شمس نيوز / عبدالله عبيد
رغم مرور 66 عاما على تشرده من "كُوكبة" المهجّرة، لا زالت ذاكرة الحاج أبو زياد مطر (82) عاما، مثقلة بصفحات كتبها بمداد تجاعيد وجهه التي تشبه إلى حد كبير تضاريس فلسطين المسلوبة.
"أبو زياد" الذي يسكن الآن في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، رجع بذاكرته سبعة عقود إلى الوراء، حين كان في الخامسة عشرة من عمره، ليروي لـ"شمس نيوز" مأساته التي يشترك فيها مع مئات آلاف الفلسطينيين المهجّرين.
يقول الحاج مطر: حياتنا كانت بسيطة، الكل بيفلح ويزرع ويحرث أرضه، نربي فيها المواشي ونأكل منها، فكانت الأرض تمثل إلنا الوطن والاستقرار، كانت كل حياتنا فيها".
ويضيف، وفي عينيه تترقرق دمعات يحبسها قهرا: أنا كنت أساعد أبوي الحاج حسن في زراعة أرضه، وبجانبه أخوتي محمد وعبد، وأنا أصغر واحد فيهم، وفي الوقت إللي كنت أروح على الجامع أدرس عند الشيخ أبو صالح، وهو أستاذ قريتنا، ما كنت أروح فيها على الأرض، بس كنت أحب أكون مع أبوي في الأرض".
ويروي الحاج الثمانيني تفاصيل زواج شقيقه محمد "أبو جميل" عام 1945م، الذي حضرت عروسه من مدينة يافا، وتم زفافهما بالقطار.
ويردف بالقول: أخذ مختار العيلة العروسة من محطة القطار، وركبها على الحنطور، كنا ملبسينه زينة، ووصلها على دار العريس، وفي الحارة كنا مجهزين الزينة، وهي عبارة عن ورق شجر العنب، وبعض الأشجار الأخرى"، مشيراً إلى أن نساء ورجال القرية أجمع شاركوا في الفرح.
ويتابع مطر: السهرة كانت ثلاثة أيام على البيادر، وكان رقصنا عبارة عن دبكة ودحيّة"، مبيّناً أنه بعد الفرح يقدم نساء القرية على بيت أهل العريس، فيأتون بالحمام والبط والبيض البلدي ويقدمنه للعرسان".
ويذكر أن الحرب على قرية "كوكبة" بدأت عام 1947، بعد اعتداءات كثيرة من قبل عصابات الصهيونية سبقت تهجير أهلها بسنين.
وقال "أبو زياد" : النسوان باعوا ذهبهم واشتروا البواريد(السلاح) عشان يواجهوا المحتل".
وأشار الحاج أبو زياد إلى أن عصابات اليهود وكانت تسمى "الهاجاناة" كانت تدخل يومياً على أراضي الفلاحين وتقوم بمضايقتهم، واقتلاع الزرع الذي يزرعونه.
وقال: بتذكر إنه دخلت سيارة للهاجاناة قريتنا ووقفوا على الأسفلت، فواحد من رجال القرية كان معه بارودة، وكل قرية فيها عشر بواريد، وقتل يهودي منهم وهرب"، منوهاً إلى أن عصابات الهاجاناة آنذاك قامت باقتحام القرية بأكملها.
وتابع الحاج مطر قوله: قعدوا أسبوع واحد وهم يشردوا فينا ويطردونا من بيوتنا، وطلعنا أنا وأهلي من البلد للمجدل، قعدنا فيها من أسبوع لعشر أيام، وزادوا اليهود من وحشيتهم وتعذيبهم على الفلسطينيين، وكانت الطيارات تقصف كل مكان ما ترحم حدا".
ولفت إلى أنهم توجهوا لمخيم جباليا شمال مدينة غزة، ومن ذلك الوقت لم يستطيع زيارة قريته "كوكبة"، ليبقى في جباليا 66 عاماً تحت مسمى لاجئ.
ووجه الحاج أبو زياد مطر كلمته لـ"شمس نيوز" قبل أن تغادره: كوكبة بالنسبة لي تعد كل شيء، حتى أحلامي اللي بحلمها على مدار ثمانين سنة كلها من أيام البلاد، وبتمنى قبل ما أموت أشوفها وأشم ريحة أرض أبوي، وأموت وأندفن فيها".
و"كوكبة" هي إحدى القرى الفلسطينية، وكانت تسمى قديما "خربة كوكبة"، تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، وتبعد عنها 25 كم، وترتفع 100م عن سطح البحر.
وتبلغ مساحة أراضيها 8542دونما، وتحيط بها أراضي قرى عراق سويدان، والفالوجة، وبيت طيما، وحليقات، وبربر، والمجدل.
واحتل الجيش الإسرائيلي القرية أول مرة في 14 حزيران يونيو 1948، شردوا منها سكانها على مراحل.
في سنة 1950 أسست مستعمرة كوخاف ميخائيل (118115) على أراضي القرية, إلى الجنوب الشرقي من موقعها.
وتغطي أشجار الجميز وشوك المسيح الموقع. ولا تزال الطريق القديم يرى بوضوح بالإضافة إلى الحيطان المتداعية والأنقاض وذلك في جزء من الموقع تغطيه الأحراج. أما الأراضي المجاورة فيستغلها المزارعون الإسرائيليون.
ذكريات النكبة والهجرة ما زالت حاضرة وبقوة في أذهان أبو زياد ورفاقه الذين في جيله، ويبقى تساؤل أبو كمال: هل سيأتي اليوم الذي ما زلت أنتظره منذ ما يزيد عن ستة عقود ونصف وهو العودة إلى كوكبة.. أم أن الموت أسبق؟
ويعتبر الخامس عشر من مايو يوماً وطنيا للفلسطينيين يحيون فيه ذكرى نكبتهم الأولى التي تزامنت عام 1948م، التي طُرد وشرد فيها نحو 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم وتحولوا إلى لاجئين لصالح إقامة الدولة اليهودية "إسرائيل"، حيث تم هدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية.