شمس نيوز/عبدالله مغاري
تصوير/حسن الجدي
هي غزة التي تختلف فيها المعاناة وتتنوع، فتعانق الكبير تارة وتداعب الصغير تارة أخرى ,ولكن أي مداعبة تلك التي تجعل من مستقبله مجهول المعالم ,فهي غزة التي لا يمكن لسكانها أن يتوقعوا ملامح الغد أو معالم بعده ,فلا تخطيط نافع ولا وضع الحسابات الاقتصادية كافٍ في منطقة تحكمها المؤامرات .
عيد الأضحى يوضع كغيره من المناسبات الدينية في حسابات التجار والباعة ,خاصة الذين يعملون في مجال بيع اللحوم والمواشي ,كفرصة يمكن أن تدر عليهم الأرباح في مجتمع إسلامي بامتياز, تعانق الرغبة بقضاء الشعائر الدينية والتي أبرزها ذبح الأضاحي، معظم أهله .
هذه الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءً يوما بعد آخر، أنهكت سوق الأضاحي على مدار الثمانية أعوام الماضية لتصيبه بالشلل التام في هذا الموسم, خاصة بعد أن ارتفعت أسعار المواشي في معظم بلاد العالم، إلى جانب العوامل الصعبة الراهنة.
فاليوم لا حيلة بأيدي التجار سوى الوقوف وحساب الخسائر، ولا خيار لدى المواطن سوى إبقاء النية معقودة على أمل الفرج.
الظروف اختلفت
من الصعب جدا على المواطن غسان عوض أن يقضي عيد الأضحى المبارك دون أن يفتتح يومه الأول بذبح أضحيته أمام بوابة منزله, كما كان قد اعتاد هو وأسرته في كل عيد، ليعبر عن استيائه خلال حديثه لمراسل "شمس نيوز" قائلا: منذ أن تزوجت لم يمر علي عيد واحد لم أذبح فيه أضحية، وحتى الأولاد اعتادوا على ذلك, لكن هذا العام الوضع مختلف أنا اعمل في التجارة والحركة الشرائية ضعيفة جدا والدخل قليل".
ولا زال "عوض" ينوي قضاء هذه الشعيرة الدينية ويأمل أن يتحسن وضعه الاقتصادي خلال الفترة القادمة ويتمكن من شراء أضحيته، ليضيف: الحمد لله النية موجودة، ولو حتى في آخر يوم تحسن وضعي الاقتصادي وتحرك السوق سأضحي".
أما المواطن أحمد رمضان، فقد قام بادخار مبلغ من المال منذ أشهر على أمل أن يشتري أضحية هذا العام، ولكن ظروف عائلته الطارئة أجبرته على التصرف بالمبلغ المدخر لقضاء الضروريات، ليتحدث قائلا: أنا لا أضحي كل عام، وأترك الأضحية حسب الحالة الاقتصادية ,هذا العام ادخرت مبلغا من المال، ولكن قبل أيام قمت بصرفه لدفع رسوم الجامعة لأخي".
يكاد لا يذكر
بائع الأضاحي ماهر سالم يؤكد على أن إقبال المواطنين على شراء المواشي هذا العام قليل جدا ولا يذكر أمام نسبة البيع في الأعوام السابقة, منوها إلى أن ارتفاع أسعار الأضاحي ظاهرة في كل أنحاء العالم وليس بغزة فقط.
وقال"سالم " لمراسل "شمس نيوز": إقبال الناس هذا العام ضئيل جدا مقارنة بمثل هذه الأيام من الأعوام السابقة، ففي مثل هذا التوقيت كنا نبيع 150عجلا تقريبا, اليوم لم نبع عشرة حتى الآن، وفي السنة الماضية برغم الحرب، إلا أن إقبال الناس كان أكثر".
وأشار بائع الأضاحي إلى ارتفاع أسعار الأضحية في كل أنحاء العالم وليس في فلسطين وحدها ,لافتا إلى أن الأضحية من العجول ارتفع سعرها بحوالي 2000شيكل عن العام الماضي, وأن معظم التجار قاموا باستيراد كميات شبيهة بكميات العام الماضي "إلا أن السوق يسير عكس توقعاتهم" بحسب تعبيره.
ولفت سالم إلى أن استمرار تدني إقبال الجمهور على شراء الأضاحي وعدم بيع الكميات الموجودة سيجعله يبيعها بأسعار أقل تخوفا من الخسارة الأكبر, كون أن المواشي تحتاج إلى طعام وعناية وهذا ما يزيد تكلفتها على بائعها.
كساد ملموس
الخبير والمحلل الاقتصادي معين رجب يعزو سبب تراجع الإقبال على شراء الأضاحي هذا العام إلى الحالة المعيشية الصعبة التي يمر بها سكان القطاع وعدم توافر السيولة, بالإضافة لارتفاع أسعارها مقارنة بالأعوام السابقة, مشيرا إلى أن استمرار السوق على حالته سيكيد التجار خسائر كبيرة.
وقال رجب لـ"شمس نيوز": الأوضاع المعيشية في غزة تزداد صعوبة يوما عن يوم، وفي مثل هذه الأوضاع أكثر من ثلثي سكان غزة هم في عداد الفقراء ولا يقدرون على قضاء حاجاتهم الأساسية "وبالتالي لا يفكرون في شراء الأضاحي".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن السيولة في غزة غير متوفرة لدى أصحاب الدخل المحدود والشريحة المتوسطة في المجتمع, عازيا ذلك إلى أن دخلهم لا يمكّنهم من توفير الضروريات في بعض الأحيان، ولا فائض لديهم لشراء الأضاحي".
وأشار رجب إلى أن ارتفاع أسعار الأضاحي مقارنة بالأعوام السابقة سببه قلة الثروة الحيوانية وعدم تمكن التجار من استيراد الأضاحي من عدة مناطق بسبب الحصار, بالإضافة إلى الأمراض المنتشرة نحو العالم.
وزاد بالقول: لم يبق بالإمكان التضحية إلا من قبل الأسر الميسورة، وهؤلاء أعدادهم منخفضة أو قليلة مقارنة بشرائح المجتمع الأخرى, هذا يجعل الطلب على الأضاحي قليلا جدا، بالرغم من رغبة الجميع في أداء هذه الشعيرة"
ونوه الخبير الاقتصادي رجب إلى أن التجار والمستوردين سيتكبدون خسائر كبيرة كونهم يعتمدون على موسم الأضاحي لتحقيق الأرباح، والظرف الحالي لا يساعدهم في جني أرباح ترضيهم.