واشنطن بوست
دور المال في السياسة يتحدى جميع أنحاء العالم، سواء الدول الغنية أو الفقيرة. ويثير استخدام المال مشاكل الكسب غير المشروع والفساد والمحسوبية، التي تقوّض الشرعية والحكم. وفي السنوات الأخيرة، انتشرت الفضائح المالية في جميع أنحاء العالم.
وفي بريطانيا، قدّم أمين صندوق حزب المحافظين 250 ألف جنية إسترليني؛ من أجل الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء. وفي ألمانيا، ضرب الفساد البلاد خلال السنوات الأخيرة للمستشار هيلموت كول.
وفي البرازيل، قدّم كبار الساسة أموالًا سرية مقابل الحصول على الدعم. وفي أستراليا، تنحى أعضاء الحزب الليبرالي الذي يرأسه رئيس الوزراء عن مناصبهم بعد جمع التبرعات غير المشروعة. وفي شيلي، هزّت مزاعم الفساد الأخيرة المؤسسة السياسية في البلاد.
ومع ذلك، فإنّ المال ضروري من أجل الحشد الجماهيري في الحملات الانتخابية، واستمرار المنظمات الحزبية السياسية، والتواصل مع المواطنين، وفي بلدان، مثل السويد، تمكّنت الحكومة من تجنب الوقوع في المخالفات المالية، والكسب غير المشروع.
إذن؛ كيف يمكننا تنظيف السياسة بطريقة أكثر فعالية؟ أدلة جديدة بشأن هذه القضية متوفرة في التقرير المقارن ومجموعة البيانات الصادرة عن ومشروع المال والسياسة والشفافية، من منظمة النزاهة المالية العالمية، ومؤسسة “صن لايت”، ومشروع النزاهة الانتخابية في جامعة هارفارد وجامعة سيدني.
يجادل خبراء الانتخابات في جميع أنحاء العالم بأنّ التمويل السياسي هو أحد المشاكل الرئيسة التي تواجه الأحزاب السياسية والمرشحين خلال الحملات الانتخابية، كما تلحق اللوائح غير الفعّالة الضرر بالنزاهة الانتخابية في جميع أنحاء العالم. ويقارن التقرير بين كيفية معالجة هذه المشكلة في الاقتصاديات الناشئة المختلفة مثل الهند والمكسيك وجنوب أفريقيا وروسيا، وكذلك في الديمقراطيات الراسخة، مثل بريطانيا واليابان والسويد والولايات المتحدة.
بحث مشروع المال، والسياسة والشفافية في ثلاثة أسئلة حاسمة: كيف تحاول الدول في جميع أنحاء العالم تنظيم دور المال في السياسة؟ ما الذي يحرك الإصلاحات الرئيسة؟ وما هي الطرق الناجحة والفاشلة، ولماذا؟
يقدم موقع المشروع الأدلة من المؤشرات المالية السياسية، مقارنة مع أكثر من 50 دولة في جميع أنحاء العالم. ويصف التقرير الجديد حول سجلات الانتخابات دراسات الحالة لإصلاحات تمويل الحملات الانتخابية في الدول من جميع مناطق العالم.
كيف تنظم الدول المال في السياسة؟
تشمل السياسات التي تنظم دور المال في السياسة متطلبات الإفصاح، وحدود المساهمة، وسقف الإنفاق والدعم الحكومي. وفي معظم الحالات، يتم الجمع بين هذه الاستراتيجيات.
وتتراوح الدول في مختلف أنحاء العالم داخل طيف يمتد من الحرية المطلقة إلى التنظيم الشامل. وتعكس قواعد الشفافية الدور الأدنى للدولة. وتتدخل حدود المساهمة والإنفاق بشكل مباشر في توفير منافسة حزبية عادلة والحد من مخاطر الفساد. التمويل العام، الذي يعتمد بشكل مباشر على الدولة، هو أقوى نموذج لتدخل الدولة. كما يعكس المزيج من السياسات التنظيمية أقصى حد من تنظيم الدولة.
توضح بيانات المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات أنّ بعض الدول مثل جنوب أفريقيا والسويد والهند لديها المزيد من سياسات الحرية المطلقة، في حين أن البرازيل وأندونيسيا وروسيا هي دول أكثر تدخلية. ولكن المزيد من السيطرة القانونية ليست جيدة بالضرورة؛ إذ يتم خلط النتائج.
