الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية

المؤلف: رجاء جارودي

عرض: د. باسم شعبان

يقول المؤلف أنه بعد أكثر من نصف قرن صدرت لي خلاله كتب عن أكبر دور نشر فرنسية, فإنني مضطر اليوم لأن أطبع هذا الكتاب على نفقتي الخاصة, لأنني منذ عام 1982 قد خرقت أحد المحرمات عندما انتقدت السياسة الإسرائيلية التي يدافع عنها قانون" جيسو- فايوش" الغاشم, الذي صدر في 13 يوليو 1990, و الذي يعيد في فرنسا جريمة الرأي التي سادت عصر نابليون الثالث و جعلت قانونا قمعيا يعوض ضعف الحجج.

يتحدث الكاتب الذي بين أيدينا كما يؤخذ من اسمه عن الأساطير التي نشأت عليها دولة إسرائيل, حيث جمعت و هجرت الصهيونية اليهودية من شتى بقاع الأرض بحجج أسطورية, حجج أسطورية تلمودية و توراتية و حجج أسطورية عصرية, وخاصة أسطورة رقم 6 مليون, الذي تدعي الحركة الصهيونية أنهم قتلوا على أيدي النازي, فيتناول الكتاب في الجزء الأول: الأساطير اللاهوتية, و في الثاني :أساطير القرن العشرين والجزء الثالث:يتحدث عن الاستخدام السياسي للأسطورة.

  يتساءل المؤلف, ما هي الصهيونية التي أدينها و أفضحها علنا في كتابي ؟ و ليست الديانة اليهودية التي تعرف نفسها بنفسها نقلا عن مصادرها دون ذكرها لأنها مذكورة في الكتاب.

1-   أنها عقيدة سياسية منذ 1869 ارتبطت بالحركة السياسية التي أسسها ثيودر هيرتزل.

2-   إنها عقيدة قومية لم تولد من اليهودية بل من القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر و لم ينتسب مؤسس الصهيونية هرتزل إلى الدين "إنني لا أنقاد لأي دافع ديني".

و هو لذلك لا تهمه الأرض المقدسة بوجه خاص, فهو يقبل_من أجل الأهداف القومية_بأوغندا أو طرابلس أو قبرص أو الأرجنتين أو موزمبيق أو الكونغو, و لكن أمام معارضة أصدقائه من أصحاب الديانة اليهودية, فإنه يعي أهمية الأسطورة القومية كما يقول "التي تؤلف صيحته للم الشعب, ذات قوة لا تقهر, إن فلسطين هي وطننا التاريخي الذي لا ينسى... و أن هذا الاسم  وحده سيظل  صيحة لم الشمل القوية لشعبنا".

"إن المسألة اليهودية ليست بالنسبة لي مسألة اجتماعية و لا مسألة دينية..إنها مسألة قومية".

3-   إنها عقيدة استعمارية, و هنا لا يخفي هيرتزل الواعي أهدافه, فيسعي كخطوة أولى إلى تكوين "شركة ذات امتيازات" تحت حماية إنجلترا, في انتظار تحويلها إلى دولة يهودية, و لقد توجه نحو الاستعماري مرسيل رودس, الذي استطاع أن يحول انطلاقا من شركة ذات امتيازات إلى دولة هي جنوب أفريقيا.

 كتب هيرتزل إلى رودس "أرجوك أن ترسل إلي نصا يقول أنك قد فحصت برنامجي,  وأنك موافق عليه. و قد تتساءل لماذا أكتب إليك يا سيد رودس,ذلك أن برنامجي هو برنامج استعماري".

هذه هي الخصائص الثلاث, عقيدة سياسية و قومية و استعمارية, التي تشرح السياسة الصهيونية التي انتصرت في مؤتمر بازل في آب 1897 و من خلاله استطاع هيرتزل أن يقول "لقد أسست الدولة اليهودية".

أولا:الأساطير اللاهوتية

1-   أسطورة "الوعد" , يقول سفر التكوين:"لنسلك أعط هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير, نهر الفرات", و يقول الجنرال ديان: "إذا كنا نملك التوراة, و إذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة, فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي التوراتية".

يناقش جارودي في هذا الفصل هذا الوعد التوراتي, و في الغالب ما يستند إلى آراء الباحثين ليدعم وجهة نظره, فينقل عن السيدة فرانسواز سيميث عميدة كلية اللاهوت البروتستانتية في باريس "إن البحوث التاريخية الأخيرة توصلت إلى تقليص العروض الكلاسيكية للخروج من مصر و غزو كنعان و الوحدة القومية الإسرائيلية قبل المنفى, و صورتها على أنها قضية خرافية, فعلم التاريخ التوراتي لا يخبرنا بما يقصه علينا بل يخبرنا عمن كتبوه", و ينقل عن البيردي بوري "إن معظم المبشرين قد أخذوا الوعد المعطى للآباء بمعناه الكلاسيكي على أنه إضفاء للشرعية _بعد الأحداث_ على الغزو الإسرائيلي لفلسطين أو على أنه امتداد للسيادة الإسرائيلية في عهد داوود, بعبارة أخرى فقد دخل الوعد ضمن أحاديث الآباء بغية اتخاذ هذه الملحمة السلفية كتمهيد و إعلان عن العصر الذهبي الداوودي و السليماني.

و يمكن حصر أصول الوعد المعطى للآباء بإيجاز:

أ‌-       الوعد بالأرض: بمعنى الوعد بالاستقرار, و قد وجه أولا إلى قبائل البدو الرحل التي كانت تطمح إلى الاستقرار في مكان ما بالمناطق الصالحة للسكن, و هكذا فإن الوعد جزء من الإرث الديني و الروائي لعدة قبائل بدوية متباينة.

ب‌- فوعد الرحل كان الغرض منه ليس الغزو السياسي أو العسكري لمنطقة أو بلد بأكمله, بل الاستقرار في منطقة محدودة.

