الفنادق ويديرون القرى السياحية والجولات الجبلية مصلحة في الحفاظ على الجهاديين بعيدًا عن سيناء.

ومع ذلك، وفي ظل تصاعد وتيرة الفوضى في أجزاء أخرى من مصر، وحتى مع جرأة السائحين – بما في ذلك الإسرائيليون الذين يواصلون تجاهل تحذيرات الحكومة من السفر إلى سيناء-، فربما تتبدد مصلحة البدو بجنوب سيناء في الحفاظ على السلام.

اخبار ذات صلة