غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر القاعدة الأولى للاجئين: لا تكن مسلما إذا ما كنت تريد المساعدة !

روبرت فيسك – الإندبندنت

إننا نتعامل مع كل لاجئ الآن على أساس عرقه، دينه، أو الغرض من رحلته. إننا لا نتعامل معهم كبشر.

لقد كان الأمريكيون من القرن التاسع عشر على صواب عندما نقشوا كلمات إيما لازاروس على تمثال الحرية: “أعطوني متعبيكم، وفقراءكم، وجماهيركم المحتشدة التي تتوق للتنفس بحرية”.

وكبلد جديد نسبيًا، كان على الولايات المتحدة استقطاب المعدمين من أوروبا، والأيرلنديين، ويهود روسيا، لتوسيع أمتها. ولم تكن هناك أي إشارة إلى الأيرلنديين كفقراء أو كمهاجرين لأسباب اقتصادية، أو لليهود “التواقين للتنفس بحرية” كطالبي لجوء أو كلاجئين سياسيين هربًا من مذابح القيصر.

ورغم ذلك، افترض العالم في العقود التالية أن تلك “الجماهير المحتشدة” قد تعود بأمان إلى أراضيها الأصلية. وهكذا، قررت الولايات المتحدة ودول أخرى أن الناجين من الإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915 يجب أن يعودوا إلى منازلهم في “أرمينيا الغربية” (الأناضول العثمانية). وبقي مئات الآلاف من الأرمن على حدود تركيا على أمل أن المنتصرين في الحرب العالمية الأولى سوف يعيدون لهم أراضيهم التي لم تعد تحت سيطرة قتلتهم من العثمانيين.

وكانت جمعية إغاثة الشرق الأدنى الأمريكية أول منظمة إنسانية كبيرة من نوعها، وقد أدت الملايين من الدولارات التي تم جمعها في الولايات المتحدة إلى إنقاذ حياة عدد لا يحصى من اللاجئين الأرمن، وخاصةً الأيتام، في كل أنحاء العالم العربي.

والآن، صدر كتاب مؤثر بشدة من جامعة كاليفورنيا، وضعه أستاذ حقوق الإنسان، كيث واتنبوغ، الذي درس تاريخ العمل الإنساني في الشرق الأوسط من ملفات عصبة الأمم، وهي السلف الضعيف للأمم المتحدة.

وفي السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى ما بين 1914-1918، تخلى المجتمع الدولي عن “حق العودة” للأرمن. ويقتبس بحث واتنبوغ عن أعمال بيت حلب للإنقاذ، الذي كانت مديرته الدنماركية، كارن جيبي، قد كتبت في عام 1922، إن “لدى الأرمن مهارة رائعة، هي صنع الخبز من الحجارة”. ويستند هذا الاقتباس إلى إنجيل متى الإصحاح الرابع 3-4، الذي يشير إلى أن لدى الأرمن مثل هذه المرونة التي يمكنها صنع المعجزات، وإبقاءهم على قيد الحياة كشعب.

ويعترف واتنبوغ بأن كتابه “وضع في الوقت الذي انحدر فيه الشرق الأوسط المعاصر إلى كارثة إنسانية تشابه في درجتها من المعاناة واللامبالاة الدولية تلك الكارثة التي وقعت أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى”.

إنه على صواب. لقد تغير العالم بالطبع. الأمريكيون الإنسانيون في القرن الـ 19، والذين رحبوا باليهود الفارين من روسيا، كانوا أقل حرصًا بكثير على منح الملجأ لضحايا هتلر من اليهود. وقبل الحرب العالمية الثانية، ومثل باقي الدول الأوروبية، لم تسمح أمريكا بدخول اليهود إليها. وبعد المحرقة، فضلت أمريكا أن يذهب الناجون اليهود إلى فلسطين بدلًا من الاستقرار في الولايات المتحدة.

وانهارت السلطة البريطانية في فلسطين، مخلفةً 750 ألف لاجئ فلسطيني. ولا يزال وجود هؤلاء اليوم، هم وذريتهم، فضيحةً إنسانية. ولكن ذلك التاريخ مضى “اليوم”، وبدأت فضيحة أخرى. وفي تحطم الشرق الأوسط الراهن الذي يشير إليه واتنبوغ، تم استقبال اللاجئين المسيحيين من العراق وسوريا ومصر، كما استقبلت أوروبا وأمريكا الأرمن في العشرينيات من القرن الماضي، من قبل الدول “المسيحية” عمومًا. ولكن معظم اللاجئين اليوم هم مسلمون فارون من مسلمين ولا يحصل هؤلاء على الكرم نفسه.