ت‌-  و في الأصل, فإن الوعد المعطى للآباء و الذي تحدث عنه سفر التكوين لم يقطعه يهوه الرب الذي دخل فلسطين مع مجموعة الخروج, و لكن "الرب الكنعاني" إيل في أحد أقانيمه المحلية, و " الرب المحلي" - مالك الأرض- هو وحده الذي يستطيع أن يمنح للرحل حق الاستقرار في أراضيه.

ث‌- و بعد ذلك عندما تجمعت القبائل الرحل التي استقرت مع قبائل أخرى لتشكل "شعب إسرائيل" , فان الوعود القديمة كانت بمثابة أهداف قد تحققت و من ثم بدا الوعد يتخذ أبعادا سياسية و عسكرية و قومية, و على ذلك فان الوعد بعد إعادة تفسيره على هذا النحو فهم على أنه التجسيد المسبق للغزو النهائي لفلسطين, و كإعلان و إضفاء للشرعية على مملكة داوود.

بعد ذلك يتساءل المؤلف هل من الممكن و الحال هذه تفعيل وعد لآباء؟ فإذا كان معنى تفعيل الوعد هو  استخدامه كصك من صكوك الملكية أو لوضعه في خدمة المطالبات السياسية وهو قطعا ليس كذلك, فليس هناك أي سياسة لها حق إدعاء كفالة الوعد و ضمانه, و لا نتفق بأي شكل من الأشكال مع أي من المسيحيين الذين يعتبرون دعوة العهد القديم بمثابة إضفاء للشرعية على المطالبة بالأراضي الحالية كدولة إسرائيل.

ثم يحاول المؤلف الاستناد إلى كتابات حاخامية يهودية لتثبيت هذا الوعد و تطبيقه على التاريخ المعاصر, فينقل عن الحاخام المربرجر" إنه من غير المقبول من أي إنسان الإدعاء بأن إنشاء دولة إسرائيل هو تحقيق لنبوءة توراتية,  و من ثم فإن كل الأفعال التي قام بها الإسرائيليون لقيام دولتهم و الإبقاء عليها هو تنفيذ لإرادة الرب, إن الساسة الحالية لإسرائيل قد حطمت أو على الأقل قد طمست المعنى الروحاني لإسرائيل.. و توضح تقاليد النبوءات بجلاء أن قداسة الأرض لا تتوقف على تربتها و لا على شعبها و لا على الوجود الوحيد لهذا الشعب على هذه الأرض, و الأمر الوحيد و الجدير بصهيون هو التحالف الإلهي الذي تعبر عن مواقف شعبه... ومع ذلك فإن دولة إسرائيل ليس لها حق في إدعاء تحقيق النية الإلهية من أجل عصر مسيحي... فهذه هي محض غوغائية التربة و الدم, فلا الشعب بمقدس ولا الأرض  بمقدسة وهما ليس جديرين بأي امتيازات روحية في العالم, إن النزعة الشمولية الصهيونية التي تسعى إلى إخضاع كل الشعب اليهودي حتى و لو بالعنف و القوة تجعل من هذا الشعب شعبا من بين الشعوب الأخرى و شبيها بها" (الحاخام ألمرت برجر"النبوة و الصهيونية و دولة إسرائيل").

2-   أسطورة الشعب المختار

   "كذا قال الرب ابني البكر" سفر الخروج4_22, هذه  الأسطورة هي الإيمان دون أي أساس تاريخي بأن الوحدانية ولدت مع العهد القديم, و على العكس يتضح من التوراة نفسها أن الاثنين اللذين قاما بكتابتها و هما يهوى و إيلوهي لم يكن أي منها وحداني"موحد", فقد كانا يناديان  فقط بتفوق الإله العبراني على سائر الآلهة و غيرته عليهم(سفر الخروج20 ,2_5 ),و رب مؤاب"قاموش" معترف به(سفر القضاة 15 _24 و سفر الملوك الثاني 27)," مثل الآلهة الأخرى"(سفر صموئيل الأول 27, 19 ),و قد أضافت ترجمة مجمع الكنائس حاشية جاء فيها "منذ زمن بعيد كان الاعتقاد سائدا في إسرائي بوجود آلهة أجانب و قوتهم" (ص680 حاشية د) و لم يحدث إلا بعد المنفى و لاسيما لدى الأنبياء أن ثبتت الوحدانية أي الانتقال من صيغ مثل صيغ سفر الخروج"لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي"( الخروج 20_ 3 )إلى صيغ لا تكتفي بعرض الطاعة ليهوه و ليس للآلهة الأخرى و هو ما تكرر في سفر تثنية الاشتراع "لا تتبع آلهة أخرى" و تنادي "أنا الرب لا إله غيري"(اشعيا 45 _20 ) و هذا التأكيد لا يقبل الجدل بشأن الوحدانية و يرجع تاريخه إلى النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد .       

فهكذا نجد التطور في الديانة من تعدد الآلهة إلى الوحدانية ... هذه الوحدانية التي يتم تحويلها إلى علاقة مميزة بين الشعب و الآلهة, والتي تتضح من أقوال الحاخام كوهين في كتابه التلمود "يمكن توزيع سكان العالم بين إسرائيل وبين الشعوب الأخرى  برمتها, فإن إسرائيل هي الشعب المختار و هي ركن أساسي من أركان العقيدة".

3-   أسطورة "يشوع" التطهير العرقي

"و اجتاز يشوع و كل إسرائيل معه من لاكيش إلى عجلون و نزلوا عليها و حاربوها و افتتحوها في ذلك اليوم و ضربوها بحد السيف و أبسل كل نفس فيها في ذلك اليوم عينه كما فعل بلاكيش...و صعد يشوع و جميع إٍسرائيل معه من عجلون إلى حبرون" سفر يشوع.

