قائمة الموقع

خبر سمعنا الجنرال وبانتظار السياسي

2014-05-14T08:31:08+03:00

كل ما قاله المشير عبد الفتاح السيسي عن الحاضر والمستقبل في كفة، وكلامه عن الإسلام السياسي والإخوان في كفة أخرى، الأمر الذي يستلزم تحريرا ومناقشة.

(1)

في الحوار التلفزيوني الذي أجري يوم 5 مايو/أيار، سألته الإعلامية لميس الحديدي: هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين؟ في رده قال السيسي: لست أنا الذي أنهيتها، أنتم يا مصريون أنهيتموها حين قلتم لا في 30/6.

محاوره الآخر الأستاذ إبراهيم عيسى عاد ليسأل: إذا قرر المواطن أن ينتخبك رئيسا فهل سيكون واثقا من أنك أنهيت جماعة الإخوان، وأنه خلال مدة رئاستك لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان. ردُّ المشير جاء في كلمة واحدة هي: نعم.

في لقائه مع رئيس تحرير الصحف قال السيسي (طبقا لما نشرته جريدة الشروق في 8 مايو/أيار):
 "إن الإقصاء يتعارض مع الديمقراطية، لكن السؤال هو: هل المزاج العام للرأي العام يقبل بالإقصاء أم لا. وهل بنية المجتمع مناسبة أم لا؟ هذا ما ينبغي مناقشته".

"ينبغي أن نناقش أيضا تأثير الإسلام السياسي. ذلك أن الأوروبيين حسموا علاقة الدين بالدولة منذ أربعة قرون. وفي حالنا فإن جزءا كبيرا من المجتمع لا يقبل تيار الإسلام السياسي، لأنه خائف وقلق على حاضره ومستقبله، فكيف سنتصرف حيال هذا الوضع؟".

"الذين يتحدثون عن المصالحة عليهم أن يعالجوا هذه المسألة مع المصريين وليس مع السلطة. ذلك أنها المرة الأولى في مصر التي لا يوجد خلالها أي تعاطف مع ذلك التيار، لذلك فإن الشعب المصري أصبح بحاجة إلى اعتذار وترضية أولا".

(2)

الكلام عن "شطب" الإخوان من الواقع السياسي المصري، أقله في ظل فترة الرئاسة المفترضة للمشير السيسي، تحولت إلى خبر تناقلته مختلف وكالات الأنباء، وترددت أصداؤه في العديد من عواصم العالم.

وكان بعض تلك الأصداء يحاول التخفيف من وقعه (كما فعل وزير الخارجية السيد نبيل فهمي والسيد عمرو موسى اللذين كانا في واشنطن وقتذاك)، فمن قائل إن المشير كان يقصد العنف المنسوب إلى الجماعة، وقائل بأن الكلام ينسحب على الجماعة ولا ينسحب بالضرورة على حزب الحرية والعدالة الذي يمثلها. وفي الداخل حاول البعض تأويل الكلام بالحديث عن تخلي الجماعة عن بعض أفكارها (الدكتور ياسر برهامي تحدث عن فكرة التكفير) والادعاء بأن اقتلاعها بالكامل ليس واردا.

أبرز تعليق في الصحافة المصرية نشرته "المصري اليوم" في 7 مايو/أيار في الزاوية التي يوقعها كاتبها باسم "نيوتن"، ولم يخف صاحبنا فيما كتب أنه رافض للإخوان وسيئ الظن بهم، ومع ذلك فإنه وصف كلام السيسي بأنه "شديد الخطورة". ولم يحاول تأويله أو التخفيف من وقعه، وإنما قال إن المشير حسم الموقف بما قال، وإجابته كانت جاهزة، ولم تكن طارئة.

وتساءل بعد ذلك: هل ما قاله السيسي ممكن.. وهل يقدر على ذلك؟ وهل يقصد القضاء على أيديولوجيا الإخوان؟ وكيف يمكن أن يفعل ذلك في فكر عمره قرن؟ ثم... هل سيتخلى الشباب عن تنظيمهم، وهل يمكن أن يترك الإخوان جماعتهم؟ وكيف سيدفعهم السيسي إلى ذلك، هل بمزيد من الضغط والحصار؟ وماذا سيفعل في النتائج السلبية التي ستترتب على قراره، والتي ذكر فيها احتمال اتجاه الإخوان إلى العمل السري والتحرك تحت الأرض.

سألني اثنان من المراسلين الأجانب عن رأيي في كلام السيسي، فقلت إنه فضفاض يحتمل تأويلات متعددة، ثم إنه يثير العديد من الأسئلة التي توضح حدود حقيقة ما يعنيه المشير. وفي كل الأحوال فإن القدر الذي أعلن في الحوار يعبر عن تبسيط واختزال وتعجل. ولا مفرَّ من الانتظار حتى نرى كيف سيترجم على أرض الواقع.

