ماكس فيشر – فوكس
يعود تاريخ صناعة الخرافات حول صفقة إيران إلى ما قبل الاتفاق نفسه. وعندما كان الاتفاق الفعلي لا يزال مجرد شيء تتطلع إليه عيون الوفد المفاوض، كان قد أعلن عنه سلفًا على أنه سوف يمثل على حد سواء حماية وسقوطًا لدول مختلفة مثل الولايات المتحدة و”إسرائيل” وسوريا، وحتى إيران نفسها. وفي حين كانت هناك بعض الحقائق في كثير من تلك الحجج؛ إلا أن هذه الحجج كانت تتألف في معظمها من التلاعب، والمبالغة، وغالبًا ما تضمنت درجة واضحة من اللامنطق.
وقد يكون من السهل أن تشعر بالضياع في خضم كل هذه الخرافات، وقد يكون من الصعب أيضًا أن تفصل بينها وبين ما تفعله هذه الصفقة في الواقع. (الجواب واضح ومباشر جدًا: إنها تحدٍ من البرنامج النووي الإيراني بهدف منع طهران من إنتاج القنبلة، وتفرض عمليات الرصد والتفتيش، وتمنح إيران الإغاثة من العقوبات).
وفيما يلي عدد قليل من الخرافات الأكثر شيوعًا حول صفقة إيران:
1- اتفاق إيران يمثل استسلامًا ذليلًا وسيجعل من السهل بالنسبة لإيران الحصول على قنبلة نووية:
قد تكون هذه النقطة هي المأخذ الأكثر شيوعًا ضد صفقة إيران. لقد كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ذِكْرها لعدة أشهر، وكذلك فعل بعض الجمهوريين.
هذه الحجة محض هراء، وهي في الواقع معاكسة تمامًا لما يحدث. لقد قبلت إيران بتخفيضات هائلة في برنامجها النووي، ناهيك عن عمليات التفتيش الغازية والمهينة سياسيًا.
وسوف تستطيع إيران الحفاظ على بعض الأشياء، بالتأكيد. ولكن الولايات المتحدة فازت فيما يتعلق بكل قضية رئيسة كانت تهتم بها حقًا، والنتيجة هي أن إيران سوف تسلم معظم برنامجها النووي. وهنا النقاط الحاسمة:
– سوف تتخلى إيران عن 14000 من أصل 20000 من أجهزة الطرد المركزي.
– سوف تتخلى إيران عن 97 % من اليورانيوم المخصب، وسوف تحافظ على ما قيمته 300 كيلوغرام فقط.
– سيتم منع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى ما بعد درجة وقود الطاقة، أو التخصيب بنسبة 3.67 %. (اليورانيوم المستخدم في الأسلحة يكون مخصبًا بنسبة 90 %).
– ستقوم إيران بتدمير أو تصدير أساس مفاعل البلوتونيوم في أراك واستبداله بأساس جديد لا يمكنه أن ينتج البلوتونيوم الصالح للأسلحة، وسوف تشحن إلى الخارج كل الوقود النووي المستنفد.
ومن المفيد هنا النظر في ما يقوله خبراء الحد من التسلح الحقيقيين من أن الصفقة جيدة جدًا في الحد من برنامج إيران النووي وتصب في صالح الولايات المتحدة. وعلى اعتبار أن الكثير من هؤلاء المحللين كانوا متشائمين في البداية، فقد تلقوا هذا الاتفاق بمثابة مفاجأة مرحب بها. وقال لنا خبير الأسلحة النووية هارون شتاين إن الصفقة “تجعل من قدرة إيران على تطوير سلاح نووي في الـ25 سنة القادمة أمرًا بعيد المنال للغاية”.
وباختصار، تجعل بنود هذه الاتفاقية من الصعب جدًا على إيران الحصول على قنبلة نووية. وهذا هو بالضبط ما سعت الولايات المتحدة للخروج به من هذه الصفقة، وقد حصلت عليه في النهاية.
2- الصفقة ستمهد الطريق لإيران لتحقيق الهيمنة الإقليمية أو العالمية
هذا هو الانتقاد الرئيس الثاني لصفقة إيران، ورغم أنه يقف على أرض أكثر صلابة بكثير؛ إلا أنه لا يزال كاذبًا في نهاية المطاف.
وتقول هذه الحجة ما يلي: إيران عازمة على توسيع هيمنتها في الشرق الأوسط (صحيح)، وهي تستخدم العنف والإرهاب وترعى مجموعات سيئة للغاية لتحقيق هذا الهدف (صحيح جدًا)، وسوف تستخدم كل قرش تحصل عليه نتيجة الإغاثة من العقوبات الاقتصادية في سبيل تعزيز هذه الأجندة العنيفة (ليس هذا صحيحًا جدًا).
يبدو من المرجح أن إيران سوف تنفق بعضًا من المال الجديد على حربها الباردة مع المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط. وسوف يزيد هذا من معاناة الإنسان في المنطقة، ومن الممكن أن يرفع درجة حرارة الحروب بالوكالة التي تشارك فيها إيران بالفعل.
ولكن، ليس من الصحيح أن إيران سوف تكرس كل قرش تحصل عليه بعد رفع العقوبات في زرع الفوضى في المنطقة. وفي الوقت الراهن، تذهب معظم ميزانية الدولة في اتجاه نفقات الإدارة الروتينية، مثل رواتب الموظفين الحكوميين وتكاليف الخدمات الاجتماعية. وليس هناك سبب للاعتقاد بأن تلك الأولويات سوف تتغير فجأة الآن.
وتتوقع وكالة المخابرات المركزية CIA نفسها أن إيران سوف تضع معظم الأموال الناتجة عن الإغاثة من العقوبات في الاقتصاد المحلي. المدنيون الإيرانيون هم بشرٌ أيضًا، وقد عانوا من ضائقة إنسانية حقيقية بسبب العقوبات.
وقد تكون تنبؤات CIA خاطئة، ولكن حتى النظرة المتشائمة التي تقول إن إيران سوف تضع أموالها في الأنشطة الشائنة، تعترف بأن هذا من الممكن أن يحدث حتى من دون صفقة إيران. وكما كتبت الباحثة في مركز بروكينغز “تمارا ويتس”: “التدخل الإيراني في مختلف أنحاء المنطقة سوف يزداد سوءًا في أعقاب صفقة إيران، ولكنه كان سيزداد سوءًا في كل الأحوال“.
ويجدر بنا هنا أن نتذكر أيضًا أن هذه المشكلة كانت ستصبح أسوأ بكثير في حال حصلت إيران على أسلحة نووية، وهو الأمر الذي كان سيمنحها قوة وغطاء عسكريًا أكبر مما قد يوفره أي مبلغ تحصل عليه نتيجة تخفيف العقوبات.
3- ستكون الصفقة بداية لإيران ألطف وأكثر ودًا
هذه هي الخرافة التوأمة للخرافة السابقة، وتقول إنه عند إزالة العقوبات سوف تصبح إيران أكثر ارتباطًا مع بقية العالم اقتصاديًا، وسوف يؤدي ذلك حتمًا إلى وجود حكومة إيرانية أكثر ودًا وأقل عدائية. ويشير أصحاب هذه النظرية إلى أن الحظر على كوبا وكوريا الشمالية لم يتسبب في نهاية الأنظمة المعادية في تلك الدول، وبالتالي فإن منع الدول من التواصل مع بقية دول العالم يجعلها أكثر تطرفًا، ويجب أن يجعلها الانفتاح أكثر ودية.
وفي حين قد يكون هناك بعض الحقيقة في هذه النظرية بشكل عام؛ إلا أن هناك الكثير مما تفتقده فيما يخص إيران على وجه التحديد. إن هذا الاتفاق النووي لن يؤدي لإنهاء صراع إيران من أجل الهيمنة الإقليمية، وهو ما يعني أن إيران لن تتوقف عن دعم الطغاة المتوحشين مثل السوري بشار الأسد أو الجماعات المتشددة العنيفة في شتى أنحاء الشرق الأوسط. وببساطة، ليس هناك سبب للاعتقاد بأن إيران قد تغير طموحاتها في الشرق الأوسط أو استعدادها لرعاية العناصر السيئة.
وليس العداء الإيراني للغرب شيئًا يمكن حله بسهولة كذلك. وكما أشار ستيف كول مؤخرًا، ينظر النظام الإيراني إلى عدائه لأمريكا كقيمة وركيزة أساسية للحفاظ على قوته. الاتفاق النووي لن يغير ذلك.
4- سوف يؤدي الاتفاق إلى عصر جديد من الازدهار والانفتاح لإيران
لا تنتشر هذه الخرافة في واشنطن، بل في إيران. لقد نزل الكثير من الإيرانيين إلى الشوارع عندما تم الإعلان عن الصفقة، وهو ما يعكس الاعتقاد واسع النطاق، والكاذب بشكل خطير، بأن الاتفاق النووي سيجلب نهاية سريعة لسنوات المعاناة الاقتصادية التي عانت منها البلاد في ظل العقوبات.