و في 9 نيسان من عام 1948 أباد مناحيم بيغين و معه وحدات أرجون العسكرية سكان قرية دير ياسين البالغ عددهم 254 نسمة من النساء و الرجال و الأطفال.

يقول المؤلف لن نناقش الفصل الخاص بالحفريات الأسطورية في التاريخ و ادعاءات عملية الترقي التاريخية هذه لتبرير سياسة ما إلا في حالة خاصة هي الاستخدام الذرائعي للروايات التوراتية لأنها ما انفكت تلعب دورا حاسما في مصير الغرب بتغطية العمليات الدموية منذ اضطهاد اليهود من قبل الرومان ثم المسيحيين و حتى الحروب الصليبية و محاكم التفتيش و التحالفات المقدسة و الهيمنة الاستعمارية التي مارستها "الشعوب المختارة", و حتى عمليات الابتزاز التي مارستها دولة إسرائيل, ليس فحسب سياستها التوسعية قي الشرق الأوسط, ولكن بضغوط لوبياتها و خاصة بأقوى لوبي لها و هو في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يلعب دورا هاما في سياسة أمريكا للسيطرة العالمية و العدوان العسكري, هذا هو السبب في اختيارنا لهذا الماضي الأسطوري الذي يوجه المستقبل نحو ما يمكن أن يكون انتحارا كونيا.

يقول اننا لا نعالج التوراة بصفة عامة و انما فقط الجزء الذي يدعي النظام الثيوقراطي الإسرائيلي و الحركة الصهيونية استلهامه, أي الأسفار الخمسة الأولى التكوين و الخروج و الأحبار و العدد و تثنية الاشتراع و الملاحق المسماة الملاحق التاريخية, و هي سفر يشوع و القضاة و صموئيل و أسفار التوبة, و الكتب التاريخية هي بمثابة تجميع خطي للتقاليد الشفهية التي جاء بها مؤرخو القرن التاسع, و يورد عددا من النصوص التوراتية التي تتكلم عن المجازر التي ارتكبها اليهود ضد الشعوب الأخرى و خاصة في فلسطين عند احتلالها, ففي سفر العدد عن هزيمة بني إسرائيل للمدينيين "فقاتلوا مدين كما أمر رب موسى و قتلوا كل ذكر" ,"و سبى بنو إسرائيل نساء مدين و جميع مدنهم مع مساكنهم و قصورهم أحرقوها بالنار", و عندما عادوا إلى موسى "و قال لهم موسى هل استبقيتم الإناث كلهن فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال و كل امرأة عرفت بمضاجعة رجل فاقتلوها و أما إناث الأطفال اللواتي لم يعرفن بمضاجعة الرجال  فاستبقوهن لكم", و تابع يشوع خليفة موسى في أثناء غزوه لكنعان وبطريقة منهجية سياسة"التطهير العرقي" التي أمر بها رب الجيوش "و فتح يشوع في ذلك اليوم مقيدة و ضربها بحد السيف و أبسل ملكها و كل الأنفس التي فيها لم يبقي باقيا فصنع بملك مقيدة كما صنع بملك أريحا ثم اجتاز يشوع و جميع إسرائيل معه  من مقيدة إلى لبنة و حاربها فأسلمها الرب أيضا إلى أيدي إسرائيل هي و ملكها فضربوها بحد السيف و قتلوا كل نفس فيها  فلم يبقوا  فيها باقيا و فعلوا بملكها كما فعلوا بملك أريحا, و جاز يشوع و جميع إسرائيل من لبنة إلى لاكيش و نزل عليها وحاربها فأسلم الرب لاكيش إلى أيدي إسرائيل فافتتحوها في اليوم التالي و ضروبها بحد السيف و قتلوا كل نفس فيها كما فعلوا بلبنة, حينئذ صعد حورام ملك جازر لنصرة لاكيش فضربه يشوع هو و قومه حتى لم يبق منهم باقيا, و اجتاز يشوع و كل إسرائيل من لاكيش إلى عجلون و نزلوا عليها و حاربوها و افتتحوها في ذلك اليوم فضربوها بحد السيف و أبسل كل نفس فيها في ذلك اليوم عين كما فعل بلاكيش و صعد يشوع و جميع إسرائيل معه من عجلون إلى صبرون و حاربوها...".

و تستمر هذه الملحمة المملة في سرد و تعداد عمليات "الإبادة المقدسة" التي وقعت في الضفة الغربية, و يقول ينبغي لنا أمام هذه الأحاديث طرح سؤالين أساسيين:

1-   الأول بشأن صحتها التاريخية

2-   و الثاني بشأن عواقب التقليد الحرفي للإشادة بسياسة الإبادة.

و عن النقطة الأولى يقول إننا نصطدم بعلم الآثار, حيث فندت الحفائر و بعثات الآثار كثير من روايات و أحاديث النص السابق, لأنه لم يكن وجود لملكة عي وقت قدوم الإسرائيليين, و أريحا في ذلك الوقت لم تكن مأهولة.

أما عن النقطة الثانية فإنه يستطرد و يقول لماذا لا يحذو و الحال هذه أي يهودي متدين و متطرف أي متمسك بالقراءة الحرفية للتوراة حذو هذه الشخصيات الجليلة المتمثلة في موسى و يوشع, فقد ذكر سفر العدد عندما بدأ غزو فلسطين(كنعان) " فسمع الرب صوت إسرائيل و دفع لهم كنعان فأبسلوهم هم و مدنهم", و بخصوص الأموريين وملكهم " فضربه إسرائيل بحد السيف هو و قومه حتى لم يبق منهم أحد و استولوا على بلاده", و يكرر سفر تثنية الاشتراع " و إذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي أنت صائر إليها لترثها... و استأصل أمما كثيرة فأبسلهم إبسالا", "فلا يقف أحد بين يديك حتى تفنيهم", و من شارون حتى الحاخام مئير كاهانا فذاك تجسيد للطريق التي سيتبعها الصهاينة حيال الفلسطينيين, ألم تكن مسيرة يشوع هي مسيرة مناحيم بيغين عندما قضى على سكان دير ياسين, ألم تكن طريق يوشع هي الطريق الذي وضعه يورام بن بورات في جريدة يديعوت أحرونوت " لا صهيونية و استعمار للدولة  اليهودية بدون إبعاد العرب عن و طردهم و الاستيلاء على أراضيهم", هذا التطهير العرقي الذي يمارس بشكل منظم في دولة إسرائيل اليوم ينبع من مبدأ النقاء العرقي الذي يمنع امتزاج الدم اليهودي بأي دم (دنس) من دماء الآخرين, "و لا تصاهرهم و ابنتك لا تعط لابنه و ابنته لا تأخذها لابنك", " فطهرتهم من كل غريب".

