غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الاعتراف بالاحتلال شرط لنيل الاستقلال

د. عصام نعمان

المفاوضات هي ارقى اشكال المساومات، صحيح ان الجولة الاخيرة من المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، بحضور المبعوث الامريكي مارتن انديك، كانت ‘معركة قاسية تخللتها تهديدات مباشرة’، كما وصفتها مصادر اسرائيلية، لكنها لم تؤدِ قط الى قطع مسار التفاوض، حتى قرار القيادة الفلسطينية بالانضمام الى معاهدات دولية ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة من جهة، والغاء ‘اسرائيل’ قرار الافراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى الفلسطينيين من جهة اخرى، لم يعتبرهما جون كيري بمثابة قطع للمفاوضات. انحى باللائمة على الطرفين واصفا ما حدث بانه ‘هوة يقتضي ردمها بسرعة’.

الى اين من هنا؟

الارجح الى مزيد من الاتصالات، مباشرةً او مداورةً، من اجل تدوير الزوايا والعودة، ربما، الى اطول مفاوضات في التاريخ المعاصر… الا اذا قرر احد الطرفين سلوك طريق موازٍ او معاكس يعتقد انه اكثر جدوى في المدى القصير او الطويل.

لا يبدو بنيامين نتنياهو في وارد تقديم ‘التنازلات’ التي يريدها الفلسطينيون للموافقة على تمديد المفاوضات. حلفاؤه اليمينيون المتطرفون يرفضون مجرد الاشارة الى تجميد الاستيطان في القدس. يرفضون دولة فلسطينية على حدود 1967. يرفضون ازالة الحصار عن قطاع غزة. يرفضون الافراج عن 1200 اسير فلسطيني بينهم مروان البرغوتي واحمد سعادات وفؤاد الشوبكي. يرفضون ‘منح’ السلطة الفلسطينية السيطرة على المنطقة ‘ج’ في الضفة الغربية.

هذه ‘التنازلات’ هي الحد الادنى المطلوب كي يوافق محمود عباس وفريقه على تمديد المفاوضات من دون ان يخسروا ماء الوجه، لكن نتنياهو يعلم ان القبول بــــها يعني انهيـــــار الائتلاف اليميني وسقوط حكومته.

في المقابل، يعي محمود عباس جيدا ان المفاوضات اضحت متاهة، والا جدوى البتة من عقد اي اتفاق جديد مع ‘اسرائيل’، لان قادتها لا يمكن ان يلتزموا بما يتعهدون به. ليس ادل على ذلك من اتفاقات اوسلو لعام 1993. فقد امتنعت ‘اسرائيل’ عن تنفيذ معظم احكامها، بل هي استغلتها لتوسيع دائرة الاستيطان والامعان في قمع الفلسطينيين امنيا ومحاصرتهم سياسيا واقتصاديا. ولعل اسوأ ما انتهت اليه اتفاقات اوسلو انها كرّست الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية في ظل صيغة شكلية ملتبسة اسمها السلطة الفلسطينية.

ما عاد بإمكان الفلسطينيين العودة الى نهج المزيد من الشيء نفسه، لا يمكن العودة الى التفاوض بشأن حقوق وامور جرى ‘الاتفاق’ عليها سابقا. حتى امين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، صاحب السجل الطويل الحافل بمفاوضة الاسرائيليين رسميينَ ومعارضين، فجّر سخطه على الغاء الافراج عن آخر دفعة من الاسرى الفلسطينيين بقوله لوكالة ‘فرانس برس′: ‘اسرائيل اعتادت التنصل من الاتفاقات الموقعة معها، لهذ السبب فان شروط اي مفاوضات مقبلة، ان حصلت، يجب ان تتغير جذريا’.

لعل تغيير شروط المفاوضات هو ما كان اضمره ابو مازن وفريقه عند اتخاذ قرار الاقدام على الانضمام الى 15 معاهدة دولية، واعتزام الانضمام الى مؤسسات عدّة مهمة تابعة للأمم المتحدة، مع الحرص على اعلان عدم التخلي عن مسار المفاوضات. هذا القرار الجريء والمؤثر يتيح للفلسطينيين مسارين، لكل منهما فوائد شتى: الاستحصال من ‘اسرائيل’ على تنازلات وافرة ومجدية في حال موافقة القيادة الفلسطينية على تجميد تنفيذ قرارها المشار اليه، او امعان ‘اسرائيل’ في انكار حقوق الفلسطينيين، ما يؤدي الى تنفيذ قرار القيادة الفلسطينية الاخير ومتابعة مفاعيله المجدية.

لعل اهم مفاعيل قرار القيادة الفلسطينية، ما اوردته صحيفة ‘هآرتس′ في سياق تحذيرها حكومة نتنياهو من مغبة سلبيتها المتمادية:

‘اذا صارت فلسطين عضـوا فـي المعاهـدات الدولية الاساسية، فان هذا سيجعل المدعي العـام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قادرا علـى النظر في الدعاوى التي اقامها الفلسطينيون على ‘اسرائيل’، وسيفتح الباب امـام التحقيـق مـع الاسرائيليين ايضـا في موضوع المستوطنات، لان قانون المحكمة الدولية يمنع دولة محتلة من نقل سكانها الـى اراضٍ تحتلها.. وعمليا تبـدو الخطوة الفلسطينية الاخيرة تحركا اضافيا مـن اجل تأسيس مكانـة فلسطين كدولة، وهـي ايضا رسالة تحذير موجهة الى ‘اسرائيل’ من احتمال جرّ ممثليها الى مقاعد الاتهام في لاهاي’.

اجل، لعل اهم مكسب حقيقي يحصل عليه الفلسطينيون من الانضمام الى المعاهدات الدولية، ولاسيما اتفاق روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، هو انتزاع اعتراف دولي بأن الوجود الاسرائيلي، الامني والاستيطاني، في الضفة الغربية هو احتلال غير شرعي لدولة قائمة وفق احكام القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة. ذلك ان بقاء الضفة محكومة بأحكام اتفاقات اوسلو يجعلها في وضع ملتبس: فلا هي دولة سيدة مستقلة بمعايير القانون الدولي، ولا ‘اسرائيل’ تتعامل معها كدولة، وبالتالي فان القادة الصهاينة يثابرون على اعتبارها جزءا من ‘ارض اسرائيل’ التوراتية ويتابعون استيطانها من دون ان يواجهوا كبحا او حتى مجرد اعتراضٍ وازن من الامم المتحدة.

لا معنى ولا جدوى لاتفاقات اوسلو، ولا مفعول سيادي لاعتراف الامم المتحدة بفلسطين كـ’دولة مراقبة’، ولا استقلال حاليا ولا في المدى المنظور لدولة فلسطين في ظل اتفاقات اوسلو غير النافذة وبقاء الاحتلال الاسرائيلي بكل سلطاته ومظاهره ومفاعيله. يجب الحصول، اولا، على اعتراف من الامم المتحدة والمؤسسات التابعة لها ودول العالم باحتلال ‘اسرائيل’ للضفة الغربية كشرط لتسويغ المقاومة والمطالبة باستقلال الدولة والارض معا. مع الاعتراف الدولي بالاحتلال الاسرائيلي تصبح المقاومة عملا مشروعا ومقبولا ومدعوما ومجديا.

الى ذلك، فان توصيف وجود ‘اسرائيل’ في الضفة الغربية بانه احتلال ينهي عمليا اكذوبة اتفاقات اوسلو، ويفتح الطريق امام نزع شرعية ‘اسرائيل’ ذاتها على الصعيد الدولي، ويُكره قادتها على القبول بتغيير اسس المفاوضات مع الفلسطينيين، بل مع دولة فلسطين السيدة، على نحوٍ يؤدي الى تسريع وتيرتها والتوصل خلالها الى اتفاقات مجدية وملزمة. وفي حال كابرت اسرائيل ومانعت في سلوك سبيل المفاوضات على اسس مغايرة تماما لتلك التي جرى اعتمادها طيلة السنين العشرين الماضية، فان باب المقاومة الشعبية ينفتح على مصراعيه بشكلٍ يؤدي الى توحيد الارادة الوطنية الفلسطينية وعلى تزخيم الكفاح وتحويله الى حركة تحرير وطني لفلسطين اولا وللأمة تاليا.

ان التحوّلات الكبرى في تاريخ الامم لا تتكامل في المفاوضات والمساومات بل في المقاومة المدنية والميدانية بما هي القاطرة المحركة للطاقات والقدرات والصانعة للمصائر.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".