وقد كشف استطلاع حديث للرأي عن أن أغلبية الإيرانيين يتوقعون تحسنًا في مستويات المعيشة، وتحسنًا في فرص الحصول على الاستثمار الأجنبي، في غضون عام. ولكن الحقيقة هي أنه من المرجح أن يستمر الاقتصاد الإيراني في المعاناة لفترة طويلة. ويعد الاقتصاد الإيراني عالقًا بمشاكل مثل الفساد، وفخ الدخل المتوسط، والاعتماد الكبير على صادرات النفط والغاز الطبيعي. ومن الصعب حل هذه المشاكل، وإذا كان من الممكن حلها؛ فإن فعل ذلك سوف يستغرق سنوات من العمل.
وسوف يتوقف نظام العقوبات فقط، ولن يُلغى تمامًا، لسنوات قادمة. وخلال هذا الوقت، من الممكن أن تعود العقوبات إذا ما خالفت إيران شروط الاتفاق النووي. وهذا يعني أن إيران لا تزال في مكان خطر بالنسبة للاستثمار، وستكون الشركات الأجنبية التي سوف تستثمر الأموال في البنية التحتية أو في الاستثمارات على المدى الطويل عرضة لخطر فقدان تلك الأموال إذا ما عادت العقوبات.
وحتى في حال توفر الاستثمار الأجنبي، سوف يحتاج الاقتصاد الإيراني وقتًا طويلًا لزيادة إنتاجيته. وفي هذه الأثناء، سوف تواجه الشركات الإيرانية منافسة من الشركات الأجنبية التي ستكون لديها إمكانية الوصول إلى أسواقها. وفي حين سيكون هذا الأمر جيدًا بالنسبة للمستهلكين الإيرانيين؛ إلا أنه قد يشكل عائقًا صعبًا بالنسبة للشركات المحلية.
وتخاطر هذه الخرافة بما هو أكثر من إصابة الإيرانيين الذين يؤمنون بها بخيبة الأمل. وكان أحد الأسباب التي جعلت الاتفاق النووي يتحقق، برغم كل التنازلات المؤلمة والمذلة التي كان قد طلب من إيران تقديمها، هو أن الطلب الشعبي على الاتفاق كان عارمًا جدًا؛ وقد أعطى هذا للمعتدلين في إيران القوة السياسية التي كانوا يحتاجونها للتغلب على المتشددين الذين يعارضون الصفقة. وعندما سيبدأ الإيرانيون العاديون إدراك أن الاتفاق لن يقود لتخفيف الضغوط الاقتصادية بين عشية وضحاها، قد يفقدون الحماس للصفقة أو حتى يقومون بالانقلاب عليها. ومن الممكن أن يضع الإيرانيون المزيد من المتشددين في البرلمان المنتخب، وقد يقوم هؤلاء الأعضاء بدورهم بالغش فيما يتعلق بالصفقة أو تحديها صراحة.
5- ستكون إيران قادرة على منع تنفيذ الصفقة
منذ الإعلان عن الصفقة، زعم عدد من النقاد أنها لن تكون فعالة؛ لأن إيران ستكون قادرة على التملص من نظام الرصد، أو لأنها سوف تكون قادرة على منع إعادة فرض العقوبات، أو لكليهما. ووفقًا لهذه النظرية، حصلت إيران على شيء مقابل لا شيء؛ حيث إنه سوف يتم رفع العقوبات الحالية عنها. ولكن، ومع القليل من الحظ والتلاعب، سيكون الإيرانيون قادرين على الحصول على قنبلتهم على أي حال.
ولكن، عند النظر في كيفية هيكلة هذه الصفقة، يصبح من الواضح أن هذه الحجة غير صحيحة. ويقول خبراء الحد من التسلح إن نظام التفتيش هو أقوى عنصر من عناصر الصفقة. وسوف يقوم المفتشون بمراقبة المرفقين؛ حيث يمكن لإيران الحصول على اليورانيوم الخام اللازم لصنع قنبلة نووية، والأماكن حيث تتم معالجته. وسوف تشمل مراقبتهم أيضًا جميع عمليات الطرد المركزي في البلاد، فضلًا عن مصانع الطرد المركزي، والآلات التي يمكن استخدامها في صنع أجهزة الطرد المركزي، وحتى واردات التكنولوجيا التي يمكن أن تستخدم في بناء آلات من الممكن استخدامها في بناء أجهزة الطرد المركزي. ووفقًا لشتاين، إذا حاولت إيران الغش فيما يتعلق بالصفقة؛ “فإن احتمال الإمساك بها قريب من نسبة 100 %”.