و يقول المؤلف إنه من السخرية أن تستخدم الأطروحات البيولوجية و العنصرية التي روج لها النازي و التي أوحت لهم بقوانين نورمبرج الشائنة, و كأساس لتعريف الوضع اليهودي داخل دولة إسرائيل فلقد وضع المشرعون و المستشارون في وزارة الداخلية النازية قوانين نورمبرج و حق أهالي الرايخ و حماية الدم الألماني و الشرف الألماني بالقياس إلى تعريف الدم اليهودي و صفاء عنصره, و استشهدوا بقانون موسى الذي يقول ألا تأخذ امرأة أجنبية, و قد أدت الحرفية في استخدام النصوص و خاصة مجازر يشوع أن مستوطني أمريكا من البروتستانت الأطهار كانوا في سبيل  الاستيلاء على أراضي الهنود و مطاردتهم و هم يتذرعون بيوشع و عملية الإبادة المقدسة للعمالقة و الفلسطينيين.

ثانيا: أساطير القرن العشرين

1-   أسطورة معاداة الصهيونية للفاشية:

يتكلم في هذا الجزء عن علاقة المنظمات الصهيونية الجيدة مع و التحالفية مع هتلر و ألمانيا النازية ضد بريطانيا, فعندما بدأت الحرب ضد هتلر وقفت الغالبية العظمى من المنظمات اليهودية إلى جانب الحلفاء, إلا أن الجماعة الصهيونية في ألمانيا اتخذت سياسة مخالفة منذ العام 1933 حتى 1941, فتواطأت بل تعاملت مع هتلر, و كانت السلطات النازية في الوقت الذي تضطهد فيه اليهود بطردهم من الوظائف العامة, تتحاور مع القادة الصهاينة الألمان و تمنحهم معاملة تفضيلية بتمييزهم عن باقي اليهود, يقول بن زوهار " في عام 1941 اقترف اسحق شامير جريمة لا تغتفر من الناحية الأخلاقية, فقد دعا إلى التحالف مع هتلر و مع ألمانيا ضد بريطانيا, و بتاريخ 5 أيلول 1939 أي بعد يومين من إعلان فرنسا و بريطانيا الحرب على ألمانيا نشر وايزمان إعلان في الصحف البريطانية يشير إلى أن المفوضين عن اليهود على استعداد فوري لإبرام اتفاق مسلح للسماح باستخدام كل قواهم و عدتهم من الرجال و مهاراتهم المادية و كل قدراتهم", و هذا التصريح يشكل في حد ذاته إعلان حرب صريح من العالم اليهودي ضد ألمانيا, و قد طرح هذا الخطاب مشكلة احتجاز اليهود الألمان في معسكرات الاعتقال بوصفهم "رعايا شعب في حالة حرب مع ألمانيا", كما فعل الأمريكيون مع مواطنيهم من أصل ياباني عشية دخولهم الحرب مع اليابان, يقول المؤلف أن سلوك زعماء الصهاينة غامض و مشبوه بدء من عرقلة الكفاح ضد الفاشية و النازية حتى محاولة التعاون معها, فالهدف الأساسي لم يكن إنقاذ اليهود و لكن إنشاء دولة يهودية في فلسطين, و قد أعلن بن غوريون دون مواربة في 7 ديسمبر 1938 أمام القيادة الصهيونية العمالية"لو كنت أعلم أنه من الممكن إنقاذ كل أطفال ألمانيا بإحضارهم إلى انجلترا أو نصفهم فقط بنقلهم إلى إسرائيل الكبرى لاخترت الحل الثاني لأننا يجب  أن نحرص ليس فحسب على حياة هؤلاء الأطفال بل على تاريخ شعب إسرائيل أيضا", و ينقل المؤلف استشهادات كثيرة حول تواطؤ المنظمات الصهيونية مع النازية فهو ينقل عن توم سيغيف "المليون السابع" و عن لوسي داووفيتش"قارئ للهولوكوست" و عن روزنبيرغ و عن هوهن وينقل عن مصدر آخر"ليس هناك من أسباب ما يدعو إلى عرقلة النشاط الصهيوني في ألمانيا بواسطة أي إجراءات إدارية لأن الصهيونية لا تتعارض مع برنامج الاشتراكية القومية النازية التي هدفها هو ابعاد يهود ألمانيا تدريجيا", و في مقابل الاعتراف الرسمي بالزعماء الصهاينة بوصفهم الممثلين الوحيدين للطائفة اليهودية فقد عرضوا القيام بكسر الحصار و المقاطعة التي كان أعداء الفاشية في العالم يحاولون فرضها, و ابتداء من العام 1933 بدأ التعامل الاقتصادي و أنشأت شركتان لتنسيق التعاون هما شركة هعفرا في تل أبيب و شركة بالترو في برلين, و كانتا تساعدان في تهجير اليهود الألمان إلى إسرائيل حيث يتم تحوي الأموال و البضائع عن طريق الشركات, و يجد المهاجر نقوده في تل أبيب بعد أن يتم التبادل ما بين الشركتين, و قد شارك في هذه العملية عدد كبير من رؤساء و وزراء إسرائيل و لاسيما بن غوريون و موشى شاريت و جولدا مائير التي ساندتها انطلاقا من نيويورك, و ليفي أشكول الذي كان ممثلا لها برلين, و لقد كانت العملية مربحة للطرفين, و قد نجح النازي في تحطيم الحصار و نجح الصهاينة في بيع بضائع ألمانية في إنجلترا و لقد دامت سياسة التعاون هذه ثمان سنوات, و كان آيخمان هو همزة الوصل مع كاستينر, و يحكي ناحوم جولد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ثم المجلس اليهودي العالمي في سيرته الذاتية مقابلته المأساوية مع وزير الخارجية التشيكي إدوارد بينيس 1935 التي عاب فيها على الصهاينة كسرهم لحصار هتلر بواسطة شركة هعفرا و رفض المنظمة العالمية الصهيونية  تنظيم المقاومة ضد النازية" لم أشعر في حياتي بالأسى و الخزي في أي مقابلة من المقابلات العديدة التي أجريتها خلال هاتين الساعتين و قد شعرت بكل شعرة في جسمي بأن بينيس كان على حق".

