تقرير: خولة سليمان
حصد طالب الدكتوراه، المبتعث السعودي بالولايات المتحدة الأمريكية “د. معاذ عبدالله الخلف”، في ثاني أيام عيد الفطر المبارك، على جائزة أفضل رسالة دكتوراه على مستوى العالم في هندسة البرمجيات لعام 2015.
وكتب “الدكتور معاذ”، تغريدة له على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، يُعلن فيها أنه تلقّى رسالة من جمعية الحاسبات الأمريكية، تُخبره بفوزه بالجائزة لعام 2015.
ثم سرد الدكتور “معاذ الخلف” في عدة تغريدات متتالية تجربته مع المرض العضال الذي ألمّ به أثناء دراسته، ومساندة زوجته السيدة “بنان” له، حتى تمكّن بفضل الله من إتمام الرسالة، والحصول على الدرجة.
و بدأ حديثه قائلاً، إنه شعر ببعض التوعك وآلام في ظهره ورقبته، في أواخر عام 2012، وذلك بعدما قام بنشر ورقتي بحث علمي، وأداء الاختبار ما قبل الأخير للدكتوراه.
ثم زادت الآلام وصاحبها ضعف عام منعه من الوقوف أو الجلوس، مما تسبب في عدم قدرته على العمل في رسالته أو الذهاب إلى الجامعة.
ثم ذكر دعم مشرفه الكبير له، مؤكدًا أنه طالبه بالبحث الجدّي عن علاج في مستشفيات كاليفورنيا:
وتحدث عن العبء الكبير الذي كان واقعًا على عاهل زوجته، حيث الاهتمام بالأطفال ورعاية المنزل، في الوقت الذي كان فيه ملازمًا للفراش.
وقال إن مطاف البحث عن علاج، انتهى به في مستشفى UCLA الشهير بكالفورنيا، حيث شخّص الأطباء حالته على أنها تصلّب شديد في العضلات ونشاط مفرط في الأعصاب.
ومن ثمّ أخبروه بأنه لا يوجد علاج لهذه الحالة سوى المواظبة على العلاج الطبيعي، والتي قد تمتد لسنوات، قبل أن يظهر مفعولها. ثم ذكر أن التمارين كانت أصعب من أن يؤديها، وتحوّل به الأمر إلى شبه مقعد، لا يستطيع الجلوس إلى طاولة الحاسب من أجل العمل.
وبدأ الأقارب والأصدقاء، في الإدلاء بدلوهم وأن ما أصابه، لا بد أنه ناتج عن “عين” شديدة أو سحر، وطالبوه بطرق أبواب العلاج عند المتخصصين في علاج ذلك النوع. لكنه وبفضل تربية والده له على التوازن السليم بين الطب الحديث والإيمان بالغيبيات وما مرّوا به خلال إصابة أخيه بسرطان الدم قبل أن يُنعم عليه الله بالشفاء، لم يسر في هذا الطريق الذي يعلم أنه لا عودة منه.
ثم ذكر أنه وبعد مُضي أربعة شهور على هذا الوضع، تشاور مع زوجته في اتخاذ القرار.. وهل يكتفي بهذا القدر، ويعود إلى المملكة بدرجة الماجستير؟
لكنهما ارتأيا أن الرجوع من هذه النقطة، يعد خسارة فادحة، وقررا الاستمرار حتى الحصول على درجة الدكتوراه بأي طريقة وبأي ثمن.
ثم نصح المبتعثين وطلّاب العلم في الخارج بألا ييأسوا مهما عاندتهم الظروف، مؤكدًا لهم أن الكل مرّ بنفس الظروف وربما أسوأ، لكن الشجاعة والمثابرة، هي التي تصل بالطالب حتى خط النهاية.
وحكى د. معاذ الخلف، أنه طلب من زوجته الفاضلة أن تعود للمملكة بالأولاد، على أن يتكفل هو بأموره، لكنها رفضت رفضًا قاطعًا. الموقف الذي يجلّه عظيم الإجلال لها ويقول أنه لن ينساه أبدًا.
في هذه الفترة، كان قد اتفق مع المشرف على العمل من البيت، وتقليص مرات زيارته للمشرف إلى مرة أو اثتنين في الشهر حسب استطاعته الجسمانية.
ثم قام بنشر صورة للطريقة التي توصل إليها عبر البحث في الإنترنت عن طريقة للعمل من الفراش.
ثم أشار إلى المنحة التي كانت في ثنايا المحنة، حيث تفرّغ بسبب مرضه إلى العمل المتواصل والدؤوب، فارتفعت إنتاجيته العلمية بشكل مذهل، ليكتشف أن العمل الجاد المتواصل أهم بكثير من الموهبة. كما أن ابتعاده عن المشرف، أجبره على اتخاذ القرارات المهمة بنفسه أثناء العمل والبحث، الأمر الذي عزّز من ثقته بنفسه كباحث مستقل. وأشار إلى أن الثقة في القدرة على اتخاذ القرار هو ما ينقص الطالب السعودي خاصة عندما يخالط علماء كبار ذوي أسماء معروفة في مجال التخصص.
ثم توجّه بالشكر إلى التأمين الطبي إلى ملحقية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية الذي مكّنه من زيارة 11 طبيبًا في رحلة البحث عن علاج.
ثم ذكر أن الطبيب الأخير، هو الذي أشار عليه بزيارة الطبيبة “جوليا”، من أجل إعادة التأهيل PMR، والتي فحصته ثم حوّلته إلى معالج طبيعي متخصص.