(3)

الأسئلة التي طرحها كاتب "المصري اليوم" الرافض للإخوان مشروعة ومهمة. ولا يحتاج المرء لأن يكون إخواني الهوى لكي يستغرب أو يشكك في جدوى قرار الشطب ويحذر من مغبته. حيث يكفي أن يكون لديه عقل سياسي لكي يطرحهما، لا حبا في الإخوان ولكن تعبيرا عن القلق على مستقبل الاستقرار في الوطن.

من هذه الزاوية أضيف من عندي بعض الأسئلة التي منها ما يلي: هل المتظاهرون في الشارع وفي الجامعات هم الإخوان وحدهم أم أن هناك آخرين لديهم أسبابهم التي دفعتهم إلى الغضب والتظاهر؟

وهل الإسلام السياسي الذي انتقده المشير مقصور على الإخوان وحدهم أم أن هناك جماعات وأحزابا أخرى تدخل في نطاقه يتعين التمييز بينها؟ وهل الإسلام السياسي له موقف واحد من التحولات التي جرت في مصر أم أن لمكوناته مواقف متباينة؟ وما هي الآلية التي يستند إليها في تقرير مدى قبول أو رفض الإسلام السياسي؟ هل هي تقارير الأجهزة الأمنية أم وسائل الإعلام والحشود التي تدعى للخروج إلى الشارع أم هو مؤسسات الدولة المنتخبة ودستورها وقوانينها؟

وهل التفويض الذي منح للمشير يعطيه الحق في شطب أو إجازة القوى السياسية والتيارات الفكرية الموجودة في البلد؟ وهل الرأي العام الذي أشار إلى رفضه الإسلام السياسي يقبل بالتطرف العلماني المعلن في مصر أو بالمجموعات الشيوعية التي تنشط في المجال العام، أو بدعوات الدفاع عن الحركة النسوية والمثليين والبهائيين؟

وفيما خص العنف الذي يحتج به في شطب الإسلام السياسي والإخوان، لماذا لا تقبل السلطة المصرية بإجراء تحقيق محايد تجريه مفوضية حقوق الإنسان في جنيف مثلا في حوادث إحراق الكنائس وقتل الجنود والمتظاهرين والمذابح، التي جرت في رابعة والنهضة وأمام مقر الحرس الجمهوري؟

وإذا كنا قد تحمسنا للمراقبة الدولية للانتخابات الرئاسية المقبلة، فلماذا لا نقبل بالتحقيق الدولي في جرائم العنف التي وقعت لطمأنة الجميع ولتطهير ذلك الجرح الكبير من المرارات والشكوك والثارات؟ ذلك أن قتل أكثر من خمسة آلاف شخص منذ قامت الثورة (حسب تقدير موقع ويكي ثورة المستقل) دون حساب أو عقاب، ليس بالأمر الهين الذي يمكن أن تطويه الذاكرة بمضي الوقت.

(4)

قرار الشطب باعث على الدهشة حقا، لكن التفكير فيه باعث على الحيرة أيضا، ذلك أنه كاشف عن أن خطوة بهذه الأهمية لم تخضع لدراسة جادة لا من وجهة نظر المصلحة الوطنية ولا من زاوية الخبرة التاريخية.

لقد ذهب الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إلى أبعد في ثمانينيات القرن الماضي حين أصدر قانونا قضى بإعدام كل من ينتسب إلى الإخوان، وفعلها الرئيس معمر القذافي في ليبيا حتى أنشأ كيانا لقمع الإسلام السياسي أسماه جهاز "مكافحة الزندقة"، ولم ينجح أي منهما في إنجاز عملية الشطب، ورحل الرجلان دون أن يتمكنا من ليِّ ذراع التاريخ وتطويعه لحساب مزاجهما السياسي.

إن أي دارس لتاريخ الأفكار وحركات الإصلاح والتغيير الاجتماعي يدرك أنها ليست نبتا شيطانيا يأتي من فراغ. ولكنها عادة ما تكون استجابة لظروف تاريخية تمر بها المجتمعات والأوطان. وظهور جماعة الإخوان التي تأسست في عام 1928 من بين الأصداء التي ترتبت على الفراغ الذي نشأ عن إلغاء الخلافة الإسلامية في عام 1924. وترددت تلك الأصداء في أنحاء عدة من العالم الإسلامي من الهند والصين إلى جنوب أفريقيا.

ثم إن حسن البنا لم يكن مجرد داعية ذاع صيته، ولكنه كان امتدادا لحلقة موصولة بالإصلاحيين الذين كان جمال الدين الأفغاني على رأسهم، ومن بينهم الإمام محمد عبده ورشيد رضا، وكان جزءا من المدرسة التي ضمت محب الدين الخطيب والشيوخ العلماء الكبار مصطفى المراغي ومحمود شلتوت ومحمد شاكر وطنطاوي والجوهري والأحمدي الظواهري ومحمود خطاب السبكي، في الوقت ذاته فإنه صار جزءا من نسيج عريض ضم رموزا إصلاحية معروفة بينهم شكيب أرسلان وصالح حرب ومحمد علي علوبة وعبد الرحمن عزام وعزيز المصري وغيرهم وغيرهم من أعلام ذلك الزمان ورجالاته.

ثم إنه لم يثبت حضورا في مصر وحدها، ولكنه مد بصره إلى المغرب، وأنشأ مكتب الاتصال بالمغرب العربي في القاهرة لتأييد مقاومة الاحتلال الفرنسي (الحبيب بورقيبة كان من ضيوفه الدائمين)، ومشهور دور الجماعة في حرب فلسطين، كما سقط شهداؤها في مقاومة الاحتلال البريطاني المتمركز في قناة السويس، وجيلنا لا يزال يذكر منهم الشهيدين عمر شاهين وأحمد المنيسي.

إنني هنا أفرق بين المشروع الفكري والدور النضالي، وبين الاجتهاد السياسي، والأول صار جزءا من تاريخ الوطن وليس الجماعة وحدها، أما الاجتهادات السياسية بإخفاقاتها أو نجاحاتها فإنها تمثل لحظات عابرة تقدر بقدرها، وينبغي ألا تصبح ذريعة للعدوان على التاريخ بتجريحه أو محوه.

أدري أن أجواء الاحتقان والاستقطاب الراهنة سمَّمت المشاعر بحيث ما عاد البعض مستعدا لاستقبال فكرة الإنصاف، ناهيك عن المصالحة. وهو ما يدعوني إلى التذكير ببعض البديهيات السياسية، التي منها أن صدق الممارسة الديمقراطية لا يُقاس بمدى الترحيب بالمؤيدين والموالين، ولكنه يُقاس بالقدرة على احتواء المخالفين وحتى الخصوم، ومنها أيضا أن الوطن لن يقدر له أن يعرف الاستقرار إلا إذا وضعت نهاية للحرب الأهلية الدائرة فيه على مستويات عدة طوال تسعة أشهر. وهذا الاستقرار شرط أساسي لدوران عجلة التنمية المشلولة في الوقت الراهن.

وأكرر ما سبق أن قلته من أن العدل والإنصاف هو الباب الوحيد الذي يضمن بلوغ تلك الغاية.

من تلك البديهيات أيضا أنه حين تغلق أبواب المشاركة المشروعة في العمل السياسي، فإن الأبواب تنفتح تلقائيا أمام العمل السري والممارسات غير المشروعة الأخرى، التي قد يكون العنف من بينها. وبعد الدماء الغزيرة، التي سالت خلال السنوات الثلاث الماضية فإن التربة باتت مهيأة لاستنبات ذلك الخيار الأخير.

(5)

لقد قلت في مستهل مناقشة كلام السيسي إن حضور الجنرال فيما صدر عنه كان أقوى من حضور السياسي المرشح للرئاسة، ولكم تمنيت أن يكون داعيا إلى التهدئة ومهادنا في الإجابة على أسئلة الداخل بقدر مهادنته التي ظهرت في الإجابة على أسئلة الخارج.

وإذ أتصور أن ما صدر عنه كان مرتبا متفقا عليه قبل التسجيل والبث، وأنه أراد أن يوجه رسائل معينة إلى الرأي العام وبداية حملته الانتخابية. إلا أنني أزعم أن بعض تلك الرسائل جانبها التوفيق لأنه تحدث بلغة الجنرال ومنطقه، وحديثه عن حل مشكلة البطالة نموذج لذلك في الشق الاقتصادي الذي يتحرج كثيرون من الخبراء في الخوض فيه لأسباب تتعلق بالحسابات والملائمات السياسية.

أما الشق السياسي فما نحن بصدده نموذج له. لذلك تمنيت أن يفتح الأبواب لا أن يغلقها، وأن يدعو إلى عدم التسرع في تحديد المواقف وإصدار الأحكام، وله أن يحتج لذلك بأن كل ملفات المستقبل مفتوحة وخاضعة للدراسة.

تمنيت أيضا ألا يعمم في إدانته واستهجانه للإسلام السياسي، وأن يلجأ إلى التمييز في الحديث عنه بين المعتدلين في صفوفه والمتطرفين. ولو أنه قال إن الظروف لم تنضج بعد لإجراء المصالحة لأن مضمونها وشروطها لم تتوفر بعد لكان أعدل. ولربما كان أحكم لو أنه رد على السؤال الخاص بوجود الإخوان ومستقبلهم بقوله إن في البلد قانونا من احترمه قبلناه ومن خاصمه خاصمناه.

لقد سمعنا صوت الجنرال عاليا، وأرجو ألا يطول انتظارنا لكي نسمع صوت السياسي، لأن ذلك مهم جدا لمصر قبل أن يكون مهما للإخوان

اخبار ذات صلة