و ينقل المؤلف أخبار المفاوضات بين منظمة شتيرن و شامير بالذات و بين النازي, هذه المفاوضات التي توقفت عندما ألقت قوات الحلفاء القبض على مندوب شتيرن في دمشق داخل مكتب النازي, و لقد صرح بن غوريون متهما بيغين: " إن بيغين دون شك ينتمي للنمط الهتلري, فهو عنصري على استعداد لإبادة كل العرب لتحقيق حلمه بتوحيد إسرائيل, و هو مستعد لإنجاز هذا الهدف المقدس باستخدام كل الوسائل", و هناك أسلوب آخر اتبعته الصهيونية لإحضار اليهود و هو بالتهديد و الوعيد و حتى باستخدام عمليات التفجير و القنابل كما حدث مع يهود العراق.     

2-   أسطورة عدالة نرمبرج و أسطورة الهولوكست:

اجتمع الزعماء الأمريكيون  و الفرنسيون و الروس المنتصرون في لندن في 8 آب 1945 للإتفاق على ملاحقة و توقبع العقاب على كبار مجرمي الحرب التابعين لقوى المحور و ذلك بإنشاء محكمة عسكرية دولية, و قد صنفت الجرائم على النحو التالي:

أ‌-       جرائم ضد السلام و هي تتعلق بمسئولية من قاموا بإشعال الحرب.

ب‌- جرائم ضد الإنسانية و هي الجرائم التي تمس بالأساس السكان المدنيين.

ت‌- جرائم الحرب و تخص خرق قوانين و أعراف الحرب.

و ينتقد جارودي المحكمة لأنها لم تتشكل إلا من المنتصرين و بالتالي فإن الجرائم هي فقط جرائم المنهزمين لوحدهم, و هي من حيث المبدأ تنفي سلفا المسئولية عن إشعال الحرب عن المنتصرين, و حتى قتل المدنيين لم يتم من طرف و احد, فإن مدنا كثيرة تم تدميرها من قبل الطرفين, و يرجع الأصل في ذلك إلى معاهدة فرساي-بعد الحرب العالمية الأولى- بكل عواقبها و خاصة حالة الإفلاس في ألمانيا و البطالة و إجبار ألمانيا على دفع 132 مليار من الماركات الذهب كتعويضات     حرب مما اضطر إلى إلغاء هذه الاتفاقية و إنهاء البؤس و الإذلال للشعب الألماني, و يسرد المؤلف ظهور نجم هتلر و كيف أنه تم بمساعدة الجنيه الإسترليني و الدولار الأمريكي عن طريق كبريات الشركات البريطانية و الأمريكية, و بعد اشتداد أوار الحرب بدأ البريطانيون و اليهود و باقي الحلفاء يصبون لعناتهم على هتلر و على شعب ألمانيا, و يورد المؤلف اقتباسات كثيرة عن الدعوة إلى إبادة و قتل ألمان: " إن الطريقة الوحيدة لكي يفهمنا الألمان هي قتلهم", " إن كلمة السر يجب أن تكون القضاء عليهم.. إلا أني صراحة لو استطعت لمحوت ألمانيا من خريطة العالم, إنه جيش شيطاني كان لعنة على أوروبا طوال قرون", "سنجوع ألمانيا و سندمر مدنها و سنحرق محاصيلها و غاباتها", " أود أن تفكر جيدا في مسألة الغازات السامة و أود أن تبحث عن  بهدوء نتائج استخدام هذه الغازات.. و لا ينبغي لنا أن نقف مكتوفي الأيدي بسبب مبادئ حمقاء","يجب إبادة ألمانيا"," أن الألمان لا يستحقون أن يحيوا","اقتلوا فلا أبرياء لدى ألمانيا  لا بين الأحياء و لا بين من سيولدون", يقول المؤلف رغم ما قاله كل أصحاب هذه الاقتباسات لم يمثل تشرشل و لا ستالين و لا ترومان في قفص الاتهام مع مجرمي الحرب, و بالمثل لم يوجه الاتهام إلى كوفمان الذي دعا إلى إبادة الألمان و لا إلى المسئولين عن قصف مدينة درسدن الألمانية و الذي أسفر عن قتل200,000 من الضحايا المدنيين, و لا ترومان الذي ألقى قنبلتين ذريتين على مدن ألمانيا دونما ضرورة عسكرية, لأن استسلام ألمانيا كان قد قرره الإمبراطور, هذه المحكمة, هذا الوحش القانوني الذي ينبغي أن تأخذ قراراته كقاعدة مسلم بصحتها و كمعايير لحقيقة تاريخية لا يمكن أن يمسها إنسان طبقا لقانون جيسو-فايوش الصادر في 13 يوليو 1990 في فرنسا, و الذي لا يسمح لأحد بانتقاد و تكذيب محاكم نورمبرج و إجراءاتها, مع انه منذ البداية أثارت إجراءات محكمة نورمبرج اعتراضات حتى في صفوف القانونيين الأمريكيين و على أعلى مستوى و هم قضاة المحكمة العليا,يقول المؤلف الإنجليزي ديفيد ارفنج " لقد شعر كبار القانونيين في العالم أجمع بالخجل من إجراءات نورمبرج", و على سبيل المثل ووفق على التقرير السوفييتي بشأن مجزرة كاتين و الذي يتهم الألمان بقتل 11,000 ضابط بولندي كدليل إثبات صحيح و لا يناقش من طرف المنتصرين, و لقد أثبت أخيرا أن جريمة كاتين قد دبرتها السلطات السوفييتية و ستالين.