وحكى أن المعالج الطبيعي “السيد فينس” سأله مباشرة عندما التقاه ورأى حالته: هل تؤمن في أنك ستتحسن؟ إن كان الرد بـ “لا”، فأرجو منك المغادرة.
ليبدأ د. معاذ الخلف، رحلة العلاج، عن طريق كورس علاج طبيعي خاص في الماء، صُمم من أجل حالته، استمر طوال 9 أشهر. بعدها تمكّن من مناقشة الرسالة والعودة إلى المملكة.
وأشاد “الخلف” بــ “السيد فينس”، الذي يعود إليه الفضل بعد الله عز وجلّ، في تحسن حالته الصحية، والوقوف مرة أخرى على قدميه، وذكر أنه -اعترافًا بفضلهما- وجّه إليه وإلى الدكتوره “جوليا” شكرًا خاصًا في مقدمة رسالة الدكتوراه.
ثم أخذت حالته في التحسن التدريجي، وفي 2014، استطاع الذهاب إلى الجامعة بشكل منتظم مكّنه من نشر ورقته البحثية الأخيرة، التي تم قبولها في مؤتمر علمي. ومن ثَمّ تفرغ لإكمال كتابة الرسالة وناقشها في مايو 2014.
وبرغم اعتماد كل المشرفين والممتحنين للنتيجة، إلا أن المشرف الرئيس “د. تفيك” رفض التوقيع عليها، وأكّد لـ “الخلف” أن الرسالة متميزة وقد تفوز بجائزة، وطالبه باستكمال البحث وتحسين النتائج.
وقال أن “د. تفيك” لم يوقّع على الرسالة حتى قبل ساعتين من موعد تسليمها النهائي في 13 يونيو/حزيران الساعة السادسة مساء -بعد شهر من المناقشة- بعدما راجعاها سويًا ما لا يقل عن 5 مرات.
ثم ذكر “د. معاذ الخلف” الدرس العظيم الذي لقّنه له أستاذه ومشرفه “د. تفيك”، وأهمية إتقان العمل وبذل كل جهد ممكن من أجل تحسين النتائج والارتفاع بمستوى البحث.
ثم أشار إلى فوز زميله في جامعة كاليفورنيا، “د. أحمد المهيري” من الإمارات، بجائزة أفضل رسالة دكتوراه في العلوم الطبيعية. كما تقدّم بالشكر والامتنان، لرفقاء الدراسة والغربة، الذين ساعدوه وعاونوه أثناء محنته المرضية:
ولم ينس “د. معاذ الخلف” أن يشكر أستاذه الأول، د. خالد الغنيم الذي أشرف على أول بحث قام به “الخلف” كمشروع للتخرج في جامعة الملك سعود، والذي فاز بجائزة الملك عبدالعزيز لرعاية الموهوبين مناصفة مع بحث آخر لزميله “عبدالله الشعلان”.
وفور انتشار خبر فوز “د. معاذ الخلف” بهذه الجائزة الرفيعة، تداول المغردون السعوديون والعرب الخبر، مهنئين إياه ومتمنين له دوام التوفيق. وقاموا بإعادة تغريد ما ذكره في رحلة الدراسة والتغلب على محنة المرض، مطالبين المبتعثين السعوديين بأن يحتذوا بمعاذ، الذي حقق إنجازًا كبيرًا بالرغم مما ألمّ به. وأن يعتبروه مثلًا أعلى.
كما أطلقوا وسمًا تحت عنوان (#ألف_مبروك_لمعاذ_الخلف) من أجل تهنئته والدعاء له بأن يُتم الله عليه لباس الصحة والعافية، وعبّروا فيه عن فخرهم به وبما وصل إليه.
حساب المبتعثين السعوديين في بريطانيا، نشر الخبر، متفاخرًا بما تحمّله الدكتور معاذ الخلف من مشاق وصعوبات، مؤكدين أن قصته واحدة من أعظم قصص النجاح.
“خالد العلكمي” يشيد به ويقول إن بأمثاله من القامات العلمية وذوي الإرادة الحديدية، تفتخر الأوطان.
الكاتب “طلال حمزة” يبارك للمملكة حصول أحد أبنائها على هذه الجائزة الرفيعة ويقول إن “معاذ الخلف” عايد الوطن بهذه الجائزة وهذا الإنجاز.
الشيخ “عادل الكلباني” يبارك لمعاذ، ويشكر مغردي موقع “تويتر” الذين تداولوا التغريدات فعرّفوا العالم بإنجاز “معاذ”
“متعب القحطاني” يقول إن الإنجاز الذي حققه “معاذ” يفند أسطورة المستحيل.
كما تداول المغردون أيضًا، مقاطع فيديو لمناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة به، والفائزة بأفضل بحث في مجال هندسة البرمجيات على مستوى العالم.
و “د. معاذ الخلف”، أستاذ مساعد بقسم علوم الحاسب في كلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الملك سعود.
– حاصل على شهادة الدكتوراه من قسم علوم الحاسب في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، في تخصص التحقق من البرمجيات (Software Verification) عام ١٤٣٥ هـ – ٢٠١٤ م.
– حاصل على شهادة الماجستير من قسم علوم الحاسب في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا في تخصص التحقق من خدمات الشبكة العنكبوتية (Verification of Web Services) في عام ١٤٢٩ هـ – ٢٠٠٨ م.
– حاصل على شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى من قسم علوم الحاسب في جامعة الملك سعود في عام ١٤٢٣ هـ – ٢٠٠٣ م.
– كما قام بنشر 11 ورقة بحثية علمية، بالاشتراك مع باحثين آخرين في الفترة من 2008، وحتى 2014.