شكلت الشعوب الأوروبية التي أفزعتها الصور والقصص المأساوية للاجئين، ضغوطًا كبيرة على الساسة في الدول الغربية، وخرجت التظاهرات العارمة في العواصم الأوروبية تطالب بحلول للمشكلات الإنسانية للاجئين، وكانت وراء فتح ألمانيا والنمسا الحواجز أمام اللاجئين والسماح لأعداد كبيرة منهم بالدخول، والإعلان عن استيعاب 140 ألف لاجىء وفقًا لحصص معينة بين دول أوروبية، في المقابل لجأ “بعض” الساسة والمسؤولين الأوروبيين إلى إثارة نعرات “قومية”، و”اللعب” على أوتار “الدين”، بأن السواد الأعظم من النازحين واللاجئين من المسلمين، وأن هؤلاء “يشكلون خطرًا على هوية أوروبا وديانتها المسيحية”، وأعلنت بلجيكا وسلوفينيا رفضهما استقبال لاجئين ونازحين مسلمين، ورحبت كل منهما باللاجئين المسيحيين، وهو الأمر نفسه الذي أثاره رئيس وزراء المجر.
صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، نشرت مقالًا لجورج كاري (قس كانتبيري السابق) بعنوان: “ بريطانيا عليها واجب إنقاذ المسيحيين السوريين“، وقال كاتب المقال إن “قبول اللاجئين من مخيمات اللاجئين السوريين التابعين للأمم المتحدة لن يساعد الجماعات المضطهدة التي دفعت للاختباء“، وأضاف أن على “بريطانيا أن تعطي أولوية للمسيحيين السوريين؛ لأنهم معرضون أكثر من غيرهم من السوريين إلى التنكيل“.
وتساءل قس كانتبيري السابق: “ألم يحن الوقت لتفتح دول الخليج أبوابها للمهاجرين السوريين المسلمين؟“، وأوضح كاري أن اللاجئيين السوريين المسيحيين لا يتواجدون اليوم في مخيمات اللاجئين بل في منازل خاصة، موضحًا أن الكنائس في بريطانيا جاهزة لاستقبالهم، وأكد أن المسيحيين السوريين يتعرضون إلى حملة تطهير بسبب ديانتهم؛ لذا يجب تقديم يد المساعدة لهم كأولوية.
من جهته، أعلن البابا فرانسيس أن الفاتيكان سيستقبل عائلات لاجئة ودعا كل دير وأبرشية ومركز ديني في أوروبا لفعل ذلك.
رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في مقال له بصحيفة (فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ) الألمانية، قال إن تدفق اللاجئين إلى أوروبا “ومعظمهم من المسلمين” يهدد الهوية المسيحية للقارة، وهو ما اعترضت عليه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وأضاف “فيكتور أوربان“: “يجب ألا ننسى أن الذين يصلون هم ممثلو ثقافة مختلفة في العمق“، وأضاف أن “غالبيتهم ليسوا مسيحيين بل مسلمون، هذه قضية مهمة؛ لأن أوروبا والهوية الأوروبية لهما جذور مسيحية“.
وتابع رئيس الوزراء المجري: “أليس من المقلق أن الثقافة المسيحية في ذاتها في أوروبا لم تعد قادرة على إبقاء أوروبا في نظام القيم المسيحية أصلًا؟“، مشيرًا إلى أنه “إذا تناسينا ذلك؛ فقد يجد الفكر الأوروبي نفسه أقلية في قارتنا“، وفي إشارة مبطنة إلى هذه المقالة، قالت المستشارة الألمانية خلال زيارة إلى برن: “بما أننا نحتفظ بالقيم المسيحية، أعتقد أن من المهم أن تتم حماية كرامة كل شخص في أي مكان يواجه فيه خطرًا“، وحول مسألة اللاجئين قالت ميركل: “إن ألمانيا تقوم بما هو مطلوب أخلاقيًا وقانونيًا، لا أكثر ولا أقل“.
رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، رد على”أوربان” قائلًا: “بالنسبة إلى أن يكون المرء مسيحيًا في الحياة العامة والحياة الاجتماعية، يعني أن يقوم بواجبه حيال إخوته المحتاجين“، وأضاف: “أن يكون المرء مسيحيًا يعني أنه مستعد للتضامن (…) وبالنسبة إلى المسيحي يجب ألا يكون الأمر متعلقًا بالعرق أو الديانة“.