و ضمن هذه الأكاذيب التي يحاول جارودي تفنيدها الرقم ستة ملايين يهودي الذين تم قتلهم على أيدي النازي, و يقول إن الرقم لم يرد إلا في شهادتين و هاتان الشهادتان تتكلم إحداهما عن مقتل نحو 4 ملايين والأخرى تتكلم عن مقتل نحو 5 ملايين, و يشكك في ذلك عن طريق عدم إقامة الدليل على صحة النصوص المقدمة و التحقق منها, و عدم تحليل قيمة الشهادات و الظروف التي تم في ظلها الحصول عليها حتى أن بعضها حصل عليه عن طريق التعذيب الشديد و بعض الشهود ماتوا في السجن, و أخيرا البحث العلمي لسلاح الجريمة و خاصة أفران الغاز التي ينفي بالأدلة و جودها, و أن الأفران التي كانت أفرانا صغيرة لحرق الجثث المصابة بوباء التيفوس, و أن هذه من الصغر و قلة العدد بحيث لا تستطيع قتل هذه الأرقام حتى لو اشتغلت عدة سنين, و عن الأوامر بقتل اليهود أو إحراقهم لم يتم العثور على أية وثيقة أو نص رسمي يأمر بطلب إحراقهم أو إعدامهم لا من هتلر و لا من غيره, و "لا يوجد أي وثيقة ممضاة من هتلر أو هيملر أو هيدريش تتكلم عن إبادة اليهود", و لا تظهر كلمة "الإبادة" في خطاب جورنج الموجه إلى هيدريش بشأن الحل النهائي للمسألة اليهودية," رغم البحث المتعمق لم يتم العثور مطلقا على أمر من هتلر بإبادة اليهود", و يضرب أمثلة حديثة تصحيحية بالمثال المشهور" لقد توخت اللجنة الدولية لآوشفيتز في نوفمبر 1990 أن يستبدل باللوحة التذكارية في أوشفيتز التي تشير إلى 4 ملايين من الضحايا بأخرى تحمل عبارة أكثر من مليون قتيل", و لقد اعترض الدكتور جولشتين رئيس اللجنة حيث كان يرجو ألا تحمل اللوحة الجديدة أي رقم, لعلمه أنه قد يصبح م الضروري في زمن قصير إعادة النظر مرة أخرى في تخفيض الرقم المذكور, و مرة أخرى في معسكر بيركينا حيث حملت اللوحة التدوين التالي" هنا في الفترة ما بين 1940-1945 عذب أربعة ملايين من الرجال و النساء و الأطفال و قتلوا بواسطة عمليات الإبادة الهتلرية", و قد تم تعديل النص في عام 1994 "ليصبح هذا المكان الذي قتل فيه النازيون مليون و نصف مليون رجل و امرأة و طفل معظمهم من اليهود و القادمين من مختلف البلدان الأوروبية و إلى الأبد صرخة يأس و إنذار للإنسانية", و ينقل المؤلف عن أحد القانونيين الأمريكان الذين أرسلوا إلى داخاو و الذي أصبح مركزا للمحاكمات ضد جرائم الحرب يقول"لقد عشت في داخاو و طوال 17 شهرا- بعد الحرب- كقاضي عسكري للولايات المتحدة و أستطيع أن اشهد أنه لم يكن هناك أي غرف للغاز, و ما يعرض على الزوار يقدم بطريقة خاطئة على أنه غرف للغاز مع أنه محرقة لجثث الموتى, و لم يكن هناك أية غرف للغاز في ألمانيا, و يقولون لنا أنه كان في أوشفيتز غرف للغاز, و لكننا لم نحصل على إذن من السلطات الروسية التي كانت تشرف على هذه المنطقة لزيارتها, كما أنهم يستخدمون الأسطورة القديمة للدعاية بأن ملايين اليهود قد قتلوا, و أستطيع أن أوكد بعد ست سنوات على انتهاء الحرب في ألمانيا و النمسا أنه كان هناك الكثير من اليهود الذين قتلوا و لكن رقم المليون لم يتم بلوغه أبدا, و أعتقد أنني مؤهل أكثر من غيري للحديث عن هذا الموضوع".

3-   أسطورة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض:

ترتكز الأيديولوجية الصهيونية على فرضية واهية و هي أنه جاء في سفر التكوين15/18-21 "في ذلك اليوم بت الرب مع أبرام(إبراهيم) عهدا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات", و انطلاقا من ذلك و دون تساؤل عن ماهية هذا العهد و لمن صدر الوعد, أعلن الزعماء الصهاينة حتى و لو كانوا لا أدريين أو ملحدين أن فلسطين قد أعطيت لنا من الرب.

و تشير الإحصائيات حتى إحصائيات الحكومة الإسرائيلية أن 15% من الإسرائيليين فقط هم من المتدينين ولكن هذا لا يمنع 90% منهم التأكيد على أن هذه الأرض قد منحها لهم الرب الذي لا يؤمون به.