على سبيل المثال، أدت الإصلاحات اليابانية خلال تسعينات القرن الماضي إلى خفض تكاليف الانتخابات وتوسيع المنافسة السياسية. لكن قوانين التمويل السياسي الصارمة في روسيا رسّخت الاستبداد الانتخابي، وعلى النقيض من ذلك، رسّخت قوانين التمويل السياسي المتراخية في جنوب أفريقيا هيمنة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
توضح الخريطة أدناه درجة التنظيم الحكومي للتمويل السياسي في مختلف أنحاء العالم. البلدان التي تتمتع بمزيد من القوانين الرسمية ليست بالضرورة أقرب إلى تحقيق تكافؤ الفرص في المنافسة الحزبية، والمزيد من الشفافية أو الحد من الفساد. أصبحت الأسباب واضحة إذا قارنا بين عدة أنواع نموذجية من الإصلاحات.
كانت متطلبات الشفافية من بين الإصلاحات الأكثر شيوعًا في العقد الماضي. ولكن في كثير من الأحيان يتم تطبيق قواعد الإفصاح بشكل غير متسق. وتستخدم منظمة النزاهة العالمية الخبراء لبناء مؤشرات سياستها المالية التي تغطي 54 دولة حول العالم. وتشير النتائج إلى أن 8 من أصل 10 من البلدان لديها قوانين تشترط على الأطراف أو المرشحين تقديم تقارير المساهمة والنفقات. ولكن في الواقع، هذا نادرًا ما يحدث أثناء فترات الحملة الانتخابية، حيث يكون الجمهور غير قادر على الوصول إلى الكثير من المعلومات لمراقبة الهيئات الحكومية.
وفي كثير من الأحيان، تقوّض القيود المفروضة على المساهمات والنفقات من خلال الثغرات القانونية. على سبيل المثال، غالبًا ما تحد القوانين من كمية الأموال التي يمكن أن يتبرع بها الفرد مباشرة إلى حزب سياسي أو إلى أحد المرشحين، ولكن ليس كلاهما. هناك ثغرات أخرى مشابهة فيما يتعلق بالتبرعات مجهولة المصدر والشركات، وفي كثير من الحالات تفشل حدود الإنفاق أيضًا في سد هذه الثغرات. وعلاوة على ذلك، عدد قليل من البلدان تنظم الإنفاق الانتخابي من قِبل المنظمات غير الربحية، والنقابات، والمجموعات المستقلة، حيث يعتبر هذا نشاطًا خاصًا في المجتمع المدني.
لقد اعتمدت الدول قوانين التمويل والدعم الحكومي للحد من الاعتماد على المانحين من القطاع الخاص والزمرة المتضائلة من أعضاء الحزب. ولكن من الناحية العملية، يمكن تخصيص الأموال بشكل غير عادل.
ما هي الطرق الناجحة، ولماذا؟
تعتمد القوانين الفعّالة على قدرات الإنفاذ، والإرادة السياسية، والهيئات الرقابية المستقلة. وللأسف، في كثير من الأحيان تتم إعاقة هيئات الرقابة من خلال عدم وجود التعيينات على أساس الجدارة، والقيادة المستقلة والقدرات الفنية، وعدم وجود سُلطة. كما تعيق التعيينات الحزبية، وعدم كفاية الموظفين والميزانية، وعدم وجود سُلطة قانونية موضوعية هيئات الرقابة في بلدان مختلفة مثل الولايات المتحدة ورومانيا ونيجيريا وروسيا.
لا توجد سياسة واحدة يمكن أن تسيطر على دور المال في السياسة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التمويل العام بلا حدود الإنفاق أو المساهمة إلى حملة سباق تسلح مالية. كما أنّ متطلبات الإفصاح دون سقف الإنفاق أو تمويل عام عادل قد يؤدي إلى تآكل الثقة العامة في العملية الانتخابية. لذلك؛ فمن الأفضل استخدام مزيج متوازن من القوانين التي تناسب كل بلد.
وغالبًا ما تتطلب السياسات المفاضلة بين القيم، مثل أهمية حرية التعبير مقابل وجود مساحة منافسة متكافئة لجميع الأطراف.
يمكن أن يؤدي التنظيم المتراخي إلى ارتفاع تكاليف الحملة، والفساد، والمحسوبية، وسياسات الفائز يأخذ كل شيء. بعد لكنّ التنظيم المفرط يمكن أن يؤدي إلى السعي وراء الثغرات القانونية وترسيخ النخب السياسية.