“أوربان”، يرى أنه لا جدوى من الحديث عن تقاسم اللاجئين قبل وقف تدفقهم، وقال إن “حماية الحدود هي القضية الأكثر أهمية“، مشيرًا إلى أن “على أوروبا أن تدرك أننا لا نستطيع استقبال أحد عندما تكون الأعباء مفرطة، والآن نحن نواجه أعباء مفرطة“، وقال أوربان إن مشكلة اللاجئين “ليست أوروبية وإنما ألمانية“.
وقالت ميركل في هذا الصدد: “المجر على حق حين تقول إن علينا أن نحمي حدودنا أيضًا، لكن اتفاقية جنيف حول اللاجئين لا تسري فقط على ألمانيا، وإنما على كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي”، وأضافت أن “مبدأ هذه الاتفاقية هو تقديم المساعدة لكل من هو بحاجة إليها. وهذا يجب أن يسري أيضًا على كل دولة أوروبية“.
صحيفة “التايمز” البريطانية، في مقال افتتاحي، قالت فيه إن اللاجئين السوريين يمثلون اختبارًا مهمًا لقدرة الاتحاد الأوروبي على التحرك لمواجهة الأزمات، وطالبت بريطانيا بأن تنتهز الفرصة وتأخذ بزمام المبادرة، وقالت الصحيفة إنه خلال 48 ساعة تجلت أزمة هوية تهدد أسس الاتحاد الأوروبي على قضبان السكك الحديدية قرب العاصمة المجرية بودابست، ورأت الصحيفة أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مخطئ في اعتقاده بأنه إذا “سُمح للجميع بالدخول، فإن أوروبا ستنتهي“، وأكدت على أن هذه الأزمة ستنتهي عندما تتراجع وتيرة القتال في سوريا.
وقالت التايمز إن أوروبا برهنت على عجزها عن مساعدت اللاجئين؛ لأنه لا يوجد إجماع أوروبي بشأن تحديد الطرف المسؤول عن مأساتهم، ولا على كيفية التعامل مع هذه الأزمة.
كما لا توجد قيادة أوروبية مستعدة لإيجاد حالة إجماع، ولا تتوافر آلية أوروبية لتطبيق السياسات، واختتمت الصحيفة بالتأكيد على أن الحرب السورية مشكلة أوروبية، و”بريطانيا دولة أوروبية رائدة، وقد حان الوقت كي تتصرف بما يتفق مع ذلك“.
أما صحيفة “إندبندنت أون صانداي”، فقد رصدت تغير موقف رئيس الوزراء البريطاني تجاه المهاجرين من النقيض إلى النقيض، وقالت الصحيفة إنه بين ليلة وضحاها تغير خطاب كاميرون من انتقاد ما سماه “جحافل المهاجرين” الآتية نحو أوروبا ومعارضة قبول دول أوروبية لآلاف من طلبات اللجوء والتشديد على أن تلك السياسة لن تحل أي مشكلة إلى وصف وضع اللاجئين بالأزمة الإنسانية والتعهد بقبول آلاف اللاجئين السوريين وكل ذلك جراء الضغوط الشعبية.
وأضافت “الإندبندنت” أن المخيف في ذلك التقلب هو عدم وضوح الرؤية حاليًا بشأن كثير من الأمور مثل الموقف الحقيقي لكاميرون تجاه عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي الذي يعتزم طرح استفتاء بشأنه العام المقبل، وقالت الصحيفة إن كاميرون الذي سوق نفسه كزعيم لحزبه خلال الانتخابات باعتباره ممثلًا للمحافظين الليبراليين المتشكك في فكرة الاتحاد الأوروبي، والداعي إلى تحجيم الهجرة إلى أقصى حد؛ إلا أن أحد الذين عملوا عن قرب مع كاميرون، قال إن رئيس الوزراء البريطاني يتبع منهاجًا برغماتيًا؛ فهو يرفض الانصياع إلى المثل الأوروبية كما يحددها الاتحاد الأوروبي لكنه يسعى إلى الاستفادة من العلاقات التجارية مع دول أوروبا، فهو يسعى دائمًا للاستفادة وليس إلى النفوذ، بحسب الصحيفة، واختمت الصحيفة بتأييد رأي كاميرون بشأن التعامل مع أزمة اللاجئين من المصدر أي من مخيمات اللاجئين وليس من القادمين نحو أوروبا.