لقد مشيت حول مخيمات للاجئين في لبنان، وسط القذارة والأمراض، وتحدثت مع الأمهات اللواتي خسرن أبناءهن بالفعل. وفي الأسبوع الماضي، شاهدتهم بالمئات يأتون إلى الحدود المقدونية مع اليونان، متعرقين في الحر الشديد، ومتعرضين للضرب من قبل حرس الحدود عند محاولاتهم لدخول وسط أوروبا. إنهم أشداء، ولديهم عزيمة، مثل الأرمن الذين استطاعوا “صنع الخبز من الحجارة”.

ووفر الأمريكيون “مناطق آمنة” للأكراد في العراق عام 1991، بعد أن ثار الأكراد ضد صدام بإيعاز أمريكي. ولكن لم يعد هناك مناطق آمنة أخرى؛ وتعد ذكرى مذبحة سريبرينتشا العشرين في عطلة نهاية هذا الأسبوع دليلًا كافيًا. وفي حين أننا ننقذ هؤلاء الناس من مياه البحر المتوسط الآن، لا نزال لا نريدهم.

لماذا؟ هل السبب أنهم مسلمون، وليسوا مسيحيين أو “غربيين”، كما نفضل أن نسمي أنفسنا اليوم؟ أخاف أن يكون هذا هو السبب.

إن مؤسسات الأمم المتحدة الإغاثية، منظمة أطباء بلا حدود، الصليب الأحمر، أوكسفام، والمنظمات الأخرى، لا تستطيع أن تأمل لحماية أو إعادة إسكان الهجرة الجماعية الجديدة من الشرق الأوسط. ولا يستطيع العمل الإنساني الدولي تجاوز السيادات الوطنية. وإذا ما انهارت اليونان في النهاية، فماذا سنفعل بملايين اللاجئين اليونانيين على حافة أوروبا المنكمشة؟ هل سنتعامل معهم باحتقار، كما كان وزراء الاتحاد الأوروبي يفعلون خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع؟ أو أننا سوف نتركهم يتوجهون شمالًا إلى أراضينا لأنهم مسيحيون، وليسوا مسلمين عرب؟

للأسف، إننا نتعامل مع اللاجئين الآن على أساس عرقهم، ودينهم، والهدف من هجرتهم. إننا لا نتعامل معهم كبشر. وهكذا، نحن نخون كل أدياننا وكل ثقافاتنا.

لم ألتق بشخص واحد لديه إجابة على معضلة زمننا الأخلاقية هذه. ولكن، هناك البيان المشترك الذي صدر عن مؤتمر برعاية أمريكية عام 1927 اعترف بأن الإغاثة الدولية كانت منحازة للمسيحيين، وضد المسلمين، بعد نكبة الشرق الأوسط الأولى. وقال البيان: “سوف يفضل الناس على الأرض الحصول على أموال أقل وبرنامج مثل برنامج الرجل الشبيه برجل الدولة عوضًا عن الأموال الكثيرة من أجل أهداف لم تخضع للتفكير بعناية…“.

الكلمة المفتاحية هي “الرجل الشبيه برجل الدولة”. لقد واجه اللاجئون من الشرق الأوسط مثل هذا الرجل بعد الحرب العظمى. لقد كان رجلًا اهتم بالفقراء والحشود المتطلعة للتنفس بحرية. لقد أوحى هذا الرجل بإنشاء وثيقة السفر للاجئين المعترف بها من قبل 54 دولة بالنسبة لمواطني روسيا السابقين (روس، بولنديين، أوكرانيين لثوانيين، وأتراك مسلمين)، ومن قبل 38 دولة بالنسبة للأرمن. لقد كان هذا الرجل مستكشفًا قطبيًا، أصبح اسمه منسيًا تقريبًا. إنه فريدجتوف ناسن، الذي فاز أيضًا بجائزة نوبل للسلام، وهو ما نساه الناس كذلك.