شمس نيوز / عبدالله عبيد
تصوير/ حسن الجدي
لم يقدم الشاب محمد أبو عاصي على الانتحار من خلال تناوله جرعة من سم الفئران، إلا نتيجة القهر والظلم والحصار والبطالة التي يعاني منها حوالي مليوني مواطن في سجن قطاع غزة، فهو اضطر لأن يقف خلف بسطة سماها " روتس الغلابة" ليبيع "الذرة" على الرصيف بسبب ضنك العيش وقلة ما في اليد، ورغبته في توفير لقمة عيش نظيفة لعائلته، من عرق جبينه حتى لا يمد يده لأحد أو يسلك طريق الحرام.
حيث حاول الشاب أبو عاصي الانتحار مساء السبت من خلال تجرع كمية من "السم"، احتجاجا على إجراءات بلدية غزة ضد مشروعه ومصادرة بسطته المتواضعة.
لتوضح شقيقته أمل أبو عاصي أن شقيقها أقدم على الانتحار بسبب إجراءات بلدية غزة ضده ومصادرة بسطته التي يبيع عليها الشاي والقهوة والذرة على كورنيش البحر، محملة رئيس البلدية شخصيا مسؤولية كل ما حدث وما قد يحدث لمحمد، ومؤكدة أنها ستلاحق المسؤولين في البلدية.
وقالت أبو عاصي لـ"شمس نيوز": البلدية هي من تتحمل مسؤولية ما حدث لشقيقي محمد، وشخصيا أبو أنس شابط وشاكر الجمال، فرئيس البلدية أصدر قرارا لللجمال بمصادرة كل معدات وكراسي محمد من على شاطئ البحر".
وأشارت إلى أن هناك بعض المسؤولين قاموا بالتعهد بحل مشكلة شقيقها، كالقيادي في حماس محمود الزهار وغيره، لافتة إلى أن شقيقها محمد تحدث باسم جميع الشباب الذين لديهم عربات على شاطئ البحر لحل مشكلاتهم.
وأضافت أبو عاصي: وعدنا بتقديم تسهيلات لمحمد وغيره من الشباب أصحاب البسطات والعربات لكي يقوموا بالبيع على شاطئ البحر، وكسب رزقهم".
قضية الآلاف
قضية محمد أبو عاصي ليست شخصية، بل أنها قضية آلاف الشباب المحبط المقهور، وكثير مثله يعانون الأمرّين في قطاع غزة جراء التنغيص على عملهم ومنعهم من مصادر رزقهم من قبل بلديات قطاع غزة المتعددة.
ليؤكد المواطن أبو جهاد (42) عاماً، صاحب عربة مكسرات ومسليات على كورنيش شاطئ بحر غزة، أنه وغيره العشرات من البائعين الجائلين يعانون كما يعاني الشاب أبو عاصي.
ويقول أبو جهاد لـ"شمس نيوز": بالفعل بلدية غزة من أسوأ البلديات، فلا يمر يوم دون أن تقوم بمراقبتنا والتنغيص على حياتنا وملاحقة رزقنا"، لافتاً إلى أن العربة التي يعمل عليها هي مصدر رزق عائلته الوحيد.
ويضيف: لم نرَ من بلديات قطاع غزة أي خدمات تقدم لنا كمواطنين، فقط تريد أن تمتص من دماء الغلابة وجيوبهم، على حد تعبيره، موضحاً أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه وعائلته جعله يبيع بعض المسليات خلف عربة بسيطة.
توفير متطلبات الحياة
عبدالرؤوف خليل (20) عاماً، بائع على عربة وطالب في جامعة الأقصى، يقول أنه يقوم بالبيع على شاطئ البحر لمساعدة والده في توفير متطلبات حياة أسرته، ولسد متطلبات الجامعة"، موضحاً أن البلدية قامت مراراً وتكراراً بمنعه من البيع قرب الشاطئ.
ويردف خليل لـ"شمس نيوز" قائلاً: كثير ما تعرضنا نحن أصحاب العربات للإهانة من قبل أفراد البلدية، حتى أصبحنا عندما نشاهد أحد رجال أجهزة الشرطة نهرب ببضاعتنا من المكان فوراً خوفاً من أن يصادروا مقتنياتنا".
وأوضح أن البلدية كثيرا ما تطالبهم بالأموال والتراخيص، "حتى ولو كانت البسطة صغيرة تطلب منا البلدية مقابلا ماديا رغم أن يوميتنا في العمل لم تتجاوز 15 شيقلاً" حسب قوله.
وكان نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا هاشتاق ( #روتس_الغلابة) عبر صفحات الفيسبوك وتويتر في محاولة لتفعيل قضية الشاب محمد أبو عاصي أمام الرأي العام.
لم نمنع أحدا
من جهتها، نفت بلدية غزة أنها تقوم بالتنغيص على حياة أصحاب العربات الذي يقومون بالبيع على شاطئ البحر، مشيرة إلى أنها ومنذ بداية فصل الصيف لم تمنع أحدهم من البيع.
وأوضح م.حاتم الشيخ خليل مدير عام ديوان الرقابة في بلدية غزة، لـ"شمس نيوز" أن البلدية اشترطت على هؤلاء الباعة نظافة المكان الذي يقومون بالبيع فيه، مقابل تركهم للحصول على مصدر رزقهم.
وقال: من نقوم بالتنغيص عليه وملاحقته صاحب العربة الذي يبيع القهوة والشاي والشيشة للشباب وكأن المكان أصبح كافتيريا، يغطي الشاطئ عن المواطنين"، منوهاً إلى أن البلدية تقوم بتنبيهه مرة ومرتين، ومن ثم تضطر لمصادرة بضاعته ومعداته الخاصة.
وأضاف: على رأس هؤلاء الشاب محمد أبو عاصي الذي لم تتحرك عربته طوال الوقت عن الشاطئ"، مؤكداً أن لديه مخالفات سابقة وأقدمت البلدية قبل حوالي شهرين على مصادرة كراسيه ومعداته.
وبيّن الشيخ خليل أنه في حال التزم أصحاب العربات بقوانين البلدية لا يتم ملاحقتهم، مستدركاً: ولكن هناك مواطنين ومصطافين يريدون مكاناً واسعاً على شاطئ البحر للجلوس، خصوصاً وقت انقطاع التيار الكهربائي"، حد تعبيره.