وشرح ناتان دينستوك هذا التناقض قائلا" لو ألغينا مفاهيم الشعب المختار و الأرض الموعودة لانهارت الصهيونية من أساسها", و لا شك أن بن جوريون يشير إلى سابقة (صيد الهنود الحمر) في أمريكا لطردهم و الاستيلاء على أراضيهم عندما قال وضوح" إن الأمر لا يتعلق بالحفاظ على الوضع الراهن, فأمامنا مهمة إنشاء دولة نشيطة و دينامية موجهة نحو التوسع", و تتطابق الممارسة السياسية مع النظرية الغربية التي مفادها الاستيلاء على الأرض بطرد سكانها كما فعل يشوع خليفة موسى.

يقول مناحيم بيغين" أنه لولا الانتصار في دير ياسين ما قامت دولة إسرائيل", و قد قامت الهاجاناة بهجمات مظفرة على جبهات أخرى و كان العرب الذين أصابهم الهلع يهربون و هم يصيحون: دير ياسين ديرياسين, و قد اعتبر بعد قيام دولة إسرائيل غائبا كل فلسطيني غادر منزله قبل أول من آب 1948, و بهذه الطريقة صودر ثلثا الأراضي المملوكة للعرب, و عندما عينت الأمم المتحدة الوسيط الكونت برنادوت الذي وصف في تقريره الأول السلب الصهيوني على النطاق الواسع و تدمير القرى دون ضرورة عسكرية ملحة, و بعد تقديم هذا التقرير اغتيل الكونت برنادوت و مساعده الفرنسي الكولونيل سيدو, أيضا تم اغتيال اللورد موين الوزير المفوض البريطاني في القاهرة على أيدي جماعة شتيرن لأنه أعلن أمام مجلس اللوردات " أن اليهود ليسوا أحفاد العبرانيين القدماء و أنهم لا يملكون المطالبة الشرعية بالأراضي المقدسة",و في الوقت الذي كان فيه الشعب الفلسطيني حيويا و نشيطا و أكبر مصدر للحمضيات في العالم حيث تم تصدير 15 مليون سلة برتقال عام 1937 بينما لم تصدر الولايات المتحدة إلا 7 ملايين سلة و أسبانيا 5 ملايين سلة, كانت جولدا مائير تدعي أنه "لا يوجد شعب فلسطين... و كأننا نحن الذين جئنا لإخراجه من دياره و الاستيلاء على بلده, فهم الفلسطينيون لا وجود لهم".

 

ثالثا الاستخدام السياسي للأسطورة

1-   اللوبي في الولايات المتحدة: يستشهد على لسان بول فندلي" إن تأثير رئيس الوزراء الإسرائيلي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يفوق بكثير تأثيره في بلده", و يعيش في الولايات المتحدة 6 ملايين يهودي و هم صوت انتخابي قوي و حاسم لأن غالبية الناخبين توقف على أقل القليل من الأرقام بسبب الرقم العالي للممتنعين عن التصويت و انعدام المشاريع الشاملة المتباينة بين الحزبين, و أقوى لوبي معترف به في الولايات المتحدة هو أيباك (لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية), و لقد كان هناك اختلاف في الرأي عام 1948 بين بن جوريون الذي يرى أنه من الواجب على كل يهودي في العالم القدوم للعيش في هذه الدولة و بين المنادين بأن نشاط اليهود في الولايات المتحدة يعتبر أهم و في صالح إسرائيل نفسها, و قد نجح هذا التيار الأخير في ذلك و لم يستقر في إسرائيل سوى 5400 يهودي من بين 35000 أمريكي أو كندي هاجروا إلى إسرائيل, و عن حقيقة الصوت الانتخابي اليهودي صرح ترومان أمام مجموعة من الدبلوماسيين " آسف أيها السادة و لكن علي أن استجيب لمئات الألوف من الناس الذين ينظرون فوز الصهيونية, و ليس لدي ألوف العرب من بين ناخبي", و يستشهد رئيس الوزراء السابق كليمنت آتلي على ذلك بقوله " إن سياسة الولايات المتحدة في فلسطين سيشكلها الصوت الانتخابي اليهودي, و الإعانات المقدمة من العديد من الشركات اليهودية الكبرى", و نتيجة لهذا التأثير قال كيندي لبن جوريون " أعرف تماما أنني أنتخب بفضل أصوات اليهود الأمريكيين و أنا أدين لهم  بانتخابي و قل لي ماذا علي أن أفعله من أجل الشعب اليهودي", و بعد كيندي ذهب لندون جونسون أبعد من ذلك فقد كتب أحد البلوماسيين الإسرائيليين " لقد فقدنا صديقا كبيرا و لكننا وجدنا أفضل منه... إن جونسون هو أفضل صديق عرفته الدولة اليهودية في البيت الأبيض", و نتيجة هذه العلاقات  قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل عدا الدعم السياسي و العسكري بلا حدود 28 مليار دولار كمساعدة اقتصادية و عسكرية.

و هناك إشارات إلى موقف مضاد لهذه السيطرة الإسرائيلية على أمريكا فقد أوجز فولبرايت في تقرير له عن النشاطات السرية للقادة الصهاينة في أمريكا فقال إن اليهود يتحكمون في سياسة مجلس الشيوخ و الكونغرس... و إن زملاءنا في مجلس الشيوخ و بنسبة 70% لا يحددون موقفهم إلا تحت ضغط اللوبي و ليس برؤيتهم الخاصة القائمة على مبادئ الحرية و القانون...", و في الانتخابات التالية فقد فولبرايت مقعده في مجلس الشيوخ وعلقت صحيفة هآرتس "منذ عقود يحاول اليهود الأمريكان جاهدين إقناع الرأي العام الأمريكي أن دعمهم غير المشروط لإسرائيل لا ينال من ولائهم و إخلاصهم تجاه الولايات المتحدة الأمريكية و لكنه من الصعب الآن أن نثق في ذلك الولاء, فالولاء المزدوج قد اتضح", و يلخص فندلي الوضع اليهودي القوي " إن أي إنسان ينتقد سياسة إسرائيل عليه أن يتوقع عمليات انتقام موجعة ى تنتهي و حتى فقدان سبل معيشته بواسطة ضغوط اللوبي الإسرائيلي, و الرئيس نفسه يخاف منه و الكونجرس يخضع لكل مطالبه و تحرص أعرق الجامعات على إبعاد كل ما يتعارض معه من برامجها و تستسلم له وسائل الإعلام, كما يخضع القادة العسكريون لضغوطه".

