غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الحاجة (أمينة جبر) لا زالت تكحّل أحلامها بالعودة إلى "الجيّة"

شمس نيوز/خاص

" كنّا عايشين من خيرات هذي الأرض يا ستي، وبنطّلع رزقنا ورزق أولادنا ونبيع منها، وإلى كانوا ييجو يزورونا نعطيهم منها قمح وذرة وشعير، وكنت من الصُبحية أجهز الفطور لزوجي وأروح عنده على الأرض، وكانوا الجيران يساعدونا لم نقطف الثمر" بهذه الكلمات رسمت الحاجة أمينة جبر (85) صورة مصغرة لطفولة بطعم برتقال "الجيّة"، تلك القرية الصغيرة التي اغتصبتها عصابات اليهود إبان نكبة الفلسطينيين عام 1948".

واستحضرت الحاجة أمينة خلال كلامها، خيرات وجمال قرية "الجية"، لتضيف: أيام البلاد وقبل النكبة كان إلنا أرض زراعية مليانة شجر عنب وتين وحمضيات، كنا نزرعها ونحصدها دايماً والخير يعم على الكل".

وتابعت بالقول بعد تنهيدة طويلة، وكأنها لا زالت تعيش تلك اللحظات: هداة البال إللي كنا فيها ما كان حدا فيها، كل أهل القرية متعاطفين مع بعضهم ونتعاون سوا حتى كنا أسرة وحدة".

تصمت برهة لتعاود مغازلة قريتها الوادعة: كان لكل عيلة ديوان بعد صلاة العشاء بيروحوا عليه الرجال، بيتحدثوا وبيتسامروا وكانون النار وبكرج هالقهوة حواليهم، وكانوا يحكوا لبعض مشاكلهم ويسلوا بعض بالحواديت" بحسب التعبير اللفظي للحاجة جبر.

وأوضحت الحاجة الثمانينية أنه في آخر السنوات قبيل النكبة بدأت العصابات الصهيونية بالتحرش في أراضي قرية "الجية"، "كانوا يجونا واحنا بنزرع الأرض يتمسخروا علينا، ويخربوا الزرع ويقلعوه، كانت عربدتهم كثيرة حتى إنهم كانوا يخبطوا على الثمر إللي كنا نقطفه برجليهم".

وتكمل حديثها: في هذي الأوقات أهالي الجية شروا السلاح من حر مالهم وباعوا ذهب نسوانهم، عشان يدافعوا عن حالهم وعرضهم وأراضيهم، لأنه اليهود صاروا يشكلوا خطر كبير علينا".

وتروي الحاجة أمينة لنا قصة دخول العصابات الصهيونية لبلدتهم، عندما كانوا يتناولون الغذاء وقت الظهيرة، لتتفاجأ بأن الكثير من أهالي قريتها قد لاذوا بالفرار بعد مهاجمة اليهود لهم، وإذ بصوت من أحد أبناء القرية "أخذونا اليهود.. طوّكوا البلاد والناس كاعدة بتهرب.. أخذونا اليهود.. أخذونا اليهود", حسب الحاجة أمينة.

ببحة صوتها تتهدج ألماً ويستحضر تلك اللحظات، تتابع حديثها: أجوا اليهود يمسكوا بالرجال ويحكولهم اطلعوا من البلد واللي ما راح يطلع حنقتله، وفى عدد من الأهالي ما رضيت تطلع وقتلوا كثير منا يا ستي" وتوجه القول بـ"يا ستي" لمراسل "شمس نيوز".

وتكمل الحاجة جبر: ما بنسى أنو زوجي ما رضي يطلع، وضل قاعد في الأرض، فواحد من اليهود أخد ابني وهددوا زوجي، وحكالو إذا ما بتطلع رح اقتلوا، وأنا صرت أبكي وحلّفتوا مشان ابني نطلع، وقالوا انو كمان فترة رح يرجعونا على بلدتنا"، منوهةً إلى أن خروجهم من الأرض والمأوى والقرية كان بسبب بالرعب الذي استخدمته تلك العصابات الإسرائيلية لإرهاب أهالي القرى الفلسطينية المشردة.

وبحرقة في عينيها وصوت يملؤه الحزن والأسى، تعاود القول: وطلعنا بالخوف بعد ما هددونا اليهود وقتلوا منا الكثير من رجال القرية، رحنا على بلدة عسقلان، قعدنا فيها فترة قصيرة، ودخلوها اليهود وصاروا يقصفوا، وهجرونا مع باقي أهل البلدة لحد ما أجينا على غزة واستقرينا فيها".

ازداد حقدها على العصابات الصهيونية التي شردتها من أرضها، إلا أن حنينها لليالي الأفراح التي عاشتها في قريتها بانت على تجاعيد وجهها المشعة، لتتساءل: كيف كنا عايشين بأمان وسلام وهدوء في القرية بيوم من الأيام نهرب من غير ما نوخذ معنا حاجة".

وتبدأ بالبكاء، وبصوت متحشرج لا يكاد يُسمع تقول: اشتقت كثير يا ستي لهديك البلاد وللأرض إللي تمنيت أموت وأندفن فيها، اشتقت لريحة دارنا، يا ريت أزورها قبل ما أودع الدنيا، وأنا هيني على حفة قبري ولساتني ما رجعت على الجية".

تشتق كلماتها دوامة شهقات بكائها المرير، تقول: أنا وصيت ولادي وأحفادي إنو لو ربنا ما كتب إلي أزور دارنا بالجية، لما يرجعوا بيوم من الأيام أنهم يحافظوا عليها ويديروا بالهم، وأنا متأكدة إنو راح يرجعوا لأنها دارنا وملكنا، مش ملك هدول المتسلبطين علينا اليهود" بحسب تعبير الحاجة أمينة جبر.

 قرية الجية

والجية هي قرية صغيرة نسبياً ولكنها عريقة تزيد مساحة أراضيها قليلاً عن 8500 دونما، تبعد عن غزة حوالي 20 كيلو متر، وتقع شرق الطريق بين غزة والمجدل، ويمر خط السكة الحديدية من الأراضي الغربية للقرية من فلسطين إلى مصر.

يحد أراضي الجية من الغرب نعليا ومن الجنوب والجنوب الغربي بربرة ومن الشرق والشمال الشرقي بيت طيما ومن الشمال الغربي المجدل.

كان عدد سكانها عام 1948 "1427 نسمة" أما عددهم الآن فهو يقارب عشرة آلاف نسمة، القرية قديمة بدليل وجود بقايا أثرية وقطع معمارية وأعمدة قديمة في أراضيها.

كانت معظم أراضي الجية الزراعية تقع حول بيوت القرية وفي محيطها وكما سبق فإن هذه الأراضي تتميز بخصوبتها وبترتبها الطينية الحمراء خصوصاً بعد تسميدها بالأسمدة العضوية في معظم السنوات حتى يكون الإنتاج الزراعي جيداً.

كان أهالي الجية أشبه بكتيبة مسلحة تدربت على حمل السلاح واستخدامه لأنهم كانوا يرون أن المعركة مع اليهود آتية لا ريب فيها خاصة بعد زيارة عبد القادر الحسيني للقرى الجنوبية والجية، واجتماعه مع الشيخ حمدان حيث طلب من الناس الاشتراك في الثورة وفعلا تم ذلك فاشتركوا في مجموعات العمل المسلح قيادتها في المجدل لمهاجمة الجنود الإنجليز واليهود وتم خلع السكة الحديدية في ثورة 1936م.