وفي حال لم يتم القبض عليها، فإن الصفقة مصممة بطريقة تجعل العقاب سريعًا وشبه مؤكد. وإذا ما كان أحد أطراف الاتفاق يعتقد بأن إيران تمارس الغش، فسيكون بإمكانه أن يذهب إلى لجنة مشتركة من المسؤول عن تنفيذ الصفقة، أولًا. وإذا لم يكن راضيًا عن قرار اللجنة، سوف يكون بإمكانه أن يذهب إلى مجلس الأمن، ويمكن للولايات المتحدة استخدام حق النقض ضد أي قرار هناك؛ وهو ما يسمح لها على نحو فعال بإجبار الأمم المتحدة على إعادة فرض عقوبات جديدة.
وينطبق هذا السيناريو أيضًا إذا ما حاولت إيران منع المفتشين من الوصول إلى مواقعها مثلًا. وتستطيع إيران فعل ذلك بالتأكيد، ولكن هذا سوف يعد نسفًا للاتفاق، وسوف يثبت بشكل فعال أن إيران تغش دون حتى وجود حاجة لإلقاء القبض عليها متلبسة بالجرم المشهود. وكان هذا الأمر نفسه قد أثار غضب العالم عندما حاول الرئيس العراقي السابق صدام حسين فعله في عام 1998، وهو ما أدى إلى قصف بلاده بعد ذلك بوقت قصير.
6- الاتفاق يجعل من المستحيل فعليًا أن تصنع إيران قنبلة نووية
هذه هي الخرافة المفضلة لدى إدارة أوباما. وتقول ورقة الحقائق التي أصدرهها البيت الأبيض حول صفقة إيران إن الاتفاق “سوف يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي“، وإنه سوف “يسد كل المسارات الإيرانية المحتملة للوصول إلى قنبلة“.
ومن الصحيح بالتأكيد أن هذه الصفقة تحقق الكثير من ذلك، وتصعب على إيران امتلاك قنبلة نووية. سوف تتخلى البلاد عن أغلب أجهزة الطرد المركزي، وعن معظم مخزونها من المواد النووية، وسوف تضع كل ما تملك تحت أعين المفتشين. ولكنها في الوقت نفسه ستبقى تمتلك كميات صغيرة من كل من هذه الأشياء، وسوف تبقى دولة ذات سيادة.
ووفقًا لتقديرات البيت الأبيض نفسه، سوف تمدد شروط هذه الصفقة “وقت الاختراق” بالنسبة لإيران من ثلاثة أشهر إلى نحو عام. ويعد هذا النبأ عظيمًا إذا ما كنا نرغب في منع إيران من امتلاك قنبلة نووية. وفي تلك السنة، سيكون لدى العالم ما هو أكثر مما يكفي من الوقت لاكتشاف ما تقوم به إيران، والاستجابة له.
ولكن، وفي حين أن مدة عام أطول بالتأكيد من مدة ثلاثة أشهر؛ إلا أنها لا تزال أقل من الأبد. وفي حين أن جعل مسار إيران في تجاه الحصول على القنبلة يستغرق وقتًا أطول بكثير، ومراقبًا بطريقة أفضل، وأكثر خطورة على طهران، يهدف إلى ردع البلاد من اتخاذ هذا المسار؛ إلا أنه ليس من الصحيح القول بأنه قد تم “منع” هذا المسار تمامًا. وسوف يبقى منع إيران من الغش مسؤولية ثابتة بالنسبة للمجتمع الدولي.
وحتى إذا ما تحقق التقييم الأكثر تفاؤلًا لخبراء الحد من التسلح، الذين يميلون لرؤية أن الاتفاق سيُبقي الأمور جيدة لمدة 25 عامًا، وهذا هو السبب في أن شتاين قال لنا إن “هذا من شأنه أن يدفعنا إلى عام 2040، إنه ليس حتى قضية الرئيس القادم“، يبقى هذا التقييم الأكثر تفاؤلًا غير ساري المفعول إلى الأبد.
إنه أكثر من 10 سنوات، وبالتأكيد أكثر من التأخير لمدة عامين الذي سيتحقق في حال قصف المنشآت النووية الإيرانية. ولا تزال هذه الصفقة ذات مغزى بالتأكيد، ولكنها لا تمنع جميع المسارات أمام إيران للحصول على قنبلة نووية. لا ينبغي علينا أن نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأنه قد تم حل هذه المشكلة إلى الأبد.