2-   اللوبي الصهيوني في فرنسا

"يوجد في فرنسا لوبي صهيوني قوي مناصر لإسرائيل و يمارس نفوذا و تأثيرا في الدوائر الإعلامية خاصة", و قد أثارت هذه المقولة الجنرال ديغول في ذلك الوقت و أثارت صخبا شديدا ... و لم يتخلف أي مرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية مهما كان انتماؤه الحزبي عن الذهاب إلى إسرائيل, و تمثل "ليكرا" الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية و معاداة السامية المركز و السلطة القوية في هذا اللوبي لدرجة أنها تستطيع التلاعب بالرأي العام  على هواها مع أن اليهود في فرنسا لا يشكلون سوى 2% من الشعب, و رغم ذلك تهيمن الصهيونية على غالبية متخذي القرار السياسي في أجهزة الإعلام و التلفزيون و الإذاعة و الصحافة المكتوبة و السينما, و يطرح المؤلف قصة دور النشر و الصحافة و الإذاعة و التلفزيون عندما وقع الاعتداء الإسرائيلي على لبنان و حاول إدانته في الصحف مع الأب ميشيل لولون و القس ماتيو إذ رفعت عليهم "ليكرا" قضية تهمة العداء للسامية, و تستمر عملية الخنق له حتى الآن فأصبح  لا تقبل مقالاته في الصحف و أغلقت دور النشر الأبواب في وجهه و حرم عليه الظهور في التلفزيون و عبر عن ذلك " لقد حكم علي بالإعدام".

3-   أسطورة المعجزة الإسرائيلية و التمويل الخارجي لإسرائيل:

يقول هوليبوفيتش" إن قوة اللكمة اليهودية تأتي من القفاز الفولاذي الأمريكي الذي يلفها و الدولارات التي تبطنها" في إشارة أن المعجزة التي يتكلمون عنها هي من صنع الأموال الخارجية, و يضرب لذلك أمثلة كثيرة, ففيما يتعلق بألمانيا و رغم أن مطالب إسرائيل المالية لا تقوم على أساس قانوني, لأن الدولة اليهودية لم يكن لها وجود عند قيام النظام النازي رغم ذلك طالبت إسرائيل مبالغ باهظة من ألمانيا, حيث طالبت إسرائيل بمبلغ مليار دولار عام 1951 و يقول جولدمان " ....كانت الدفعات الألمانية عاملا حاسما في الانطلاقة الاقتصادية لإسرائيل خلال تلك الأعوام, و كنت لا أدري ماذا سيكون مصير إسرائيل في الأوقات الحرجة لاقتصادها, لو أن حكومة ألمانيا لم تحترم تعهداتها, فالسكك الحديدية و التلفونات و منشئات الموانئ و نظم الري و فروع بكاملها من الزراعة ما كانت ستصبح على ما هي عليه بدون التعويضات الألمانية,  و أخيرا تلقى مئات الألوف من الضحايا اليهود مبالغ محترمة في هذه السنوات الأخيرة بموجب قانون التعويضات", و يقول بن غوريون مهنئا جولدمان على الاتفاق مع ألمانيا" لقد كان لي و لك حظ في أن نحيي معجزتين:إنشاء دولة إسرائيل و التوقيع على الاتفاق مع ألمانيا, و كنت أنا المسئول عن المعجزة الأولى و  أنت عن المعجزة الثانية", و نفس الطريقة و لكن بابتزاز أشد حصل مع النمسا التي كانت نفسها ضحية النازي,  و يقو ل المؤلف تتمتع إسرائي بإمدادات لا حد لها تقريبا من الأسلحة و الأموال التي تأتي أساسا من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يلعب اللوبي دورا هاما في ذلك, و قد قدمت مليارات الدولارات لإسرائيل و كانت المنظمات اليهودية الأمريكية ترسل كل سنة في المتوسط مليار دولار, و كانت تعتبر مساعدات خيرية تخصم من ضرائب المانح, و يقول المؤلف مقارنا المساعدات الأمريكية إلى أوروبا فيما يسمى بمشروع مارشال إن الأموال المقدمة إلى أوروبا الغربية في الفترة من 1948 إلى 1954 قد وصلت إلى 13مليار دولار, و دولة إسرائيل بأقل من مليونين من السكان حصلت على أكثر من نصف ما تلقاه 200 مليون أوروبي, وبعد أن يورد كثيرا من الأرقام حول مصادر التمويل الإسرائيلي و مقارنتها مع الدول الفقيرة و المجاورة يقول يكفي رقم و احد للدلالة على طابع دولة إسرائيل الصهيونية, فإن مجموع المعونة الأمريكية الرسمية التي تتلقاها إسرائيل وحدها يعادل ما يزيد على 1000 دولار للفرد أي كبقشيش يضاف إلى دخله.

و يعلق جارودي في نهاية الكتاب أنه يهدف إلى إتاحة العناصر للجميع لكي تتاح لهم فرصة الحكم على شرور الأساطير الصهيونية التي تساندها دون قيد أو شرط الولايات المتحدة و التي تولد عنها حتى الآن خمسة حروب, كما أنها تشكل بما تمارسه من تأثير و نفوذ بواسطة اللوبي على إحدى القوى الكبرى و هي أمريكا و من ثم على العالم تهديدا دائما لوحدة العالم و سلامه